بغداد- العراق اليوم: تكشف كواليس المفاوضات السياسية الشيعية التي تدور في العراق حاليا عن اتجاهين مختلفين لاختيار رئيس الحكومة الجديدة، يتخللهما سيناريو مؤقت هدفه تجاوز حالة الانسداد التي صنعتها نتائج الانتخابات العامة في أكتوبر الماضي. وبالرغم من اكتساح الكتلة التي يقودها مقتدى الصدر نتائج الانتخابات العامة في الدوائر الشيعية، ما وضعها في منزلة تفاوضية مريحة، إلا أنها لم تحصد عددا كافيا من المقاعد يسمح لها باحتكار تمثيل المكون الأكبر في الحكومة القادمة، الأمر الذي فهمته الأطراف الشيعية الأخرى، ما دفعها إلى التكتل جميعها ضمن ما يعرف بالإطار التنسيقي. ويقول مراقبون إن الوضع الذي أفرزته انتخابات 2021 قريب من وضع 2010، حيث التقارب الكبير في النتائج بين الكتلتين الشيعيتين الفائزتين، إذ تحتكم الكتلة الصدرية على 74 مقعدا، فيما تصل مقاعد قوى الإطار التنسيقي إلى نحو 70 مقعدا. وحتى الآن لم يتمكن الصدر من اختراق الإطار التنسيقي للحصول على حليف شيعي يمكنه من تحقيق الأغلبية، قبل الدخول في مفاوضات توزيع الحقائب في الحكومة القادمة مع السنة والكرد. مع ذلك، تبلور داخل الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي اتجاهان وسيناريو للطوارئ، بصدد المرشح لتشكيل الحكومة القادمة وتوزيع الحقائب الوزارية الشيعية. وتتبنى الكتلة الصدرية اتجاها يقوم على إعادة تكليف مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الحالي بتشكيل الحكومة الجديدة، وفي حال اعترضت قوى الإطار التنسيقي، الذي يضم ممثلي الجماعات الشيعية الموالية لإيران وائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي وآخرين، على هذا الخيار، يفضل الصدريون تكليف ضابط كبير من الجيش العراقي برئاسة الحكومة القادمة. وفي حال فشل هذا الخيار سيتجه مقتدى الصدر إلى ترشيح رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي لتشكيل الحكومة الجديدة. وبالرغم من أن العبادي هو جزء من قوى الإطار التنسيقي الشيعي إلا أنه قريب من الصدر والكاظمي وقوى الاعتدال، فيما اضطر إلى التنسيق مع القوى الموالية لإيران بسبب خسارته المدوية في الانتخابات الأخيرة. إلا أن الكاتب السياسي العراقي مسار عبدالمحسن راضي يرى أن الصدر لن يختار سوى شخصية حزبية “فاختيار العسكر بحسب تصوّري أرضٌ حرام شيعية”. ورجّح راضي في تصريح صحافي إمكانية اختيار حيدر العبادي لتشكيل الحكومة، إذا ما اتفق الجميع على أن يعبروا على جثة المالكي السياسية. وقال “اختيار العبادي يعني أيضاً تهشيم قوائم كرسي رئاسة المالكي لحزب الدعوة”. وتفضل قوى الإطار التنسيقي اتجاها يضمر ترشيح المالكي لتشكيل الحكومة الجديدة ولا يقوله علنا، لكنه يتداول أسماء مثل مستشار الأمن القومي الحالي قاسم الأعرجي ومحافظ البصرة أسعد العيداني ووزير الشباب الأسبق عبدالحسين عبطان والنائب محمد شياع السوداني. وسبق لجميع الأسماء المتداولة في الإطار التنسيقي حاليا أن طرحت في مفاوضات تشكيل الحكومات منذ 2014، من دون أن يحظى أيّ من أصحابها بفرصة جادة، ما يوحي بأنها بالونات اختبار يجري استخدامها لأغراض الاستهلاك الإعلامي. وأشارت مصادر مطلعة على كواليس المفاوضات إلى أن الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي يقتربان من التفاهم على تأجيل حسم اسم المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة إلى حين التوافق على تقاسم الوزارات التي تقع ضمن الحصة الشيعية واختيار شاغليها. وذكرت المصادر في بغداد أن هذا السيناريو الذي يبدو أنه يمضي بوساطة إيرانية يقتضي منح الكتلة الصدرية ست حقائب في الحكومة الجديدة، ومثلها لقوى الإطار التنسيقي، وهو أمر قد لا يلقى الكثير من الاعتراضات من حيث المبدأ، نظرا لأنه يترجم الاستحقاقات الانتخابية بشكل موضوعي. ويريد هذا السيناريو استكمال عملية اختيار جميع المرشحين لشغل الحقائب الشيعية الاثنتي عشرة قبل الشروع في مفاوضات اختيار رئيس الحكومة الجديدة. وتقول المصادر إن تحقيق التوافق الشيعي الداخلي إلى هذا المستوى قد يفتح الباب أمام التوافق على الكاظمي بدرجة كبيرة، أو العبادي بدرجة أقل بقليل، إذ يعد هذان الاسمان هما الأقوى من بين المرشحين في الساحة الشيعية حاليا. وتعكس هذه الحال حجم التراجع الهائل في النفوذ الإيراني، إذ يُصنف كل من الكاظمي والعبادي، شيعيا، ضمن خانة حلفاء الخليج والولايات المتحدة، ولا يحظيان بمقبولية ضمن أوساط اليمين الشيعي المتشدد القريب من إيران. وطالب الكاتب السياسي العراقي حميد الكفائي القوى الفائزة بأن تدعم تشكيل حكومة جديدة كليا مكونة من الخبراء والمخلصين الأكفاء وتصوت عليها في البرلمان بالغالبية التي تمتلكها، وتدعمها سياسيا كي تنجح. وقال الكفائي في تصريح لا يهم إن رفضت القوى الأخرى، فدعها ترفض وتشكل المعارضة، ولكن على القوى الفائزة ألا تتنازل عن حقها في تشكيل الحكومة لأن لمثل هذا التنازل عواقب وخيمة كنا قد عانينا منها عندما تجاهلنا القوى الفائزة عام 2010 ومكنّا القوى الخاسرة من تشكيل الحكومة. لكن يبقى الكاظمي برأي غالبية المحللين والعارفين بخبايا الشأن السياسي العراقي، المرشح الأكثر نصيباً بالفوز، بل ويعتقدون أنه الامثل والأفضل للعراق في السنوات الأربع القادمة.
*
اضافة التعليق