بغداد- العراق اليوم: كتب المحرر السياسي في " العراق اليوم" : منذ أندلاع الثورة المصرية المجهضة في 2011، والعراق وبعض الدول العربية تغلي وتمور وتختمر فيها رياح شديدة التأثر والتأثير، ولأن تأخر حراكِ العراق وثورته الشعبية، وتعجلت ثورات وانتفاضات وحروب اهلية في بلدان عربية أخرى، فأن سبب التأخر في العراق كان نتاجاً لشكل النظام السياسي الهش الذي امتص مرات عديدة الحراك الشعبي، فيما عجزت الأنظمة الأستبدادية العربية عن الصمود امام تلك الموجات العاتية، فكانت تونس وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من البلدان عرضة لهذه الموجات الارتدادية العاتية. الكل يعرف مآلات تلك الثورات، فمن ثورة شعبية في مصر اجهضها انقلاب عسكري، الى حراك سوري تحول بفضل الفواعل الخارجية وقسوة النظام الى حرب أهلية ضروس، وكذا الحال في ليبيا واليمن ولا تزال تونس تخوض في ذات المعترك بعد انقلاب الرئيس قيس سعيد على شركائه في النهضة الاسلامية. تاريخياً، يرى مراقبون ان ثورة يونيو في مصر عام 1952 التي قادها الضباط الأحرار في وقتها برئاسة محمد نجيب، كانت بمثابة المحرك لثورة 14 تموز 1985 في العراق، رغم الفوارق الكبيرة بين التحربتين، أذ كانت الجماهير والقوى الشعبية بقيادة الحزب الشيوعي العراقي قد هيأت المناخ، وأعدت المسرح الشعبي المنتظر للثورة التحررية، بينما كانت الثورة في مصر نتاجاً عسكرياً خالصاً. لذلك حاول النظام الملكي في العراق الصمود بوجه القوى التحررية لكنه عجز حتى مع فرضه للأحكام العرفية الصارمة وتعطيل الحياة السياسية والدستورية أخر ايامه. وعودة للحديث عن ( ثورات) الربيع العربي، نجد ان العراق كان على موعد آخر مع ثورة شعبية أخرى، حتى ولو بعد ثمانية اعوام بالضبط، وكانت الثورة التشرينية بكل عنفوانها، محاكاة واقعية لما مرت به ثورات البلدان العربية، لكن المفارقة المهمة، او لنقل الميكانيزم الذي كان فاعلاً في العراق السياسي، هو وجود هذه المرونة والاستجابة، وأن كانت بطيئة بعض الشيء ومكلفة وباهظة الثمن للأسف، ولكن النظام السياسي الذي كان على شفا الهاوية، استطاع ان يفرز حلاً من خارج دوائره التقليدية، وأستطاع ان يواكب حراك الشعب الذي طالب بحكومة مستقلة تماماً، يقودها شخص مستقل، ويؤدي دور الوسيط النزيه بين الشعب وهذه الطبقة السياسية. بوصول الكاظمي للسلطة في ايار 2020، يكون العراق قد تجنب المآل الأخطر، وحافظت العملية الديمقراطية على زخم مطلوب في الاستجابة للإرادة الشعبية، وأبتعدنا عن مخاطر التحول الى سيناريوهات سوريا – اليمن – ليبيا الدامية. لقد مثل اختيار الكاظمي النقطة المركزية التي ادت الى تحول جذري، فالرجل عمل خلال عام وأكثر على تحويل الحراك الثوري الغاضب الى فعل سياسي ديمقراطي، وأستطاع ادارة اول عملية انتخابية تحظى برضا وقبول شعبي واسع، حتى مع مقاطعة نسبة عالية من المصوتين، الا أن الرضا الشعبي عن هذه المخرجات بين وواضح جداً، حيث عبرت عنه مختلف القوى الشعبية والاجتماعية والسياسية حتى. الكاظمي نجح بشكل لا مباشر من ترجمة الصوت الانتخابي المستقل الى فعل سياسي مباشر، وسيتحول الى قوة فاعلة في المشهد السياسي قريباً، وحين يلتئم المجلس النيابي الجديد، فأنهُ سيكون معبراً بقوة عن ارادة الناس، وسيرى المواطن كيف ستسري نبضات التصحيح والتجديد في مفاصل عملية سياسية شاخت قبل آوانها، وتحولت الى فعل محاصصاتي معزول عن الشارع. خلاصة الحديث، إننا نستطيع القول بضرس قاطع، أن وصول رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قاد أكبر عملية لرأب الصدع الاجتماعي والسياسي في عراق ما بعد ارتدادات الربيع العربي، وترجم الأنتفاضة الشعبية العارمة خير ترجمة، ولكن لا نزال بحاجة الى جهود الرجل وخدماته في موقعه كي نتمكن من اعادة برمجة حياة سياسية عصرية تليق باختيارات الشعب وتطلعاته التي لم ولن تدركها القوى الحزبية التقليدية التي تلاشت، ولكنها ترفض الاعتراف بحقيقة ان قطار الشارع الجديد اجتاز محطتها، ولن يعود للخلف ابداً.
*
اضافة التعليق