بوادر لولادة تمرّد سنّي جديد فـي العراق بعد هزيمة داعش

بغداد- العراق اليوم:

حذّر معهد دراسات الحرب (ISW) في دراسة تحليلية له، من وجود دلائل مبكرة تدل على احتمالية نشوب تمرد سنّي عقب نهاية وجود تنظيم داعش في العراق وان تنظيم القاعدة يحاول كسب استقطاب مؤيدين له في البلاد. الدراسة تسلط الضوء على مؤشرات ببدء تشكيل تمردات وعصيان ما بعد داعش وان تنظيم القاعدة حاضر في العراق.

وكان معهد دراسات الحرب، قد توقع في 30 تشرين الثاني عام 2016 احتمالية مواجهة العراق لتمرد سنّي متجدد حال انهاء العمليات العسكرية لتواجد تنظيم داعش في الموصل، إذ ان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة كان يركز في حملته فقط على ازالة تنظيم داعش وليست الظروف التي ادت الى نشوئه بالأصل، ولهذا فان الاوضاع السياسية تسمح للتمرد بأن يتجذر في البلد.

مجاميع التمرد التي سبقت بروز تنظيم داعش ما تزال نشطة حتى بعد محاولة داعش لكبحهم. هذه المجاميع تحاول تعميم هدفها بأحياء حركة تمردية ضد الدولة العراقية. ومن المبكر لأوانه التقييم فيما إذا ستعمل مجاميع التمرد هذه تحت مظلة واحدة، ومن هذه المجاميع:

جيش رجال الطريقة النقشبندية: وهي مجموعة بعثية متجددة، اعلنت في تشرين الاول عام 2016 بانها تهاجم مسلحي تنظيم داعش في الموصل ودعت لهجمات أكثر. وفي كانون الاول عام 2016 استنكرت المشاركة السياسية في العراق، وهو موضوع له صلة بالواقع خصوصا ما يتعلق بانتخابات مجالس المحافظات والانتخابات الوطنية التي من المحتمل ان تُقام في نيسان 2018.

كتائب ثورة العشرين: وهي مجموعة بعثية متجددة اخرى، ركّزت طبعة مجلتها الشهرية لعام 2017 على قلقها لوضعية ما تسمى بـ "حركات المقاومة" في العراق وخصوصا تلك التي تهدف الى تقليص "النفوذ الايراني" في كل من العراق والمنطقة. وقد مضى على الحركة الان أكثر من عقد وهي تصدر مجلتها الشهرية هذه، ورغم هيمنة تنظيم داعش فأنها تؤكد بقاءها كمجموعة نشطة ولكن بأهداف تتميز عن اهداف داعش التي ستتبعها حال انتهاء التنظيم في العراق.

واستنادا لمصدر أمني في كركوك، طلب عدم الكشف عن اسمه، فان هناك قياديين بعثيين يقومون بترأس خلايا لداعش حول محافظة كركوك والحويجة التي كانت تعد معقلاً للبعثيين عقب سقوط صدام حسين ومرة اخرى في عام 2013. وإذا صح ذلك فبإمكان هؤلاء القياديين البعثيين ان يحتفظوا بهذه القدرات والشبكات حتى بعد الحاق الهزيمة بداعش التي ستمنحهم الموارد لتشكيل حركة تمرد.

هذه المجاميع قد تكون قادرة على العمل بشكل منعزل عن داعش حال فقدانه لسيطرته. وعلى سبيل المثال فان مجاميع مثل جيش رجال الطريقة النقشبندية من المحتمل ان تجد فرص اعادة ظهور في الفترة الحرجة عقب فقدان تنظيم داعش لسيطرته على المدينة وقبل ان تبسط الحكومة العراقية لسيطرتها الكاملة عليها. المؤشرات على عودة ظهور مجموعة رجال جيش الطريقة النقشبندية في الموصل ستتضمن هجمات تحمل بصمات المجموعة مثل اغتيالات لعناصر من تنظيم داعش وافراد من القوات الامنية العراقية عبر مسلحين يستقلون سيارات مسرعة.

من جانب آخر وعلى الرغم من خسارته في مناطق اخرى في البلاد فان تنظيم داعش مستمر بنشاطه وقدراته في تنفيذ هجمات مروعة في العراق وسيستمر على هذا النحو لأشهر. وقد شن تنظيم داعش سلسلة من الهجمات المميتة في بغداد عشية احتفالات راس السنة واستعرض قدرته على شن هجمات في مناطق متفرقة من العراق بضمنها كركوك وتكريت وسامراء وذلك منذ بدء عمليات تحرير الموصل في تشرين الاول عام 2016 .

ومن ناحية اخرى فان تنظيم داعش قد يبدأ بتعديل اسلوب شن هجماته في العراق عقب تحوله من قوة ارهابية مسيطرة الى منظمة حرب شوارع ارهابية. هذا التحول سيجعل من الصعب تحديد هوية منفذ الهجوم خصوصا بعد تلاشي الهجمات النوعية التي تحمل بصمته او حدوث تغيير في اساليب الهجوم.

هجمات أخيرة غير مألوفة حدثت في مناطق متعددة من بغداد تخللها تفجير سلسلة من عبوات ناسفة عنقودية في حي واحد تحتاج لتقييم فيما إذا تنظيم داعش او مجاميع اخرى غير التنظيم بدأت بتنفيذها في العراق وهو مؤشر على قيام داعش بتغيير اسلوبه او بدأ بفقدان قدراته.

وكان تفجير بسلسلة عبوات ناسفة حدث في منطقة الشعلة في 31 كانون الاول عام 2016 لم يصدر تنظيم داعش اي بيان بمسؤوليته عن الهجوم. وورود تقارير متزايدة عن مجاميع مسلحة تستقل دراجات نارية بين تكريت وجبال حمرين في ديالى قد تكون دليل عن ظهور لقوة تمرد سنية حيث ان هذه الاساليب كانت شائعة في ديالى خلال العام 2006.

في حين عزا مسؤولون أمنيون، لم يذكروا اسماءهم، هذه الهجمات لداعش وربما لا يريد هؤلاء المسؤولون القاء مسؤولية الهجمات على مجاميع متمردة اخرى. تنظيم داعش كان قد استخدم في بداية ظهوره دراجات نارية لتنفيذ هجمات نوعية.

معهد دراسات الحرب توقع ايضا، في تشرين الثاني عام 2016، محاولة تنظيم القاعدة تشكيل او إنضاج مجاميع متمردة في العراق. وكان زعيم القاعدة ايمن الظواهري قد دعا السنّة العراقيين في اب 2016 لاستئناف حرب عصابات طويلة وحث تنظيم القاعدة في سوريا الى دعم هذه العملية في العراق.

هناك ادلة مبكرة من ان القاعدة متواجدة في العراق، وقد تقيم علاقات وروابط مع مجاميع متمردة اخرى.

في 31 كانون الاول القت الشرطة المحلية في سامراء القبض على مسلحين اثنين اعترفا بارتباطهما بتنظيم القاعدة، ولكن من ناحية اخرى يشار الى ان العناصر الأمنية الشيعية غالبا ما تحاول اجبار المعتقلين السنّة الاعتراف بانتمائهم لمجاميع ارهابية. وان اغلب عمليات القبض هي نتيجة انتهاكات طائفية وليس لجرائم فعلية. وغالبا ما تشير تقارير الاعترافات القسرية بان الشخص المعتقل له روابط بتنظيم داعش وليس القاعدة، ولهذا فان اعتراف المتهمين السابقين يبدو معقولا لتأكيد هذه الأدلة.

في تقييم سابق لمعهد دراسات الحرب توقع ان يدخل تنظيم القاعدة من جديد الى المسرح العراقي قادماً من سوريا عبر حوض نهر الفرات. واعادة ظهوره في سامراء قد يوحي بان تنظيم القاعدة قد بدأ بأحياء خلاياه النائمة في العراق فضلا عن ارسال مبعوثيه من سوريا. وقد يوحي من ناحية ثانية ان تنظيم القاعدة يضع في اولوياته استهداف الشيعة في العراق مثل المدن التي تضم الأضرحة المقدسة.

ومن ناحية أخرى فإن دول إقليمية قد تقوم بإذكاء التمرد في العراق وذلك بتمكين واسناد المجاميع المسلحة السنية في البلد.

استنادا لتصريح مسؤول في القيادة المركزية للقوات الاميركية في كانون الاول 2016 فان المملكة العربية السعودية تقوم بتوريد شحنات الاسلحة للعشائر السنية في الانبار توقعا منها بحدوث تصفية حسابات مع وحدات الحشد الشعبي الشيعية.

اما اسناد تركيا للقاعدة ومجاميع سنّية معارضة اخرى في المنطقة وخصوصا في سوريا فأنها قد تسمح او تسهل بشكل مباشر عودة تنظيم القاعدة إلى العراق، ومن المحتمل عن طريق الموصل.

ويقول معهد دراسات الحرب انه سيلجأ الى اعادة تقييم بعض الهجمات السابقة التي نسبت الى تنظيم داعش للتأكد فيما إذا كان من المفترض ان تنسب لمجاميع متمردة اخرى.

من الممكن ان تنشأ القاعدة من نفسها او من خلال التعاون مع المجاميع الاخرى الموجودة في البلد. وكان تنظيم القاعدة قد فعل ذلك في العراق للفترة الممتدة بين عام 2004 و2006 وفي سوريا من عام 2011 حتى الان. وقد تحاول القاعدة توحيد المجاميع المتمردة المضطهدة في العراق كما فعلت في عام 2006 تحت مسمى "دولة العراق الاسلامية".

عناصر التمرد الحالية في العراق قد تكون متفارقة فكريا وجغرافيا على نحو لا يمكنها من خلق حركة وطنية تعقب تنظيم داعش. وكانت محاولتهم لتحقيق ذلك عقب سقوط الفلوجة بيد داعش في 2014 قد فشلت بنفس الطريقة. هذا الجانب الحرج قد يزيد من تعاون القاعدة لتأسيس جناح لها في العراق بشكل أسرع مما حققه داعش في عام 2013 او القاعدة في العراق عام 2004 .

جهود القاعدة لإعادة بناء شبكاتها في العراق قد تتحقّق على مستوى محلي. ويتوقع معهد دراسات الحرب ان تتدخل القاعدة بالسياسات المحلية خصوصا مع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات والبرلمان في عام 2018 القادم. وقد تحاول شن حملة اغتيالات ضد سياسيين محليين او زعماء عشائر لتقويض العملية الانتخابية او تصورها على انها اسلوب غير فعال لمعالجة مظالم الناس.

ومن المحتمل ان تلجأ القاعدة والمتمردون من السنّة الى تنفيذ هجمات ضد تجمعات الحملات الانتخابية او محطات الاقتراع.

التغيّرات الحاصلة في العلاقات العشائرية السنّية وتحالفاتها قد تشير ايضا الى ان القاعدة ستستغل ذلك بتعزيز ارتباطاتها العشائرية وخبرتها في ذلك لإحياء شبكاتها وتقوية موقفها.

وقد تحاول تحريض عشيرة على اخرى لخلق نزاعات فيما بينهما، كما فعلت ذلك في القائم في عام 2007، او قد تستغل النزاعات الداخلية للعشيرة نفسها كما هو التناحر القائم الان داخل عشيرة الجبور في شمال العراق لأجل مصلحتها.

معهد دراسات الحرب حدد اسماء مناطق معينة قد تنشأ فيها القاعدة من جديد لامتلاكها شبكات مهمة فيها منذ عام 2007. وان هذه المناطق قد تولد مجاميع سنّية متمردة حتى من دون القاعدة بسبب الاجحاف والعنف الطائفي الذي واجهه ابناؤها. ومن هذه المناطق محافظة ديالى وبالأخص على امتداد سلسلة جبال حمرين وشرق منطقة خانقين وبضمنها قره تبة والمقدادية وقرب بعقوبة. وكذلك في حوض نهر الفرات وحول الرمادي والفلوجة والقائم، حيث المجاميع المتمردة وبالأخص القاعدة التي بإمكانها ان تستغل الشبكات العشائرية وموجات النازحين. وفي مثلث الزاب ايضا الذي يضم الحويجة والشرقاط وشمال صلاح الدين.

الحملات الجارية حاليا ضد تنظيم داعش في العراق التي تركز فقط على إلحاق الهزيمة بعزيمة داعش وقدرته على القتال تحقق هدفها في تقويض المجموعة الارهابية، ولكنها من ناحية ثانية تزيد من تفاقم عدم الاستقرار السياسي.

ويتطلب من الولايات المتحدة الان ان توسع وبشكل فوري من حملتها المضادة لتنظيم داعش في العراق وسوريا لاحتواء القاعدة وأذنابها. وعلى الولايات المتحدة ايضا ان تتحرك وبشكل نشط من خلال الوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية لإزالة الظروف السياسية التي تساعد بتمكين القاعدة وداعش ومن يعقب داعش من تشكيل حواضن ومراكز تجنيد.

 

ترجمة: حامد أحمد

علق هنا