بغداد- العراق اليوم:
فاطمة الظاهر قد يكون من المناسب التنويه الى أن هذا البحث يمتاز بتفرده كما هو الحال عما سبقه من بحوث تناولناها عن ( الأغنية الخمسينية والسبعينية ) , من زاوية الدرس والبحث في الأوضاع السياسية والأجتماعية التي كان لها تأثير مباشر على تطور الأغنية في فترة الثمانينات والأسهام في منحها خصائص تميزها في كل مرحلة ومحطة من التاريخ السياسي والأجتماعي للمجتمع العراقي ولايغيب عن هذا البحث الأشارة الى العوامل الأقليمية والدولية ولو بشكل مختصر الأغنية الثمانينية ...الاوضاع السياسية والاجتماعية وأثر الحرب في تشكلها الأغنية الثمانينية حالها كحال قطاعات الثقافة والفنون الأخرى، قد تكون أكثر تعبيرا عن مرحلتها وعن التحولات السياسية والأجتماعية لأي بلد، لا سّيما في العراق الذي عانى من تحولات دراماتيكية ومتسارعة منذ الأطاحة بالنظام السياسي الملكي عام 1958 , الذي كان يمتاز بمنظومة دستورية وبرلمانية مستقرة الى حد ما , ونظام أقتصادي ناهض يعتمد اقتصاد السوق الحر. بينما لم تأتي الأنقلابات التي أعقبت تموز عام 1958 ببديل واضح ومجرب على مستوى البنى السياسية والأقتصادية فمع كل انقلاب يتم اعداد نسخة من دستور مؤقت يخدم الفئة الحاكمة وتوجهاتها التي باتت في الكثير من الأحيان خاضعة للأستقطابات الأقليمية والدولية , وينعكس على توجهاتها الأقتصادية والاجتماعية المنفعلة والمراهقة والتي تفتقد الى العلمية والنضج. أذ سعت الحكومات المتتالية الى اعتماد نموذج اقتصاد مركزي تحتكر مفاصله دولة تفقتد الى الرؤية والى أستقرار منظومتها الحاكمة , تشبّها بالأنظمة الأقتصادية للمنظومة الشيوعية والنموذج الناصري , أتجهت هذه الحكومات الى تأميم المصانع الأهلية الكبرى وكذلك التعليم , والتأكيد على الصناعة والأهمال الكبير للقطاع الزراعي وتضييق الخناق على القطاع الخاص وأحتكار التجارة الخارجية بيد الدولة مما تولد عنه بناء جهاز اداري بيروقراطي يفتقد الى الكفاءة وروح المبادرة ساهم في تضخمه وفشله اعتماد الدولة على موارد البترول الذي شكل فيما بعد المورد الرئيسي ليتحول الأقتصاد الى النمط الريعي الذي يعتمد على ما تمنحه الطبيعة من موارد بعد أن كان اقتصادا انتاجيا متنوع الموارد في فترة الحكم الملكي. كل هذه العوامل ألقت بظلال قاتمة على الحياة والمجتمع الذي لايمكن أن يتم بناء دولته ومنظومته الأدارية الحكومية المهنية في ظل غياب عامل الأستقرار وغياب الرؤية العملية في ادارة دفة الحكم ، لاسيما وأن هذه الانقلابات فتحت الباب واسعا أمام المغامرين من العسكر اللذين تناوبوا على أدارة الدولة منذ عام 1958 مرورا بحكم الأخوين عارف وحكم البعث بسختيه في 8 شباط عام 1963 , و17 تموز عام 1968 , اللذين عسكروا الحياة المدنية وأدخلوا البلد في صراعات دامية توجت بحكم البعث الذي وسع من دائرة الصراعات الدموية ليشمل الدول المجاورة بمغامراته العسكرية الفاشلة في عقد الثمانينات. في ظل هكذا ظروف سياسية وأجتماعية نشأة وتفتحت الأغنية السبعينية , وفي ظل ظروف التهيئة للحرب على أيران واعلانها في عام 1980 التي أستمرت لثمان سنوات , تشكلت الأغنية الثمانينة وتبلورت ملامحها والتي استمدت ايقاعها من ايقاع الحرب وتنوع صفحاتها بين الأنتصار حينا والأنكسار والهزيمة حينا آخر , فالاغنية الثمانينية هي أبنة شرعية لخطاب الحرب الذي عمل على توظيفها في ماكنته الأعلامية . وقبل الخوض في الظروف السياسية والأجتماعية التي زامنت الحرب العراقية الأيرانية وأثرها على الأغنية الثمانينية , أجد من الضروري العودة الى العام الذي سبقها عام 1979 , فلقد شهد هذا العام منعطفا تاريخيا حاسما في مسيرة العراق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفنية اللاحقة , تمثل في استلام صدام حسين المنصب الأول في الدولة العراقية بعد أن كان الرجل الثاني في سلم هرم السلطة , ترتب عليه أن يكون ( رئيس مجلس قيادة الثورة والقائد العام للقوات المسلحة وأمين سر القيادة القطرية لحزب البعث ) ولغرض الأسئثار بالسلطة والأنفراد بها فقد بدء بتصفية خصومه السياسين من أعضاء القياده القطرية ومجلس قيادة الثورة بذريعة ( المؤامرة على الحزب والثورة) ، السلطتين الأقوى في النظام السياسي وفق التراتبية الهرمية للهيكل السياسي. كما شهد هذا العام أيضاً الثورة الإيرانية التي تولى آية الله الخميني فيها مقاليد السلطة في إيران في فبراير 1979 الأمر الذي شكَّل انقلابًا جذريًا في إيران بشكل خاص، وفي دول الخليج بشكل عام. أن تصفية المنافسين من داخل الحزب الحاكم أو شركاءه في الجبهة الوطنية من الشيوعيين والكرد وترتيب شؤون الحكم على فصال الزعيم الأوحد , ولما يتمتع به صدام حسين من خبرة وحضور سياسي مؤثر ، كل هذا عزز من رصيده الجماهيري طيلة الفترة الماضية بدأً من 1979 حتى سقوط النظام في 2003 ، مما جعل الطريق أمامه سالكة بعد أن تسلم الرئاسة ليطبق نموذجه السياسي ( الدكتاتوري) مقتفيا أثر التجربة الستالينية وغيرها من نماذج هذا النمط من الحكم . تعتمد أغلب النظم السياسية الدكتاتورية في العالم على منهجية بالحكم تكاد تكون جميعها متطابقة والى حد كبير , ومن سماتها ، الانفراد بالقرار السياسي , القسوة في تصفية الخصوم الحاليين أو المحتملين مستقبلاً , وتشكيل أجهزة أمنية وأستخباراتية مغلقة , تسندها منظومة اعلامية وتربوية عالية الكفاءة تسعى لمسح الذاكرة الجمعية والتأسيس لذاكرة جمعية جديدة ولنمط ثقافي يتمركز حول عبادة القائد الرمز المنقذ والتقيد بوصاياه وتوجيهاته . ولكون صدام حسين كان على دراية كبيرة بدور الأعلام وتأثيره فلقد حرص طيلة الفترة الماضية على أن يترأس المكاتب التي تدير وتخطط للسياسية الأعلامية والأيديولوجية للحزب والدولة في نفس الوقت ، ومن هنا يمكننا تلمس التغير الكبير في الاعلام وفي الخطاب الأعلامي بعد أستلام صدام حسين للمنصب الأول ، حيث استثمر وسائل الاعلام وعلى محدوديتها ( الاذاعة والتلفزيون ) بالظهور لبث خطبه المطولة التي كانت تأخذ مساحة كبيرة من زمن البث التلفزيوني للقناة الأرضية الوحيدة آنذاك . لقد كان للأغنية حصة مهمة في الخطاب الأعلامي للسلطة لما لها من تأثير مباشرة على عموم الجماهير وسهولة تمرير رسالته في تمجيد الحاكم الذي تكفلت به مؤسسة ( الأذاعة والتفزيون) محترفة وتمتلك أمكانات كبيرة على مستوى الأستوديوهات والترويج بالأضافة الى الدعم المادي السخي لحشود من كتاب الأغنية والملحنين والمطربين اللذين كرسوا جهودهم لخدمة هذا الغرض , والذي صار سمة مرور لكل مطرب وملحن وكاتب أغنية يبغي الدخول الى الأذاعة والتلفزيون لينال حظه من بث أغنياته على موجات الأذاعة أو التلفزيون المحتكرة من قبل الدولة . لذا فلقد تسيدت أغنية تمجيد القائد والتي يطلق عليها خطأً بالاغنية (الوطنية..؟) التي تتغنى بالحاكم وبأنجازاته والخير العميم الذي ينتظر الشعب بعد تقلد صدام حسين رئاسة الجمهورية , حيث تسيدت هذه الاغنيات الفترة مابين أستلامه الحكم عام 1979 والى بداية الحرب مع ايران عام 1980. ويمكن تحديد ملامح عامة لهذا النوع من الغناء يتلخص بالنقاط التالية:- 1- اغنيات كلماتها متفائلة وتتغنى بحب القائد وبالخير الوفير الذي سيجلبه للشعب الذي تماهى بشخص القائد 2- ألحانها مبهجة وخفيفة 3- تغنى من خلال غناء فردي ، وقد شارك اغلب مطربي تلك الفترة طوعاً او جبراً ، أو تقدم بشكل جماعي ، حيث استحدثت العديد من الفرق الغنائية التي كانت تتغنى بحب القائد ( الفرقة النغمية ، فرقة احباب القائد .. وغيرها العديد من الفرق) 4- لغرض بناء ذاكرة جمعية جديده لدى الشعب وترسيخ هذا النهج ، كان يعاد بث هذه الأغنيات وبتكرار ممل يعقب كل حركة يقوم بها (القائد الرمز) في حله وترحاله 5- كنماذج لغناء هذه المرحلة : - أغنية ( بين الشعب وبينك ) كلمات زامل سعيد فتاح - ألحان طالب القرغولي - غناء حسين نعمة - أغنية (العزيز أنت) كلمات زهير الدجيلي - ألحان طالب القرة غولي - غناء حسين نعمة - أغنية ( نحبك والله نحبك ) غناء حسين نعمة - أغنية (أحنة مرة نموت ومرة نعيش ) كلمات زامل سعيد فتاح - لحن طالب القره غولي - غناء فرقة الأنشاد , والتي بثت عقب تصفية صدام حسين لرفاقه بالقيادة - أغنية (هذا القائد قائدنا ) اداء الفرقة الجماهيرية الموحده - أغنية (ياعزيز الوطن ) من الحان محمد نوشي وغناء مائدة نزهت - أغنية ( نعم أحب ) التي غناها داود القيسي وغيرها من النماذج الغنائية التي أسست لنمط غنائي ولحني سيكون العنوان الأبرز لعقد الثمانينات ولأغنية الحرب التي أمتدت على مدى ثمان سنوات . وأذا جاز لنا القول فيمكن أعتبار هذه الأغنيات والألحان كانت بمثابة بروفات وتحضيرات لأغاني الحرب التي اندلعت عام 1980 بين العراق وأيران والتي سنأتي على وصفها في بحثنا هذا. الحرب وأثرها على تطور الأغنية الثمانينية شكل نجاح الثورة الأسلامية في أيران عام 1979 نقطة تحول وأختلال بالموازنات الأقليمية , بسبب ثقل أيران كدولة أقليمية كبيرة , وكذلك بسبب الخطاب الأيديولوجي للثورة الأسلامية التي أسست لدولة دينية تسعى لتصدير نموذجها الى العالم الأسلامي , أبتداءا من محيطها الأقليمي ثم الى المحيط الأسلامي عامة ، وبسبب تعدد مراكز القوى فيها وبسبب الروح الثورية العالية لقادة الثورة وحماس شبابها فلقد صدرت الكثير من التصريحات المستفزة التي كانت مصدر قلق للعراق والخليج ، وهذا ماجعل من الحرب أمرا حتميا لاسيما وأن حكومة العراق وبعد أن عقدت أتفاقية 1975 مع شاه ايران قد أتجهت وبقوة الى بناء ترسانة اسلحة مدعومة بأقتصاد قوي نتيجة للوفورات المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط بعد حرب تشرين 1973. حتمية الحرب , يعني التحضير لها في كافة الجوانب , حيث سيكون للجانب الأعلامي دورا كبيرا فيها , كما ستكون للرسالة الأعلامية المتعددة الوسائط عاملا مهما في تحصين الأفراد والمجتمع من اعلام الخصم من ناحية , ولرفع الروح المعنوية للمقاتلين وللشعب عموما لكي يكون مستعدا للتماهي والتكيف مع ظروف الحرب ومتطلباتها من ناحية أخرى..ولقد كان للشعر الشعبي والغناء المساحة الاوسع والتأثير الاكبر في هذه الرسالة . الحرب حالة أستثنائية ومفصلية في حياة الشعوب وحين تكون حربا واسعة كالتي حصلت بين العراق وأيران فمن المحتم أن تتوجه موارد وطاقات الدولة المادية والمعنوية لخدمة هذه الحرب ، كما هو الحال مع باقي القطاعات ، طبيعة هذه الحرب وتنوع معاركها الكبرى التي أمتدت لثمان سنوات استنزفت الموار المالية والبشرية للبلد , فبعد أن كان العراق يمتلك أكثر من أربعين مليار كأحتياطي نقدي ، خرج من الحرب وهو مثقل بديون تجاوزت المائة مليار دولار . كما أن انخراط أغلب الرجال في الحرب وغياب الأب عن البيت ترك آثارا سلبية على التكوين العائلي والأجتماعي والذي عانى من تصدع للمنظومة الأجتماعية كنتيجة حتمية لكثرة القتلى والجرحى والمعاقين اللذين خلفتهم المعارك , وبسبب نقص الموارد المالية فقد شهد قطاع الصحة والتعليم وغيره من القطاعات المهمة تراجعا كبيرا بعد أن كان مشهودا له بتفوقه ونجاح برامجه (محو الامية ) على مستوى المنطقة والأقليم . لقد كُرسَ الفن والأدب وكل أمكانات الدولة في خدمة المجهود الحربي ..وكان الغناء والشعر الشعبي الأكثر أسهاما والأسرع أستجابة لمتطلبات الحرب والتعبير عن معاركها.... بل نستطيع القول ان الشعر الشعبي والاغنية كانت الترجمة الفعلية لسير المعارك على الجبهات ، فما أن أعلنت الحرب بأستعادة المخافر الحدودية ( هيلة , وزين القوس ..وغيرها ) حتى أنطلقت الحناجر تصدح بعودتها من خلال أغنيات ( ياشبل زين القوس ) للمجموعة , وأنشودة ( هي ياسعد ياجدنا ) لحن طالب القره غولي وغناء فرقة الأنشاد العراقية , مما يعني جاهزية المؤسسة الأعلامية للأستجابة للتوجيهات ولمتطلبات المعركة . مراحل تشكل الأغنية الثمانينية تزامن ولادة الأغنية الثمانينية مع أندلاع الحرب العراقية الأيرانية , والتي أفرزت أنموذجا جديدا لنمط من الغناء العراقي كنتيجة حتمية لحرب طاحنة أمتدت على مدى ثمان سنوات قاسية تخللتها معارك خاسرة حينا ورابحة أحيانا أخرى . الاغنية الثمانينية يمكن تقسيمها الى نوعين ، اغاني الحرب ، والاغاني العاطفية ، ولكي نقف على شكل الاغنية العاطفية في فترة الثمانينات لابد وحتماً ان نتطرق الى أغاني الحرب للارتباط الشديد بين الأغنيتين ان كان على مستوى العقد ( الثمانيني ) بأكملة أوعلى مستوى الجوانب الفنية لشكل الاغنية الثمانينية (العاطفية وأغنية الحرب). ( أغاني الحرب) لربما سائل يسأل لماذا ( اغاني الحرب ) ولم نسميها ( الاغاني الوطنية ) أن الحروب حالة طارئة في حياة الشعوب ، اما الوطن فهو حالة دائمة ، وان السلام والسلم هي الحالة الطبيعية التي تعيشها الشعوب اما الحروب فهي حالة استثنائية ، وتبعاً لذلك توصف اغنية الحرب بأنها اغنية مرحلية مرتبطة بضرف محدد وهو ضرف الحرب ، تنتفي مع انتفاء السبب والغرض منها هو ( للتعبئه والتحشيد ) لخلق آثر عند الجمهور للتفاعل مع الحرب ، لذلك تكون بسيطة ومفهومه وسلسة ومتكررة للجمل الموسيقية لكي يرددها عموم الناس ، لذا فأن اغنية المعركة تزول ما ان يزول الضرف الطارئ ، بدليل ان كل اغنيات المعركة التي وضعت اثناء الحرب والتي كانت تبث على مدار الساعة ، توقف بثها ما ان انتهت المعركة رغم ان النظام الذي اتخذ قرار الحرب كان لا يزال موجوداً. وكذلك بالنسبة للاغنيات التي تمجد القائد ويطلق عليها أغنية وطنية ، فما أن تضع اسم شخص في الاغنية الوطنية هذا يعني انك اختزلت الوطن والشعب وكل مقدراته البلد بشخص واحد فقط ، فحسب الخطاب الايديولوجي للحزب الحاكم وللدولة ، فأن شخص الرئيس يتسم بالقدسيه وهذه واحده من خصائص الانظمة الشمولية الدكتاتورية المتعارف عليها ، فهو المخلص والمفكر والقائد والاب الحنون وجالب الخير والرفاهية لشعبه وهو الشجاع والفارس المغوار في اوقات الحروب والملمات ، لذا فقد صيغت الرساله الاعلامية في عمومها بأتجاه ترسيخ هذه الحالة ، وقد كان للغناء دوراً مهماً قي تجسيد هذه الصور والترويج لها. ففي بداية تسلمه السلطة ظهرت اغنيات تمجد القائد ، وكنماذج لغناء هذه المرحلة أغنية ( بين الشعب وبينك ) واغنية ( العزيز انت ) وما بين استلامه للسلطة وختام الحرب تعود الاغنية الى نفس خطابها الاولي بنموذج (شكد انت رائع سيدي) التي غناها ياس خضر والتي بثت حال اعلان بيان وقف اطلاق النار مع ايران وانتهاء الحرب ، ولكن هذا لم يمنع من تسرب بعض الاغنيات القليلة جداً من الخضوع لهذا المعيار والتي نستطيع ان نطلق عليها بالاغنية الوطنية ، مثل اغنية سميرة سعيد ( عراق الكرامة) التي لحنها لها الفنان طالب القرة غولي ، كذلك اغنية لغد اجمل لغد ابهى ، واغنية حبيبي الوطن أسمة غناء فرح ، وأغنية فهذه اغنيات خالصة تتغنى بحب الوطن وتصلح لكل زمان مهما تغيرت الانظمة السياسية. الاغنية الوطنية تمتاز برقة الاحساس وعذوبة النغم ، تجد فيها الحس العاطفي الجمالي وهنالك بعض الاغنيات الوطنية التي تجد فيها الحس الطربي ، ومن حيث الهدف فانها تعبر عن إدامة العلاقة بين الفرد والمجتمع وبين الفرد والارض (الوطن) وتكون اكثر رصانه في بناءها اللحني والكلام ، واكثر خلوداً من اغنية الحرب لانها تحتوي على طاقة تعبيرة عالية قادرة في التعبير عن تطلعات المجتمع واهدافه وتاريخه ومستقبله يمكن تحديد ثلاث مراحل مرت بها اغنية الحرب في الثمانينات ، مع تحديد ملامح عامة لهذه الأغنية في مراحلها الثلاث تبعا لتطور سير المعارك على الجبهات القتالية وعلى الظروف الأقتصادية التي ألقت بظلالها على الحياة العامة بعد نفاذ الأحتياطي النقدي والأعتماد على المعونات والقروض التي كانت بالكاد تلبي حاجات التسليح وتعويض خسائر الحرب . المرحلة الأولى : 1980 في بداية الحرب و(تبعا لخطاب السلطة وأيديولوجيا الحزب الحاكم ) التي تمكن فيها العراق ليس فقط من أستعادة مخافر حدودية لم تزل تحتفظ بها أيران ، بل توغل الجيش العراقي في عمق الأراضي الأيرانية وأحتل العديد من المدن الحدودية ..وكان للخطاب الأيديولوجي حضورا طاغيا .. فكانت أيدولوجيا البعث القومية بمواجهة مع الأيديولوجيا الدينية الشيعية ( الفارسية ) وقد وجد هذا الصراع الأيديولوجي أصطفافا ودعما عربيا مع العراق ماديا وسياسيا , ماعدا سوريا التي أختارت الأصطفاف مع أيران لأسباب تاريخية معروفة تتعلق بالصراع السياسي بين جناحي حزب البعث العراقي والسوري. لذلك تشكلت الاغنية بالملامح التاليه : - أستحضار التاريخ العربي من خلال أطلاق تسمية (قادسية صدام ) على هذه الحرب , وصدحت الحناجر الغنائية بأناشيد تستحضر رموز التاريخ في أنشودة (هي ياسعد ياجدنة) , ( ياشبل زين القوس سلم على القسطل) , و(رايات العز) لمجموعة مطربي الريف ( الله للنصر خطواتنا) لفرقة المسرح العسكري وغيرها . - أتسمت معظم الأغاني الفردية والجماعية بكلمات النصر وبالأشادة بدور (القائد الرمز) الذي حقق الأنتصارات العسكرية التي أستعادت للأمة أمجادها السابقة من خلاله؟ كما في أنشودة ( تقدم وأحنة وياك أثنين ) غناء صلاح عبدالغفور مع المجموعة ومن كلمات زامل سعيد فتاح ولحن ياسين الراوي , اغنية (عراقيين وأحنة نحمي هاي الكاع ) للمطرب قحطان العطار. - كما أن أغلب الألحان كانت تتسم بالفرح والحماس وتميل الى الألحان البسيطة وأعتماد جمل موسيقية سلسة مكررة في قوالب موسيقيه غير معقده - التوسع بأستخدام الآلات الموسيقية الأيقاعية لتحقيق الأثر المطلوب للحماسه ، وهذه كانت واحدة من السمات المهمة في الأغاني والأناشيد التي تهدف الى التحشيد والتعبئة للحرب . - فترة الثمانينات كانت بداية التأسست للكثير من الفرق الجماعية منها فرق المنظمات المهنية والقطاعية كفرقة اتحاد نساء العراق وفرقة المسرح العسكري وفرقة طيران الجيش والفرقة النغمية للاتحاد الوطني لطلبة العراق بالاضافة الى فرق الانشاد الغنائية التابعه للاذاعة والتلفزيون وفرقة مطربي اغاني الريف ، اضافة الى فرق آنية أرتجالية يزج بها الممثلين والوجوه المعروفة في انشاد الاناشيد الجماعية ، من اجل أدامة الزخم المعنوي للمعركة المرحلة الثانية : من عام 1981 وحتى منتصف عام 1987 حيث بدأت أيران بأمتصاص الصدمة العسكرية وأعادة ترتيب قواتها العسكرية وأخذت زمام المبادرة في الهجومات الواسعة التي أستعادت من خلالها الكثير من مدنها المحتلة وكبدت القوات العراقية خسائر فادحة وكانت مفاجأتها الكبرى التي غيرت مسار الحرب هو أحتلالها لمدينة الفاو عام ( 1986 ) الذي شكل منعطفا حاسما لأعادة تأكيد الخطاب السياسي الأيراني على هدف تصدير الثورة الأسلامية . كما أن طول زمن الحرب وفقدان الأمل بتوقفها في وقت قريب ، جعل الناس ومؤسسات الدولة تتعاطى معها كجزء من الحياة اليومية , وعلى أيقاع جبهات القتال التي كانت تتراوح بين مناوشات يومية بين الجيشين ومعارك كبرى متباعدة ، وعلى ايقاع الحرب ، كان يتشكل أيقاع البلد والذي كانت تقوده أوركسترا رسالته الأعلامية وزارة اعلام محترفة , أعتبرت بمثابة فيلق مضاف الى الفيالق العسكرية المقاتلة , حيث كان يمكن تلمس مسارات المعارك , (ربحا أو خسارة ) من خلال نوع الأناشيد وأغاني المعركة التي تبث من الاذاعة والتلفزيون . ويمكن تحديد ملامح عامة لشكل الأناشيد واغنية الحرب وتطورها خلال هذه المرحلة كما يلي : - أستمرار النمط السابق في الغناء الذي يتغنى بالعروبة وبرمزها ( صدام ) ، والذي كانت تؤديه في أغلب الأحيان المجاميع التي توسعت أفقيا من خلال ظهور فرق قطاعية لأصناف عسكرية كفرقة الطيران أو فرق المنظمات الطلابية والمهنية والنسوية وغيرها , التي غالبا ماكانت تشيد بدور قطعات عسكرية بعينها أو صنوف قتالية , كأنشودة ( صكر الحومة ) كلمات فوزي ناصر وألحان حكمت ناهي , وأغنية ( صكر السمتية ) غناء رضا الخياط , وأنشودة ( دكي يالراجمة ) غناء جماعي , وأنشودة (الفيلق السابع ) لفرقة المسرح العسكري , وأنشودة ( الحرس الجمهوري) لمجموعة مطربي الريف وغيرها . - حافظت الاغنية على نمطها اللحني البسيط الذي يعتمد على جملة لحنية بسيطة تتكرر على المسار اللحني , الذي يتسم غالبا بالحماس والتفاؤل والتحشيد تحت راية (القائد الرمز) المخلص . - أتساع ظاهرة الغناء الجماعي للمطربين المحترفين أما بشكل لحن يؤدى جماعيا أو على شكل اوبريت يتناوب الغناء فيه بعض من المطربين المحترفين , كما هو الحال في أنشودة (الحرس الجمهوري) الذي أشترك بأدائه كل من ياس خضر وحسين نعمة ورياض أحمد وصباح السهل وفاضل عواد وكريم حسين ، وأوبريت ( أكرمنا) تأليف عبدالرزاق عبدالواحد وتلحين طالب القره غولي أداء داود القيسي ووفاء بغدادي والطلفة وفاء بمشاركة مطربي الريف وفرقة الأنشاد ومجاميع الأطفال وتمثيل نخبة من الممثلين . وأوبريت (هنا زود وهنا أرجال) غناء رياض أحمد وداود القيسي والمجاميع ، وكذلك أشراكهم مع المجاميع والفرق الغنائية بأنشودة واحدة بصيغة التحشيد الفني وخاصة في المعارك الكبرى كما هو الحال في أنشودة ( على ظهور الشكر شدت الخيالة ) و (هيه يهل العمارة ) وأنشودة ( ياكاع ترابج كافوري ) ,وأنشودة ( أحنة مشينا للحرب ) لحن طالب القره غولي وغيرها . - توظيف أصوات الأطفال أما بصيغة كورالات أو صولوات في الغناء للحرب ولمعاركها وبثها على البرنامج العام (للكبار) كما هو الحال في أغنية ( علي ياطيار علي ) التي غنتها الطفلة داليا العقيدي , وأغنية ( تروح وترد بالسلامة يابابا ) كلمات طاهر سلمان وألحان كنعان وصفي وغناء بيداء عبدالرحمن , وأغنية ( هسة يجي بابا البطل ) من غناء الطفلة وفاء , وأغنية ( سالم ياعراق ) غناء ألهام أحمد وأغنية ( أبو الفرسان) للطفل آنذاك هيثم يوسف وغيرها . - توظيف الأصوات العربية بألحان عراقية في الغناء للمعركة , لغرض أدامة زخم الخطاب الاعلامي للحرب واعطاءه بعداً عربياً ، ولرفع معنويات المقاتلين على جبهات القتال وكذلك للشعب وخاصة بعد هزيمة الجيش العراقي في اكثر من معركة ، وتأكيداً للبعد القومي لخطاب الحرب الذي سعى النظام الى الترويج له على اعتبار ان المعركة قومية عربية وليست عراقية فقط ، لذا استعانت الحكومة بمجموعه من المطربين العرب وعلى اوقات مختلفه للمشاركة في اغاني الحرب ، حيث غنت سعاد محمد أغنية (طلعت الشميسة) وكذلك غنت وردة الجزائرية الحان الموجي وأغنية (عراق الثائرين) من كلمات الشاعر علي الياسري ، وسميرة سعيد غنت ( سلاما ياعراق) , وسوزان عطية التي غنت الكثير من الألحان وكان أبرزها (راية النصر لوانا) من كلمات غازي مجيد وجميعها من ألحان الفنان طالب القره غولي , وكذلك المطربة رباب التي غنت أغنية (صادق ياصدام ) كلماتها والحانها ، وكذلك تم توظيف المجاميع والفرق الغنائية العربية مع الفرق العراقية في بعض الأناشيد كما هو الحال في أنشودة( منصورة يابغداد ). - توظيف كافة المشتغلين بالفن من مطربين وممثلين وشعراء في الغناء ضمن الفرق الغنائية لاعطاء الحماسه للتعبئة والتحشيد للحرب. - توظيف الرموز الدينية الشيعية في مرحلة لاحقة من الحرب في بعض الأغاني والأناشيد كما هو الحال في أغنية سعدون جابر ( أبو حسين علي ) وأنشودة( لاوالله والعباس ) التي كتب كلماتها الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد وغيرها من الأغاني ، وذلك لتعزيز الجانب المعنوي للمقاتلين الذين يشكل الشيعه النسبة الغالبه منهم تصل الى 90% من مقاتلي الجيش العراقي. - يمكننا ملاحظة الحضور القوي والطاغي للملحن طالب القره غولي وهيمنته لحنيا على ساحة الغناء للمعركة ( كما ونوعا ) منذ تسلم صدام حسين والى حين انتهاء الحرب عام 1988 حيث يمكن ملاحظة أنسحابه للساحة الغنائية للمعركة وندرة ألحانه العاطفية , كما يمكن ملاحظة أحتكاره لألحان المطربين العرب اللذين غنوا للمعركة . نستطيع القول ان هذه المرحلة كانت من اغزر المراحل في الانتاج الغنائي للمعركة. المرحلة الثالثة :- يمكن حصرها بين عامي 1987 وعام 1988 نهاية الحرب الايرانية – العراقية حيث شهدت هذه الفترة أستعادة الجيش العراقي لقوته وتفوقه على الجيش الأيراني الذي شهد أنهيارا متسارعا في معنوياته وهزيمته في أغلب المعارك التي خاضها مع الجيش العراقي وتراجعه عن أغلب المناطق التي أحتلها من شمال العراق الى جنوبه والأنكفاء داخل حدوده , واسترجاع الفاو بعد احتلالها من الجانب الايراني لأكثر من سنتين ( شباط / فبراير 1986 – نيسان / أبريل 1988 ) ، وتوجت هذه المرحلة بقبول أيران بمبادرات السلام الدولية بعد المقولة الشهيرة لمرشد الثورة الأيرانية بأنه يفضل تجرع السم على القبول بالتوقيع على أيقاف الحرب , والتي أعتبرها صدام ومنظومته الأعلامية أنتصارا باهراً لهم , مع أن الحقيقة أن الدولتين عادت الى نفس الحدود وأتفاقية عام 1975 بين البلدين , بعد الأنهاك المستمر بموارد البلدين وضحايا الحرب من قتلى وجرحى ومعوقين...........؟ شهدت الأغنية والأناشيد في هذه المرحلة وهي السنه الاخيرة للحرب العودة الى روح المرحلة الأولى التي أبتدأت في العام ( 1980) , وهي التغني بالأنتصارات وبالقائد الرمز الذي قاد وخطط وأشرف على معاركها , فحق لهم أن يحتفلوا بهذا النصر الذي توج بأيقاف أطلاق النار , والذي كان أمل جميع العراقيين وكان أيضاً ذروة التعبير عن روح النصر وفق الخطاب الأعلامي للدولة . شهدت هذه المرحلة صعود جيل من المغنين يقف في المقدمة منهم كاظم الساهر الذي غنى أغنية ( الله يافاو العرب) أحتفاءا بعودتها وكذلك محمود أنور الذي كان في بداية شهرته حين غنى أنشودة ( ياصدام مايمرون) من كلمات زهير الدجيلي وألحان جعفر الخفاف , كما أستمرت عملية تحشيد المغنين والممثلين وأحيانا بمشاركة الفنانين العرب في مجموعة من الأناشيد أحتفاءا بالأنتصارات (وبقائدها الرمز) , كما هو الحال في أنشودة (من عمرنا على عمرك ياصدام ) ألحان جعفر الخفاف , وأنشودة ( غنيلة يادنيا غنيلة ) ، وتوجت هذه المرحلة بأغنية (شكد أنت رائع سيدي) التي غناء ياس خضر ، من كلمات بشير العبودي وتلحين طالب القره غولي , وقد تزامن بثها مع أعلان نهاية الحرب خصائص اغاني الحرب أ) موسيقياً يطغي على أغنية الحرب الثمانينية طابع القوة والحماسه ، وعادةً ماتكون أغنية براقة متوهجه وهذا يعود الى متطلبات ( الحرب ) الى اغنيات ذات تأثير قوي ومباشر على أسماع الشعب ، وهذه الحماسة والتوهج يعمل عليها الملحن في الاغنية من خلال (عنصري الايقاع واللحن ) الذي تتشكل منه الاغنية العربية بصورة عامة. 1- المقامامت الموسيقية المستخدمة في أغنية المعركة: عادةً ما يستخدم الملحن مقامات معينه بعينها وهي تلك التي تحمل في طياتها شخصية الفرح والخفه أوالشموخ والهيبة او الحماسه ، مثل مقام الراست والبيات والسيكا والحجاز والعجم ، وهنالك بعض اغاني المعركة التي تلحن على مقام ذات شخصية عاطفية عذبة ترقق القلوب مثل مقام النهاوند ، والابتعاد عن المقامات التي تحمل في شخصيتها طابع الحزن والالم والبكاء مثل مقام الصبا او اللامي. 3- الايقاعات الداخلة في اغنية المعركة عادةً ما يكون من الايقاعات السريعه ( كالمارش العسكري) الذي يوافق ميزانه زمن الخطوة العسكرية 4/2 وهو الغالب في اغاني المعركة ولكن احياناً يأتي المارش بميزان 4/4 او ¾ ، ثم يبدأ العازف يتصرف بالعزف على الالات الايقاعية والتنقل من نغمة الى نغمة حسب سير اللحن في الاغنية ، لذلك نجد اغلب الايقاعات في اغنية المعركة سريعه حيث يلجأ الملحن الى هذا النوع من الايقاعات السريعه ليعطيها القوة والحماسه ، أضافة الى أستخدام عدد كبير من الالات الايقاعية من طبلة الى دفوف وطبول وصنوج ، مما يجعل عنصر الايقاع في اغنية المعركة غالباً ما يكون طاغياً كي يعطي الاثر المطلوب لعملية التحشيد والتعبئة للمعركة . 4- اغلب اغاني المعركة تغنى على الطبقات الصوتية العالية لتعطي طاقة تعبيرية عالية في وقعها الحماسي 5- الجمل اللحنية الموسيقية عادةً ما تكون جمل بسيطة التراكيب سلسة ومتكررة وغير معقده ليكون قادر على غناءها وتردديدها عموم الناس وغالباً ما تتسم بالخفة والسرعة والفرحة الراقصة 6- أعتمد بشكل كبير على الغناء الجماعي الذي برز بشكل كبير وملفت للنظر في هذه الفترة من خلال ( أغاني الحرب) والذي كان يعطي تأثيراً حماسياً اكبر لدى جمهور المتلقي ، عُمد الى أدخال الكورس الجماعي ( في اغلب الاغاني الفردية للمطربين) لتعزيز الغناء ودعم الزخم الحماسي للاغنية ب ) شعرياً تتسم قصائد اغاني المعركة بشقيها الفصيح والشعبي بطاقة انفعالية عالية ، تتسم كلماتها بالوضوح والبساطة في الفاظها ولكنها بليغة المعنى ، محكمة الصياغة والبناء لخلق اكبر قدر ممكن من التأثير على التعبئه والتحشيد للحرب ، كلماتها غالباً ما تهدف الى استنفار قيم الرجولة والبطولة والنخوة والشهادة ، استعانت بعض اغنية الحرب في العراق بالرموز التاريخية والدينية وتوظيفها في بناء القصيدة لايقاع الاثر المطلوب في التحشيد للحرب. تنوعت مواضيع اغاني الحرب في فترة الثمانينات بسبب طول أمد الحرب وتعدد معاركها ، فنجد ان القصائد توزعت بين قصائد آنية انفعالية تتعلق بمعارك محدده مثل اغنية (هه يا سعد يا جدنا) و(هه يا اهل العمارة ).. وهنالك نوع اخر من اغاني المعركة اكثر رصانه في بناءها الشعري تعبر عن مفهوم الحرب عامة ، حيث كتب بعض الشعراء القصائد التى تزين فكرة الحرب الى المقاتلين ، تعزيزاً لمفهوم الدفاع عن الارض والعرض ولترسيخ مفهوم الشهاده في الوجدان الشعبي وما يحمله من مدلولات عميقه ، نلاحظ كذلك بروز نوع من الاغنيات التي جاءت خاليه من العنف واصوات المدافع كما في اغنية (احنا مشينا للحرب عاشق يدافع من اجل محبوبته) للشاعر كاظم الركابي والتي قدمت سنة 1980 مع بداية الحرب مباشرةً المؤدون ليس هنالك من مطرب او مشتغل بحقل الغناء لا يحب التغني للوطن ، ولكن الاغاني في عقد الثمانينات طغى عليها اتجاه محدد نحو تمجيد القائد او اغنيات الحرب ، ومن المؤكد هنالك من كان مؤمناً ومتبني لخطاب القائد والمعركة ، وهنالك من كان رافضاً تماًما ، والقسم الاكبر هم من وقعوا تحت الضغوط او مراعاة لمصالحهم النفعية او مواقعهم الوظيفية اضطروا الى الانخراط في المساهمة في اغاني الحرب شاعراً كان او مغنياً او ملحناً ، اما من الذين لم يكن مؤمنا بفكرة الحرب اضطروا الى الابتعاد عن الساحه الفنية او الهجرة الى خارج البلد ولو ان اعدادهم كانت محدوده. اما بالنسبة للذين قدموا العديد من الالحان والذين أدوا تلك الاغنيات طوال فترة الثمانينات فهم الاغلبية من فنانين العراق (حسين نعمة ، فاضل عواد ، سعدون جابر ، داود القيسي ، محمود انور ، كاظم الساهر ، حميد منصور ، صلاح عبد الغفور ، رضا الخياط ، قحطان العطار ، رياض احمد ) .. وغيرهم. الأغنية العاطفية الثمانينية :- أن الأستغراق في أستعراض أغاني وأناشيد الحرب التي أمتدت على مدى ثمان سنوات من معارك طاحنة , كان توصيفا لواقع أجتماعي وسياسي ووجودي بالنسبة لسلطة البعث التي تعتبر نفسها آخر حصون العروبة بمواجهة هجمة (فارسية) برداء الدين الذي يتعارض مع ايديولوجيتها العلمانية , مما دعى دولة البعث الى تكريس الجهد الأكبر من أمكانات الدولة المادية والمعنوية في خدمة هذا الهدف . ولكن هذا لايعني بالضرورة أهمال الأهتمام بالحياة المدنية وخاصة بعد أن دخل عداد الحرب مرحلة الشهور والسنوات ، واطالة أمد الحرب وضغوطاتها النفسية التي القت بظلالها على نفسية الشعب العراقي ، وكجزء من عملية التنفيس عن أجواء الحرب وأمتصاص الاحتقان النفسي لدى الشعب سعت الدولة الى التخفيف من صرامتها الأيديولوجية وترك فسحات مدنية مسيطر عليها , ان كان في مجال الغناء او في مجال الفنون الاخرى كالمسرح ، لذلك فتح الباب واسعاً امام المسرح الترويحي (كوميدي) وبالعمل على نطاق واسع , كذلك سمحت للحفلات الغنائية بالأنتشار في الأندية والفنادق والنوادي الليلية التي شهدت أزدهارا ورواجا , وسمحت بالترويج الى انماط فنية ترويحية قد تفتقد الى الكثير من الخصائص الفنية المعيارية للغناء العراقي ، فروجت للغناء المرح والراقص دون الالتفات الى قيمته الفنية التي كانت ترفضها لجان الفحص سابقاً. مثل مي ووحيد والمطربة وربيعه وسعاد عبدالله واتسعت ظاهرة مطربي الكاسيت اللذين ما لبثوا أن تسيدوا ساحة الغناء في العقد التسعيني ، مثل باسم العلي , حاتم العراقي , علي العيساوي , وبعض الفرق الغنائية التي تعتمد الباند الغربي التي أتسع حضورها بشكل لافت للنظر كتجربة الفنان عادل عكلة والفرق الاخرى التي كانت تعزف للمطربين ، والتي كانت حواجز رقابية صارمة تقف حائلا بينهم وبين الحصول على جواز مرور الى الأذاعة والتلفزيون . مواصفات الاغنية العاطفية الثمانينية : كانت اغلب الالحان العاطفية في فترة الثمانينات متوهجه وبراقه ، تمتاز بالتنوع في الالحان وبالتكثيف النغمي في اللحن الواحد ، مع غياب المقدمة الموسيقية المطولة التي كانت تتسم بها اغنية السبعينات ، حيث اصبحت بالقصر الكافي لتهيئة المطرب للدخول في الغناء ، كما فرض وجود الايقاع المتسارع والطاغي في الاغنية على تكثيف النغمات في الجمل الموسيقية ، فأن أغلب اغاني الثمانينات نستطيع القول ان ايقاعها اصبح متسارعاً مبتعده عن الاغنية السبعينية المسترخية الهادئه. في الاغنية الثمانينية اعطي للايقاع مساحه اكبر مع تنوع وزيادة في عدد الالات الموسيقية الايقاعية المستخدمة مما اعطى تضخيماً للايقاع بحيث أصبح حضوره طاغياً في الاغنية العاطفية الثمانينيه ، كانت الاغنية العاطفية متأثرة بأغنية الحرب المتسارعه والتي فرضت نفسها على الحياة العراقية. وكذلك اعتماد الالات الشرقية في عزف الصولوات كالناي والقانون والكمان وذلك ما نجده في معظم الاعمال الغنائية ، وفي النهاية فأن جمهور المتلقي هو من حسم الامر وانحاز لانتشار هذا النوع من الغناء بعد ان صار ميالاً الى انماط الغناء الجديده المتسارعه الايقاع اما على مستوى الكلمات فقد عادت الاغنية العاطفية الى الانشغال بالهم الفردي والتعبير عن مشاعر الحب والاحباط والحزن او الفرح في اغلب كلماتها في هذه المرحلة ، مثل اغنية (يصبرني) التي غناها احمد نعمة ، (شلك عليّ يا زمن) لمضر محمد ، على خلاف كلمات الاغنية السبعينية التي غالباً ما كانت تتسم بأمتزاج الذات بالموضوع والتصاقها الحميم بحياة الناس والحاجة الروحية العميقة للتعبير عن كل ارهاصات تلك المرحلة السياسية والاجتماعية ، كما هو الحال في أغنية (هذا انا وهذاك انت) للفنان طالب القرة غولي. وكما هو الحال في المراحل السابقة ( التي تناولناها في بحوثنا السابقا ) ، حيث يولد جيل في حضن المرحلة السابقة ، ويشب ويتفتح عطائه في المرحلة اللأحقة ، فقد أستمر العطاء الأبداعي لبعض الفنانين من الفترات السابقه لفترات طويلة كما هو الحال مع الفنان عباس جميل ومحمد نوشي ( المحسوبان على فترة الخمسينات ) ومحمد جواد أموري( المحسوب على فترة السبعينات) وغيرهم اللذين أستمروا بعطائهم اللحني حتى فترة الثمانينات. في ضوء ذلك يمكن تقسيم الأغنية العاطفية الثمانينية وفق أجيال الملحنين الذين تسيدوا الساحة الغنائية فترة الثمانينات:- 1:- مجموعة ملحني ومطربيي عقد السبعيات وما قبلها استمرار حضور الملحن رائد الأغنية البغدادية عباس جميل ( من جيل الملحنين في فترة الخمسينات) والذي غنت له أمل خضير بعضا من ألحانه القديمة وبعض الأغنيات الجديدة مثل (كولوله لابو عيون الوسيعه) . أستمرار عطاء الملحن محمد جواد اموري ( من جيل السبعينات) الذي لحن للكثير من المطربين مثل حميد منصور والمطرب الشاب كريم حسين الذي غنى له أغنية ( ماتدرين) التي كتب كلماتها ناظم عبدالله وأغنية ( بعد اليوم) التي كتب كلماتها أسعد الغريري ، ولحن أغنية ( من الشباك ) كلمات داود الغنام والتي غنتها أمل خضير . لقد حافظ كل من هؤلاء الملحنين على طابعهم وأسلوبهم اللحني دون تغييرات مهمة على الهيكل اللحني للأغنية التي كانت تتسم بسمات عصرهم وأسلوبهم في التلحين . نلاحظ أن أغلب ملحني السبعينات أستمروا بعطائهم طيلة فترة الثمانينات , وممن لم يغادروا البلد , وآثروا البقاء في العراق مثل الفنان طالب القره غولي والملحن محمد جواد أموري ومن مطربي هذا العقد المطربين ياس خضر وفاضل عواد وسعدون جابر وحسين نعمة ورياض احمد. قد يكون الملحن طالب القره غولي من أكثر الملحنين غزارة في الأنتاج طيلة فترة الثمانينات ولكن أغلب ألحانه كانت مكرسة للحرب التي أمتصت نسغه الأبداعي في الأغنية العاطفية حيث لم ينتج في هذا الباب الأ بعضا من الألحان المحدودة جداً مثل أغنية (يم داركم ) التي غناها حميد منصور وكتب كلماتها كاظم الرويعي. لكن انتاجه في الاغنية الوطنية واغنية المعركة كان غزيزاً، فقد لحن لمعظم المطربين العرب الذين غنوا للحرب مثل ( سميرة سعيد ، سوزان عطية ، ورده الجزائرية ، سعاد محمد ) اضافة الى العشرات من الاغاني الفردية للمطربين العراقيين والعشرات من الاغاني الجماعية التي غنتها الفرق الجماعية. 2- مجموعة من الملحنين والمطربين الذين ظهروا في النصف الثاني من عقد السبعينات وتسيدوا الساحة الغنائية في العقد الثمانيني يقف في المقدمة منهم الملحن جعفر الخفاف والملحن كاظم فندي والملحن نامق أديب , ومن المطربين رياض أحمد وحميد منصور ورضا الخياط وصلاح عبدالغفور ومي ووحيد . يعتبر الملحن جعفر الخفاف الأكثر غزارة بالتلحين وله أسلوبية مغايرة عما كان سائدا في السبعينات , امتازت ألحانه في فترة الثمانينات بجوده الحانها وتنوعها بتنوع الاصوات التي تؤديها بالنسبة للاغاني العاطفية ، اتسمت الحانه بالمرح والخفة والايقاعات السريعه ، بالاضافة الى الحانه الثقيلة بايقاعاتها والحزينة بتعبيراتها مثل اغنية رياض احمد (مرة ومرة ) واغنية احمد نعمة ( يصبرني) ، وقصر المقدمة الموسيقية الطويلة ( التي كانت سمة الاغنية السبعينية) واصبحت المقدمة القصيرة سمة أغلب أغاني الثمانينات , وقد غنى له أغلب المطربين العراقيين وخاصة رياض أحمد الذي غنى له الكثير من الألحان العاطفية الجميلة والتي شكلت علامة فارقة في سجل الأغنية العراقية وفي رصيد رياض أحمد مثل ( بالله سلم سلام , أن الأوان , مجرد كلام , مرة ومرة ، تعتب علي ) وغنى له صلاح عبدالغفور (خسرتك يا حبيبي , وتهانينة يا أيام وغيرها ) وغنى له من مطربي السبعينات حسين نعمة أغنية ( تحياتي ألك , وأغنية غربة وغيرها ) كما لحن للمطربين الشباب آنذاك ومنهم محمود أنور الذي غنى له واحدة من أجمل أغنياته ( منين أجيبك ياصبر ) ولمضر محمد أغنية ( منو مثلي) كما أنه أستمر في عمل الدويتو الذي أبتدأه بلحن ( نحب لو مانحب ) في نهاية السبعينات والذي اداه كلاً من سعدون جابر وسيتا هاكوبيان , حيث أستمر من خلال الثنائيات (ناظم وسهام ) و( محمد وسوسن ) و(مي ووحيد) و(فاضل وفوزية) . الملحن كاظم فندي لحن الكثير من ألأغاني للمطرب سعدون جابر الذي أمتد تعاونهم منذ منتصف السبعينات والى فترة الثمانينات بمجموعة من الألحان أشهرها( جتني الصبح زعلانه , الهوا العالي , حبيتك وغيرها ) وقد لحن للمطرب الشاب آنذاك كريم منصور مجموعة من الألحان ومن أشهر مالحن له أغنية ( بس تعالوا ) من كلمات سعدون قاسم . اما الملحن المغترب في الكويت نامق أديب فله بصمة مهمة في الأغنية الثمانينية كامتداد للمدرسة اللحنية السبعينية وتأثير رموزها عليه مثل طالب القرة غولي من خلال تلحينه مجموع ألحان لمطربي السبعينات وبأسلوب السبعينيات كالفنان ياس خضر وقحطان العطار وفؤاد سالم , حيث لحن للفنان قحطان العطار الأغاني ( موغريبة , ليش الندم ) وكلاهما من كلمات داود الغنام وأغنية ( ألمايثمنك عوفة ) من كلمات جبار النجدي , ولحن للمطرب ياس خضر الأغاني ( تايبين , مجروحين ، صابرين , ولو تزعل ) كما لحن مجموعة أغنيات للفنان فؤاد سالم من أشهرها أغنية ( مشكورة) ، ولحن للمطرب حميد منصور مجموعة من الأغنيات منها ( ما ألومك ) وأغنية (ضيعتني) للمطرب محمود أنور وغيرها من الألحان . مما يلاحظ على أغلب كلمات هذه الأغاني ( أغاني الثمانينات ) أنها ذاتية تبث هموم فردية على خلاف أغلب أغاني السبعينات التي كانت قد خرجت من الذاتية وهموم الفرد الشخصية ومزجت بين الذاتي والموضوعي من خلال بث هموم الذات ممزوجة بهموم المجتمع ، أوالتغني بالطبيعة والوطن والناس , وهذا راجع الى أنكسار اليسار (الشيوعي) بعد أن أنفرط عقد ( الجبهة الوطنية ) بين البعث والحزب الشيوعي ، والدخول في مرحلة القائد الرمز الاوحد. أن أغلب ألحان الثمانينات تمتاز بالخفة بأنتقالاتها اللحنية ومرحها وسرعة أيقاعها المستمد مما أحدثته الحرب من تغير في المزاج العام ومن تأثرها بنمط الغناء للمعركة من حيث البناء اللحني والأيقاعي. 3:- جيل من الملحنين والمطربين اللذين ظهروا في الثمانينات يقف في المقدمة منهم الملحن سرور ماجد والملحن علي سرحان ومضر قاسم وكريم هميم وحسين البصري وقاسم ماجد ومن المطربين يقف في المقدمة منهم محمود أنور وأحمد نعمة وعارف محسن الذي تحول الى الغناء الأنفرادي بعد أن كان عضو بفرقة الأنشاد العراقية وكذلك الحال بالنسبة لقاسم أسماعيل , وسهام محمد ، كذلك ظهور مطربة المقام فريدة والمطربة سهى عبد الامير ومن المطربين والملحنين اللذين خرجوا من معطف برنامج ( أصوات شابة) الذي كان يعده ويقدمه الفنان فاروق هلال , فهم كاظم الساهر , أحمد نعمة , حسن بريسم , جمعة العربي , وحيد علي , كريم محمد ، علي جودة وعبد فلك غيرهم . لقد كانت الحاجة الماسة لجيش من المطربين والملحنين لأشغال مواقع في الفرق الكثيرة التي تشكلت أثناء الحرب من القطاعات المهنية للغناء للحرب ولصدام مثل فرقة (أحباب القائد ) للأطفال و(الفرقة النغمية) بالأضافة الى الفرق الغنائية التي أشرنا لها سابقا التي تشكلت من صنوف الجيش والمنظمات الجماهيرية والتي كانت تفرضها المعارك المستمرة وطول أمد الحرب , الذي أسهم في سهولة الوصول الى الجمهور عن طريق التلفزيون والأذاعة بعد أن رفعت الحواجز والمعايير الفنية الصارمة التي كانت تحكم عمل لجان فحص الأصوات والألحان ، مما أغرق الساحة الفنية بجيش من المطربين والملحنين والكتاب لايمكن حصرهم في بحثنا هذا , ولكن يمكننا تحديد توجهات عامة لطبيعة الأغنية العاطفية التي شكلت ملامحها مجموعة من الملحنين والكتاب والمطربين الذين كان لهم حضور مؤثر في جيلهم . على مستوى اللحن: - نجد طغيان ألأسلوبية اللحنية للمبدع جعفر الخفاف وتأثيرها على أغلب ملحني هذا الجيل التي تتسم ألحانها بالمرح والسرعة بالأيقاع وفي غياب المقدمة الموسيقية الطويلة , والأعتماد على مقدمات موسيقية قصيرة تهيء المطرب للدخول مباشرة للأغنية والتي غالبا ما كانت الاغنية بمجملها قصيرة في زمنها الذي لايتجاوز الدقائق العشرة في أغلب الأحوال ، وهذا التأثر لم يظهر لنا أسماء راكزة لحنيا كما شهدناه في أغنية الخمسينات والسبعينات التي أفرزت قامات لحنية متفردة . لقد تفرد جعفر الخفاف بالساحة اللحنية بدءاً من أواخر السبعينات وحتى النصف الثاني من العقد الثمانيني الذي أفرز أسما لحنيا جديداً أخر ومتفردا ، وسيكون العنوان الأبرز للحنية العراقية على مدى العقد التسعيني وهو الفنان كاظم الساهر . - أستمرار النفس السبعيني عند بعض الملحنين الشباب الجدد مع تغيير في البناء اللحني , حيث تسيد هذا الأتجاه الفنان سرور ماجد أبن الريف الجنوبي ومدينتها الناصرية , الذي لحن الكثير من الألحان المهمة ذات الطابع الثقيل والحزين ، والذي يعتمد على كلمات مغرقة بالحزن والوجع ، ويمكن ذكر اهم ألحانه , أغنية ( ياعين وتكولين خل نسامحه) لقاسم أسماعيل , و(يصبرني) لأحمد نعمة , و(بالشوك كلمن حالته) محمود أنور , (ماأريد أسمع عتاب ) حسن بريسم , (شلك علي يازمن ) لمضر محمد , (ظلمتوه بالوصف ) للمطربة سيناء . - لم تشهد الأغنية العاطفية لهذا العقد تعدد في نجومية المطربين , على غير حال الأغنية في عقودها الماضية التي برز فيها نجوما أستمر بعضهم عقودا من الزمن متوج عليها , بل في هذا العقد كانت النجومية للاغنية بعينها اكثر منها للمطرب ، ماعدا الفنان محمود أنور الذي أستمر نجما غنائيا مالبث أن أنطفأ مع بروز ظاهرة كاظم الساهر في النصف الثاني من العقد الثمانيني. بل يمكن القول بأن عقد الثمانينات هو عقد الأغنية الواحدة حيث تحتفظ ذاكرة الغناء العراقي الثمانيني بأغنية أو أثنتين لأغلب المطربين رغم كثرة الأغنيات التي غنوها، حيث إنهم لم يحصلوا على نصيبهم العادل من البث المبرمج لاغنياتهم من على شاشة التلفزيون او الاذاعة ، كانت القنوات الاعلامية جميعها مكرسة لاغاني الحرب ، ان مشهد الحرب كان مسيطراً على المشهد العراقي عامةً وخاصة في مجال الاعلام من اذاعة وتلفزيزن وغيرها من الوسائط وكان على حساب الاغنية العاطفية وغيرها من الفنون بسبب اطالة أمد الحرب التي تخللتها معارك كبيرة وطاحنة كانت تأخذ مساحة كبيرة من زمن البث التلفزيزني والاذاعي ، ولكن لم يستسلم منتجي الاغنية العاطفية لهذه الحاله القسرية لذلك استعانوا بوسائط غير رسمية كالكاسيتات التي اتسعت ظاهرتها بشكل ملفت وكذلك عن طريق الحفلات الغنائية التي كانت تقام في النوادي الاجتماعية وفي الفنادق الكبرى. ومن المطربين الذين أشتهروا في تلك الفترة هم : المطرب كريم محمد بأغنية (خليك أكثر صبر ) وأحمد نعمة بأغنية ( يصبرني ) وحسن بريسم بأغنية ( يابني آدم ) ومضر محمد بأغنية ( شلك علي يازمن ) ومحمد الشامي بأغنية ( يفر بيه ) وقاسم أسماعيل بأغنية ( ياعين وتكولين خل نسامحه) ووحيد علي بأغنية ( وداعت عينك ماندمان) وجمعة العربي بأغنية ( حلو بعدك حلو رغم التجاعيد) التي لحنها بنفسه وكتب كلماتها فالح حسون الدراجي . - في منتصف عقد الثمانينات ظهر الفنان كاظم الساهر كمطرب على الساحة الفنيه العراقية بألبومه ( شجرة الزيتون التي شارك بها في برنامج مواهب شابة ) وأغنية احسبها عليّ ، وقد شهد النصف الثاني من العقد بروز ظاهرة جديد في الغناء تعاون على صناعتها كل من الشاعر عزيز الرسام كاتبا لكلماتها وكاظم الساهر ملحنا ومغنيا ...كانت باكورة أعمالهما أغنية ( الي تلدغة الحية بيدة يخاف من جرت الحبل) وأغنية ( غزال وما يصيدونه ) وأغنية ( عبرت الشط) ، حيث كانت أغلب كلمات هذه الأغاني تتسم بنفس حكائي ودرامي , بسيط التركيب بليغ في معانيه مستمد من الامثال الشعبية او تجربة حياتية ممكن ان يمر بها أي شخص , مصبوبة في قالب لحني أنيق وفرح وسماتها لا تختلف عن سمات الاغاني الاخرى التي ظهرت في هذا العقد ، وقد توج هذا التعاون بمطولتهما قصيدة ( لا يا صديقي ) التي كانت ذروة هذا التعاون حيث جاءت في اول عقد التسعينيات . ولكن كاظم الساهر تطور في أسلوبه بالعودة الى الأغاني الطويلة ذات المقدمات الموسيقية الثرية بأنتقالاتها وتراكيبها اللحنية المركبة والمعقده وخاصة في تلحين القصائد ( قصائد نزار قباني ) والتي صارت سمة بارزة في ألحانه في عقد التسعينات بعد أنفراط عقد الشراكة بينه وبين الشاعر عزيز الرسام كتاب وشعراء ألاغنية العاطفية الثمانينية - برز الشاعر كاظم اسماعيل الكاطع في فترة الثمانينات مع أنه محسوب من جيل الكتاب في فترة السبعينات, غنى له أغلب المطربين البارزين في هذه الفترة ، كتب كلمات ( وداعت عينك ماندمان) لوحيد علي , واغنية ( شلك علي يازمن) لمضر محمد , وأغنية (يصبرني) لأحمد نعمة وكذلك تعاونه مع المطرب كريم منصور في اكثر من أغنية يقف في المقدمة منها أغنيته الشهيرة ( بس تعالوا ). - الشاعر كاظم الركابي من يل السبعينات والذي أستمر في كتابة القصائد الغنائية الى فترة الثمانينات ، ومن أهم ماكتب ( ياعين وتكولين خل نسامحه ) التي غناها قاسم أسماعيل . - والشاعر طاهر سلمان الذي كتب اشهر الاغاني كأغنية" لو تحب لو ما تحب " للفنان محمود أنور, و" لست فاتنتي" لكاظم الساهر و" لعيونك انت ياحلو" للفنان قحطان العطار , و"نحبكم يا حبايبنه نحبكم " للمطرب حميد منصور وشهرته الاكبر كانت مع أغنية " انت العزيز اتغيرت" التي غناها الفنان سعدون جابر وأغنية "مرة ومرة " للفنان الراحل رياض احمد . - حسن الخزاعي الذي اشتهر في فترة السبعينات كتب العديد من الاغنيات في عقد الثمانينات لكل من ياس خضر ( مجروحين) وكاظم الساهر ( من بين ايدية وضاع مني ، احتار شحجي ويا ) وكذلك كتب الاغنيات لكل من امل خضير وعادل عكله وقاسم السلطان واسماعيل الفروجي ورائد جورج. - الشاعر داود الغنام كتب الذي كتب العديد من الاغنيات لمطربي فترة الثمانينات منها اغنية ( تايبين ) التي غناها ياس خضر ، واغنية ( ليش الندم ) للمطرب قحطان العطار - الشاعر أسعد الغريري الذي كان أغزر كتاب جيله حيث برز في كتابة أغاني الحرب ورفد الأغنية العاطفية بمجموعة من القصائد منها أغنية ( بعد اليوم ) التي لحنها محمد جواد أموري , - الشاعر فالح حسون الدراجي الذي كتب كلمات أغنية ( حلو بعدك حلو ) وأغنية ( والله وكبرنا بسرعة ) التي لحنها جمعة العربي وغناها المطرب عبد فلك - بالأضافة الى مجموعة من الكتاب والشعراء منهم كاظم السعدي وحمزة الحلفي ومناضل التميمي والشاعر عزيز الرسام وكريم العراقي وغيرهم . بحثنا القادم سيكون عن الاغنية العراقية في عقد التسعينات والفنانين الذين تغربلوا وتسيدوا المشهد التسعيني بعد الموجات الكبيرة الضخمة من اجيال الشباب الذين تقدموا للغناء من خلال تلفزيون الشباب.
*
اضافة التعليق