لم يكن الكاظمي (بطران) حين يقيم المهرجانات الفنية والأدبية والرياضية؟ فالدبابات لا تصنعُ حباً أو وداً، إنما الحب تصنعه الشعوب وتديمه العلاقات

بغداد- العراق اليوم:

منذ ان دارت سرف الدبابات الثقيلة بلونها الكاكي، وصوتها الهادر على حدود العراق الشرقية، لم يرَ العراقيون خيراً، ومنذُ ان اندفعت رغبات الدكتاتور المجنون لاحتلال المحمرة وغيرها من المدن والقصبات الإيرانية، والعراقيون يدفعون الثمن غالياً، دماءً زاكية اريقت، وشعبان جاران اهلكا بحروب عبثية طويلة ودامية.

 ومنذ ذلك اليوم الاسود المشؤوم من عام 1980 والى هذه اللحظة، لا تزال ملايين العوائل العراقية والايرانية تعاني من اوجاع تلك النار التي التهمت جسر المحبة بين البلدين الشقيقين، ولم يعد للود مكان، اللهم الاً في قلوب من لم يكتووا بقتيل هناك، ومفقود هنا، وما بينهم يقبعُ الأسرى بلا شك! وهولاء عملة نادرة نظراً لحجم اضرار الحرب.

فماذا خلفت الدكتاتورية بحروبها غير أوجاع مبرحة، وآلام لا تزال ماثلة.

واذا طوينا صفحة تلك الحرب الطويلة الصاخبة، فأن مشهد تدفق ملايين زوار العتبات المقدسة في كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء، كان كفيلاً بردم جزء من خندق النار ذاك، وارسال رسائل محبة والفة بين شعبين، لم يعرفا سبباً وجيهاً جعلهما يقتتلان بهذه الضراوة والشراسة، سوى رغبة الحقد المتأججة في نفس مجرم كريه كصدام حسين.

وعادت العلاقة مع ايران الشعب مفتوحة وودية، وأن كانت العلاقات مع ايران الدولة والثورة لا تزال في مخاضات عدة وارتدادات كثيرة، بسبب التباين في وجهات النظر، وموقع الرؤية بالنسبة للطرفين، لكن الحب كان اقوى من الدبابات بكل تأكيد.

واذا اتجهنا الى مطلع العقد التاسع من الألفية الماضية، سنجد ان الديكتاتور افتتحها ايضاً بدوران سرف الدبابات باتجاه الكويت التي اخضعها بلا سابق انذار لاحتلاله، وفرض عليها وهي الصغيرة المحدودة في الامكانات العسكرية، سياسة الأمر الواقع، لكنه اخطأ كعادته في حساب موقف العالم من عدوانه واعتدائه.

ولعل العراق دفع ثمن حماقة الدبابات تلك غالياً ولا يزال يدفع، ولكن ثمة أملاً واضحاً متجدداً، ان يتجاوز الشقيقان تلك الكبوة، وأن يستعيدا الق العلاقات مجدداً، ولعل زيارة شمس الكويتية الفنانة الشعبية المحبوبة، جزء من استبدال عنف وقسوة الدبابة، بلغة الفراشات الملونة، واستبدال قوة الاخضاع، بإخضاع القوة لمنطق الجمال والمحبة والتوافق التام بين الشعوب.

نعم العلاقات استعيدت بشكل وبأخر، ولا تزال الشعوب الحية تستخدم ادواتها التأثيرية البسيطة، الناعمة لاستعادة قوة حضورها على الميدان البشري.

ولعلنا نتذكر كيف استطاعت دبلوماسية

( البنگ بونگ) من استعادة العلاقات الصينية – الامريكية قبل نصف قرن من الان، أذ استطاع فريق كرة الطاولة ان يحل ما عجزت عنه ترسانة البلدين الحربية طويلاً، وقد اذابت زيارة 9 لاعبين كرة طاولة امريكيين الى الصين جبلاً ثقيلاً من الجليد، ونبهوا العالم برمته الى قدرة الرياضة والفنون والآداب في لعب ادوار مهمة في حسم نزاعات عابرة للقارات.

اذن، الحرب تبدأ بمدفع، والعلاقات تبدأ بأغنية، أو بمباراة كرة طاولة، او برسالة ودية، ثم يأتي البحث عن المشتركات للبناء عليها، أما المقاتلات الحربية فهي تبحث عن الجسور لضربها وقطعها، والانقضاض على كل المشتركات بقسوة، وهنا يكمن الفرق بكل تأكيد.

لذا فأننا حين نحتفي بهذا الحضور الفني والأدبي، انما نريد ان نوقف كل هذا الدمار والخراب، وان نمنح صوت العقل وصوت الحب الفرصة لأثبات ان الشعوب يمكن ان تتعايش وان تنمو بشكل مشترك دون الحاجة الى ادوات العنف والطغيان المدمرة.

علق هنا