بغداد- العراق اليوم: مخطئ جداً من يظن ان سياسة الانكفاء على الداخل، وأتباع سياسات حمائية هي الحل ليكون البلد قوياً، ومخطئ ايضاً من يظن ان التبعية للأخر، والاستسلام لمشاريع أقليمية ودولية هي المخرج لاكتساب القوة والمنعة والحماية. نعم، فالقوة والقدرة والمنعة تُكسب من تشخيص مواطن القوة، والعمل عليها، ومواطن الضعف والعمل على رتقها ومعالجتها بشكل دقيق، ولذا فأن بلداناً صغيرة، بل ومجهرية على الخارطة تعمل الآن وكأنها اقطاب اقليمية مؤثرة في صناعة القرار الدولي، ولها خطوط تماس وأذرع في مختلف الدول، ولعل قطر مثال حي وواضح على هذا، فكيف استطاعت قطر بناء هذه القدرة الاستراتيجية، وهي من بين اصغر الدول مساحةً وعدداً من حيث السكان؟. الجواب ببساطة، أن صانع القرار القطري ادرك ان ثروة قطر الهائلة، ومواردها الطبيعية هي من ستضمن بقائها كدولة في عالم متغير، يبتلع فيه الأقوياء الكبار، الصغار دون رأفة ورحمة!. لذا وظف صانع القرار القطري، الموارد في خدمة سياسة التوازن، وبناء احلاف عابرة، وشراء نفوذ سياسي في مختلف البلدان، فكانت قطر الإعلامية من خلال ترسانتها الصحافية والفكرية والثقافية، وقطر الخيرية من خلال جمعياتها العاملة، وقطر الأقتصادية من خلال ادوارها الفاعلة، وقطر الرياضية التي لا نحتاج أدلة، إذ يكفي إنها تغلبت على أمريكا في الترشيح لإستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 ، فضلاً عن أنها باتت اليوم حاضرة في كل مشهد، وذلك بفضل قوة نفوذها المالي ومساهمتها الدولية في دعم مختلف البلدان في الكوارث والأزمات، وهذا له مردوده الإيجابي بالتأكيد. وكي لا يتحول الموضوع عن قطر، عليك ان تنظر الى ملف اللوبيات وجماعات الضغط التي تنفق عليها دول الخليج الملايين من الدولارات سنوياً لشراء مساحات نفوذ وتأثير في دوائر صنع القرار في مراكز العالم الحديث، لتعرف كيف تصنع السياسة وكيف تصنع الأدوار، وتنجح الدول في التحول الى فاعل اساس في مشهد معقد. هذا الأمر الذي تفتقده السياسة الخارجية العراقية، والتي غيبت دور العراق وحجمت موقعه، فلم يعد ذلك العراق الذي له حضوره ومساهماته الأقليمية والدولية، ومن هنا فإن حكومة مصطفى الكاظمي انتبهت لهذه الجزئية، وعملت عليها، لا تبرعاً بأموال العراق وموارده، بل توظيفاً لجزء من حركة ثرواته الاقتصادية عبر استثمارات، وشراكات مهمة، جذبت رؤوس أموال ودول كبرى كفرنسا وبريطانيا والمانيا وغيرها من البلدان القوية، وقبلها الصين بالتأكيد والولايات المتحدة. كما عملت الحكومة - والفضل في ذلك لشخص الكاظمي - على ملف التعاون العربي والاسناد لكل الدول العربية والمحيطة، فمدت الحكومة العراقية اليد لها بلا تردد، عبر اتفاقات واضحة ومنصفة وحقيقية ولا غبن في ذلك للعراق، أو تربح لتلك البلدان، بل هي شراكة واضحة. لقد غيرت هذه المواقف الاقليمية صورة العراق النمطية، وأكدت حضوره الدولي الفاعل. الخلاصة في هذا العرض الموجز، أن حضور العراق وقدرته في التأثير، رهن في توظيف موارده وفي خدمة سياسة انفتاحه على الأخر، وأيضاً تحييد حتى الأعداء الاستراتيجيين، وتقريب الأصدقاء والأشقاء والتأكيد على عمق الشراكة معهم.
*
اضافة التعليق