بغداد- العراق اليوم:
بغدادُ والشعراء والصور ليست على ما يرام هذه الأيام، هي مدينة تريد ان تتحرر من ربقة عقود من الإهمال والقتل البطيء لها، وتريد ان تنزع عنها اغلال ثقيلة، وترفع عن وجهها الترف بصمات قاسية طبعتها الديكتاتورية العسكرتارية الفاحشة، ونالها ما نالها من ويلات الحرب الأهلية وإرهاب الخونة والعملاء وبقايا البعث السفاح. هكذا مدينة عمرها يتجاوز عمر دول وممالك، لا بد ان تجلو عن وجهها غبرة الزمن، وان تفتح ذرعانها لعصر جديد، يبدو انها لم تدخله بعد، رغم انها كانت مفتتح العصور وبارقة التغيير فيما مضى من سالف دهرها. يقيناً ان بغداد التي حكمها البعث بالحديد والنار لم تكن هي الانموذج الذي نتحدث عنه، ولا نحن من دعاة الزمن الجميل، الفكرة التي ابتدعها ويروج لها الفلول، فبغداد البعث، حاضرة الدم، ومسلخ كبير، ودهاليز مظلمة، تحت ارصفتها يئن المدفونون في الحياة، وفي اروقتها يقف الجلادون القرويون القساة، الغادرين، يغتالون الفكر، ويحطمون الانسان، ويذبحون المجد. نعم، لسنا من دعاة إستعادة بغداد الأمس، بل نحن نريد بغداد الغد، بغداد الحلم، بغداد ما اشتبكت عليها الاعصرُ .. الا ذوت ووريق عمرها اخضرُ، كما يقول عمنا الكبير مصطفى جمال الدين رحمه الله.
اليوم، بغداد تبحث عمن يعيد لوجهها السنا، ويعيد لملامحها الشاحبة، ذلك الاخضرار المنعش، ويرفع عن ظهرها الرقيق، تلك الأورام الشاذة، يعيد تنظيمها كمدينة، ويدرك معناها العميق في وجدان من عرفها ومن سمع بأسمها.
مؤسف ان يستمر وضع بغداد بهذا الحال، ومؤسف ان يضطر رئيس الوزراء للقول ان " بغداد واهلها ظلموا كثيرا.." الخ من كتاب موافقته على اعفاء أمينها الحالي الذي يبدو انه حاول صادقاً، لكن التحديات اكبر واعمق وأكثر رسوخاً من النوايا الطيبة التي لا تبني لوحدها بطبيعة الحال المدن .
اذن ما الحل لبغداد، وما هو المخرج؟ لو كنت صاحب قرار، لاخترت الذهاب وبلا تردد للتعاقد مع اكبر شركات تطوير المدن، شرط ان تكون شركة حقيقية، ولالفت من كل كليات الهندسة والفنون الجميلة، لجنة عليا، ولوضعت لبغداد خطة عمل متكاملة لا تحرف او تعدل، ولنفذت مشاريع تطويرها بشكل حرفي، ولوضعت جدولاً زمنياً صارماً لإنجاز ما اتفقنا عليه. قد يكون هذا مجرد حلم، لكن الأحلام هي الحقائق المؤجلة، فهل نملك الشجاعة على ان نحول احلامنا الى حقائق؟
*
اضافة التعليق