بغداد- العراق اليوم: مؤلم هذا المشهد المتكرر في كل مرةً يحدث ان يرحل زعيم عربي لدولة مؤثرة أو ملك هنا او رئيس هناك، فينبري حشد من المسؤولين العراقيين من مختلف المسؤوليات والمناصب لتقديم التعازي واصدار بيانات المواساة، وأبراق الرسائل، وذرف الدموع حتى! وليت الأمر توقف عند (التعازي والنعاوي وذرف الدموع)، بل أن الكثير من المسؤولين العراقيين يتسابقون زرافات ووحداناً الى المطارات مستقلين الطائرات لتقديم التعازي لتلك الدولة، أو ذلك الملك، وكم كان مؤلماً منظر الوفود العراقية في العام 2005 حيت توفي ملك السعودية فهد بن عبد العزيز ال سعود، حين شاهدنا ذلك المنظر المخزي، اذ وصلت عشرات الطائرات الى الرياض وهي تحمل كل المسؤولين العراقيين من شتى الاحزاب والطوائف، الى الحد الذي كان في استقبال الراحل طالباني وهو كان يشغل منصب رئيس الدولة أمير منطقة الرياض أو من هو أدنى من ذلك، وصارت حادثة الوفود العراقية وقتذاك موضع تندر الجميع، بل وكتبت وقتها الصحافة، أن " الوفود العراقية لا تزال تتقاطر على الرياض للتعزية!". فأي مشهد من مشاهد الكوميديا السوداء هذا الذي كان، وللأسف تكرر في رحيل الملك عبد الله بن عبد العزيز، مرةً أخرى، فرأينا كل مسؤولي الدولة ( فزعوا) الى الرياض الى الحد الذي دفع بأحد المسؤولين السعوديين الى السؤال عمن يمثل الدولة، ومن يمكن للمسؤولين ان يستقبلوه بروتوكولياً كما هي العادة في استقبال الرؤساء والزعماء. وهكذا ظلت الأمور تسير بهذه العشوائية المفرطة، وبالأمسِ فقط حين توفي رئيس دولة الأمارات العربية المتحدة، الشيخ خليفة بن زايد، شاهدنا كماً هائلاً من البريقات تصدر وتملأ الفضاء الصحافي، وشاهدنا اكثر من مسؤول ورئيس ورئيس حزب او جماعة او وزير وهو يصدر برقيات التعزية، ويخاطب هذه الدولة، بل والأدهى والأمر ان نشاهد تسابقاً نحو العاصمة أبو ظبي لتقديم العزاء، في مشهد يعز على من تهمه سمعة ومكانة العراق، ان يصير الأمر الى ما آل اليه الأن. هذا المشهد الكارثي، وهذا التسابق غير المبرر، لا يعني الا ضياعاً لهوية ومسؤولية الدولة، وأيضاً تخبطاً واضحاً في صياغة مواقفها الخارجية، ففي الوقت الذي أقر الدستور أن من يمثل البلاد، والمسؤول عن سياساتها الخارجية وصياغة خطابها الدبلوماسي هو رئيس الوزراء، وهو راسم تلك السياسات، كان يفترض ان يناط به المسؤولية في التعبير عن موقف العراق التضامني مع بلد شقيق، وأن يذهب وفد برئاسة الكاظمي ليقدم بأسم العراق ككل التعازي، وينقل موقف الشعب العراقي المتعاطف. هكذا هو المفروض، لكن الواقع يقول ان " هذا التنافس المحموم بين الأطراف المتعددة، هو لتسجيل موقف لدى هذه الدولة التي لديها نفوذ اعلامي ومالي مميز، فتطمح هذه القوى لضمانه، أو استغلال هذه المناسبة لتأكيد استعدادها للتقارب مع هذه الدولة"، في مؤشر مؤسف يؤكد الحقيقة الدفينة في الاعماق، من أن الجميع لا يؤمن بأن تختزل الدولة تمثيله، وأن تدير شؤونه، وأن تعبر عن مواقفه، بمعنى ان البعض يريد ان يرسم لنفسه خطاً موازياً لخط الدولة، ولذا تراه يريد ان يتمايز في كل موقف او مفصل مثل هذا الحدث مؤخراً.
*
اضافة التعليق