بغداد- العراق اليوم: فالح حسون الدراجي افتتاحية جريدة الحقيقة: من أهم مميزات (المسؤول العراقي) فقدان الذاكرة. إذ ما أن يجلس على كرسي المنصب، ويبدأ أعضاء البطانة، أو الكورس المحيط به بعزف وإنشاد لحن ( هلا بيك هلا )، حتى تبدأ ذاكرته بالتخلي عن كل ما مطبوع على كاسيتاتها أو( ديسكاتها ) القديمة. فلا أرقام تلفونات تبقى، ولا أسماء أصحابٍ، أو أماكن، أو صداقات، أو وعود، أو تعهدات، أوحتى تواريخ شخصية، أو إجتماعية، أو(رفاقية) تظل على حالها.لأن السيد المسؤول سيبدأ بتأسيس ذاكرة جديدة، ( وديسك ) للعلاقات الجديدة، والمصالح الجديدة التي تتناسب وظروف المرحلة الوظيفية الجديدة .. علماً أن مرض فقدان الذاكرة لم يصب المسؤولين العراقيين في هذه المرحلة فحسب .. إنما هو مرض ( وطني ) عام، كان قد افترس من قبل أيضاً، المسؤولين العراقيين منذ أيام حكومة الملك فيصل الأول، وحتى آخر حكومة. أما نحن معشر - الإعلاميين العراقيين - فمصيبتنا خالدة، وكارثتنا باقية على حالها، ولم تتحرك قط. ولعل أهم مشكل نواجهه في حياتنا المهنية، هو مشكل العلاقة السريالية الحلزونية الإنبطاحية مع أعمدة الدولة العراقية.فمهما صرخ الإعلامي ومهما (عيَّط)، فلا أحد يسمعه لأن الإعلامي العراقي يصرخ في وادٍ، وأعمدة الدولة في وادٍ آخر.. فالمسؤول لا يقرأ غير أمرين : إما مقالة تمدحه.. فيكرم كاتبها، وتفتح له أبواب الوزارة - إن كان الممدوح وزيراً ، وتفتح أبواب الدولة على مصاريعها - إذا كان المسؤول رئيساً -،أو مقالة تنتقده، فيلعن ( أجداد ) كاتبها، وتغلق جميع الأبواب بوجهه. وعدا هذين الأمرين، فلا شيء يقرؤه المسؤول.. ولا قضية تحرك شعرة في جسده الطاهر.. وإلّا فماذا يعني عندما نكتب عن المبدعين العراقيين الذين يتساقطون مثل أوراق الخريف كل يوم دون أن يلتفت أحد لما نكتبه عنهم!، وماذا يعني أن المسؤول الفلاني يوعد بإنهاء مشكلة علاج وضمان المبدعين العراقيين، سواء كانوا رياضيين، أم أدباء، أم فنانين، من خلال تشريع قانون وطني يحفظ لهم كرامتهم، وكبر سنهم، ولم ينفذ هذا المسؤول تعهده المعتق، رغم إلحاح الجميع!. إذ يبدو أن توسلات الكبار به تزيد من سعاداته، وتضخِّم شخصيته! وإلّا كم من رياضي عراقي كبير أفنى شبابه من أجل اسم العراق وسمعة العراق، فمات وعينه شاخصة نحو ثمن (الراچيتة ) الذي لم يستطع تدبيره قط!. وكم من شاعر، وفنان، وصحفي، وعالم، وأستاذ جامعي عجوز، لم تلتفت الدولة لشيخوخته البائسة، فذاق المرارة والأسى، والذل، ثم رحل الى ربه شاكياً جحود بلده، ومسؤولي حكومته!؟ .. كم مرة كتبنا عن خضيرسلاطة، وكاظم وعل، ولطيف شندل، وقيس حميد، وگلبرت سامي وغيرهم، ولم تشترِ الدولة كتاباتنا (بست فلوس)حتى مات بعضهم وهو يهزأ بنا وبأقلامنا، وبالدولة التي لم تجب على نداءاتنا الباكية؟ وكم طالبنا بمعالجة ورعاية الوضع الصحي للشاعر الكبير كاظم الكاطع والشاعر عادل محسن والشاعر الغنائي الكبير كاظم السعدي، والشاعر الغنائي الكبير بشير العبودي والفنان الكبير محسن فرحان وعشرات الفنانين والمبدعين دون جدوى ! فإلى متى نبقى نتوسل، والى متى نبقى نحمل (طاسة الگدية) فندور بها على هذا المسؤول، أوعلى ذاك كي يتكرم بدفع نفقات علاج هذا النجم الرياضي الكبير، أو دفع تكاليف فاتحة هذا الشاعر العراقي العظيم ..؟
*
اضافة التعليق