بغداد- العراق اليوم: على عكس التحريض الاعلامي العربي والخارجي الذي يصب الزيت على النار، وعلى عكس حماسة " الأكشن" التي تتبعها قنوات فضائية موجهة للداخل العراقي، وعلى عكس أماني المغرضين وكارهي العراق، جاء المؤتمر الصحافي الأول للجنة التحقيقية العليا التي يترأسها مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، ليكشف ويؤكد الحقيقة أولاً، وليكشف أيضاً حجم الجريمة النكراء التي حاولت قوى ظلامية ان ترتكبها، ولربما افراد او جماعات، لا ندري. وهكذا مضى المؤتمر الصحافي ليؤكد بحيادية وحرفية عالية قدرة المؤسسات المختصة في متابعة كل الجرائم ومجابهة كل الأزمات، كما كان الأعرجي شفافاً وهادئاً كعادته، لم يكن انفعالياً، او غاضباً، او متحيزاً، بل على العكس كان يريد ان يبين للرأي العام الحقيقة، ويضعه في صورة المشهد الأخير، دون استباق الأحداث والتحقيقات والتحريات الدقيقة التي وعد بأنها ستكشف تباعاً حال نضوج التحقيقات وبيان معطيات جديدة في الحادث الإرهابي الغاشم. الإشادة التي يجب ان تنطلق من الجميع، هي بموقف الكاظمي وفريقه الاستشاري والأمني والسياسي حتى المحيط به، فالرجل أختار في هذه المواقع نماذج مشرفة في الحقيقة، وتشبه نهجه اللا عنفي، وتبحث عن عناصر السلم، اكثر من بحثها عن بؤر التوتير واشعال الحرائق. نعم، لدينا رئيس وزراء وفريق متكامل مهمتهم وديدنهم العمل بجدية وقوة لتجنيب البلاد الدخول في أتون صراعات داخلية تحرق الأخضر واليابس، ولن تنتهي، دون ان يعني هذا تنازلاً عن سيادة الدولة، أو خضوعاً لمنطق "المنفلتين" الذين يظنون أنهم يبتزون الدولة بهذه الأفعال المدانة. اليوم، أثبت الكاظمي أنه شخص لا دموي، ولا يريد ان يورط البلاد في صِدامات جديدة، وأيضاً اثبت ان القرار عراقي داخلي صرف، ولا يتأثر بموجات التحريض والدعايات، بل على العكس، جاء البيان منسجماً مع نهج المضي في تأطير الأحداث بإطارها الموضوعي، وكأي مواطن يحترم القانون، كان الكاظمي يتابع عمل اللجنة المكلفة، ويتعاون معها، ويمدها بما تحتاج، وقد كشفت الكثير من المعطيات والأمور التي ستسهم في التوصل الى الجناة وتقديمهم الى القضاء العادل لينالوا جزائهم العادل. أن انتهاج سياسة الإصلاح لا الانتقام، والابتعاد عن ردات الفعل غير المحسوبة، والصبر والكتم والكظم صفات قل تواجدها في حاكم عراقي طوال عقود طويلة، ولو كانت الحادثة هذه مع غيره، لكنا خضنا في بحر من الدماء دون ان نعرف الحقائق بوضوح. نأمل ان تكون هذه الرسالة السامية التي ابرقها الكاظمي وحكومته، درساً بليغاً يتعلم منه الجميع، وأن يبتعدوا عن لغة الدماء والانتقام والكراهية التي لن تبنِ الوطن، ولن تعمر ربوعه، ولا تصلح انسانه الذي أتعبته الحروب الطويلة، وأنهكته صراعات مستمرة متصلة للأسف الشديد.
*
اضافة التعليق