بغداد- العراق اليوم: يطرح فريد زكريا، المحلل السياسي ومقدم برنامج GPS على شبكة CNN، رأياً فيه الكثير من الجرأة والصراحة والتفرد، متحدثاً عن المرونة المنفذٌة للمؤسسات الديمقراطية الفتية في العراق، وما يمكن أن يتعلمه السياسيون الأمريكيون منها، وذلك خلال اطلالته على ذات الشاشة الامريكية العريقة والشهيرة الـ CNN ، وقد قامت القناة بنشر هذا الحديث على منصاتها وموقعها الإلكتروني. ويقول زكريا في حديثه السياسي الذي تابعه ( العراق اليوم)، أن " التجربة العراقية مثيرة للاهتمام وتحرز تقدماً ملحوظاً من خلال تتالي التجارب الانتخابية". حيث قال زكريا نصاً : بعد اسابيع فقط من السقوط المأساوي لأفغانستان، حدث شيء مهم في البلد الأخر ( العراق) الذي اجريت امريكا بناء دولة فيه خلال العقدين الماضيين . ويضيف " اجرى العراق انتخابات كانت في الغالب حرة ونزيهة، وبافتراض ان هذه العملية ستؤدي الى تشكيل حكومة جديدة، فأنها ستكون سادس انتقال سلمي للسلطة منذ عام 2004. على الرغم من ان الاقبال كان منخفضاً بشكل قياسي، الا ان هذه الانتخابات تشير الى تقدم حقيقي. ويتابع زكريا" وقد وصف لي مسؤول عراقي بأن الأمر" زلزال سياسي، إذ بعد 18 عاماً من الغزو الأمريكي، الذي بشر بعهد من الفوضى والحرب الأهلية وصعود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، صمد النظام الديمقراطي في العراق، بحيث اصحبت الانتخابات روتينية، فالأحزاب تتبارى وتتنافس بشراسة، وهناك درجة من وسائل الاعلام التعددية، وقضاء عراقي حازم بشكل متزايد، ليس حراً تماماً ومستقلاً وفقاً للمعايير الغربية، لكنه يُظهر بعض التقدم. وينقل ايضاً"وقد وصف المسؤول العراقي الرفيع النتائج بأنها زلزال سياسي فعلاً، وهي هزيمة للجماعات المسلحة / وانتصار للدولة العراقية، كما ترى بعد انحلال الجيش العراقي في اعقاب الغزو الامريكي عام 2003، انشأ أصحاب النفوذ السياسي والاحزاب جماعاتهم المسلحة الخاصة، مع مرور الوقت نمت قوة الجماعات المسلحة خصوصاً عندما تم استدعاؤها لمحاربة داعش واصبحت نوعا من دولة موازية لهم، كان للعديد منهم علاقات وثيقة مع ايران لكن في هذه الانتخابات حسب احدى الاحصائيات انتقلت الأحزاب التي تضم جماعات مسلحة من 45 مقعدا الى اقل من 20 مقعداً. زلزال صعود القوى السنية! ويواصل زكريا قراءة المشهد قائلا" الجانب الثاني في زلزال الانتخابات كان صعود المشاركة السنية، حيث يعلم الجميع أن السنة هم الاقلية في العراق، وقد كانوا الاكثر استياءً داخل النظام السياسي،فهم كانوا يميلون الى السخرية من التصويت ولا يزالون ساخطين، في الماضي قاموا بعض الاحيان بدعم حركات العصيان، لكن هذه المرة صوتوا جيداً، وتمكنوا من تركيز اصوات في عدد اقل من الاحزاب ، ويقدر المرصد انه اذا تمكن عدد قليل من هولاء القادة من التجمع معاً فستحصل كتلة سنية موحدة على 50 مقعداً في البرلمان العراقي البالغ 329 مقعداً، مما يمنحها قوة سياسية اكبر مما كانت عليه منذ عام 2003. زلزال مقتدى الصدر القومي! ويؤكد زكريا في احاطته السياسية" الفائز الاكبر في هذه الانتخابات هو مقتدى الصدر، رجل الدين المعادي لأمريكا. والذي قاتلت جماعته المسلحة القوات الامريكية في الماضي، اما الان فقد حول الصدر نفسه الى لاعب سياسي يعمل داخل النظام العراقي، قد يجبره صعوده الى السلطة الأن على حل بعض جماعاته المسلحة، ودعم الدولة بقوة اكبر، فهناك علامات على أنه سيفعل ذلك بالضبط. ومن المثير للاهتمام ان الصدر نجح في هذه الانتخابات من تجربة تنظيمه القديم للجهود الشعبية، واستراتيجية اتصالات ذكية وطموحة، حيث تعامل حزبه مع قوانين الانتخابات بشكل فعال، وانشأ تطبيقاً يخبر مؤيديه عن مكان وزمان التصويت، وبالتالي توزيع الاصوات بكفاءة للحصول على اقصى تمثيل. لقد قطع مقتدى الصدر شوطاً طويلاً منذ ايامه كثوري عنيف، وتولى تدريجياً إدارة الامور بذكاء وفطنة مثل أي زعيم سياسي حاذق. الخلاصة الثالثة من الانتخابات، هي انه على الرغم من النفوذ الديني والسياسي الايراني في العراق فأن نتائج الاحزاب الموالية لإيران لم تكن جيدة. فقد قال نفس المسؤول العراقي الرفيع، ايا كان ما سيقوله المرء عن مقتدى الصدر، فمن الواضح انه قومي عراقي لا يحب اي تدخل اجنبي من اي جانب في البلاد. ويقول زكريا ايضاً" سألت المسؤول ما الذي يفسر النجاح النسبي للعراق وهو اول من اقر بأنه نسبي ومتردد اشار الى عاملين كبيرين، الاول بعد الفشل الذريع لسياسات امريكا المبكرة في العراق بذلت جهود حثيثة لدمج جميع الجماعات في النظام السياسي، قال ان احد النجاحات غير المعلنة لزيادة القوات بقيادة الزوجين الغربيين ديفيد بترايوس وراي اوديرنو كان اعادة العديد من المليشيات السنية الى الترابط، لقد كان هذا التواصل السياسي في تناقض ملحوظ مع السياسة في افغانستان التي استبعدت منذ البداية اي مشاركة لطالبان في النظام السياسي. والثاني على حد قوله هو المعركة ضد داعش، فإن هذا النضال قد جمع البلد معاً، ولطالما كان لدى العراق شعور بأنه امة ونظام حكم لكن هذا العدو (داعش) عمّق تلك الهوية، وعندما انتصرنا منحنا كل الفخر بهذا الانجاز. وينقل زكريا عن المسؤول العراقي تحذيره من ان ديمقراطية العراق لا تزال هشة، حيث يقوض الفساد شرعية الدولة والنظام السياسي. وقال ان التحدي الملح الان هو ان الخاسرين في هذه الانتخابات يجب ان يقبلوا خسارتهم وأن لا يلجأوا الى العنف او الوسائل غير الدستورية، ومع ذلك فأنه يرى بوادر مشجعة. لقد تعلمنا نحن العراقيين انه ليس لدينا بديل سوى التعامل مع خلافاتنا من خلال السياسة والثقة في الانتخابات وقبل كل شيء التنازلات والتنازلات والتنازلات، حسناً، يجب ان يقبل الخاسرون خسارتهم، ويجب على جميع الاطراف تقديم التنازلات. ويختم زكريا حديثه عن الانتخابات العراقية بالقول"من كان يتخيل قبل عقد من الزمن ان السياسة العراقية قد تقدم الدروس المفيدة للديمقراطية الامريكية؟.
*
اضافة التعليق