بغداد- العراق اليوم: أتت سفن انتخابات تشرين بما تشتهي انفس التيار الصدري، ومنح الناخبون العراقيون أصواتهم سخيةً لمشروع الصدر الإصلاحي، دون أن يلتفتوا الى حجم الضغوط والحملات الإعلامية المكثفة التي ارادت ان تُحجم هذا الاستحقاق الوطني، وأن تفشل جهود طويلة كانت انطلقت بعد عام واحد من انتخابات 2018 التي شابها التشكيك والاتهامات. وحقق التيار الصدري نتائج غير مسبوقة في تاريخه السياسي منذ اشتراكه في عام 2005، وأصبح الكتلة النيابية الأكثر عدداً دون منافس، متفوقاً على اقرب منافسيه بعدد من المقاعد تتجاوز الثلاثين على أقل تقدير. إن هذا التفوق العددي، والكثافة التي حصدها، تؤشر الى ان الشارع العراقي فوض التيار مهمة استكمال مشروع بناء الدولة، والمضي باتجاه تعضيد ما جرى في ايار 2020 بولادة أول حكومة وطنية محايدة ومستقلة، بقيادة بعيدة عن نمطيات العملية السياسية واسمائها المزمنة. هذا الاختبار الذي جرى، أنما كان بمثابة استفتاء شعبي لضمان المضي بهذه الصيغة القابلة للحياة، بعد وصول صيغ التسميات الحزبية الى مرحلة الانسداد السياسي، وعدم تمكنها من الاستمرار بحالة طبيعية. ولذا فأن الرسالة التي ارسلها الشارع الى الكتلة الأولى، وزعيمها يمكن أن تُقرأ على أنها برقية عاجلة للمضي بأتجاه تشكيل حكومة جديدة بذات الخطة والتوجه، مع توسيع قاعدتها الشعبية والسياسية، ومنحها المزيد من الصلاحيات القانونية والدستورية ودعمها نيابياً للمضي بأجراء اصلاحات واجبة التنفيذ لخروج الوضع من ردهة الإنعاش التي طال مكوثها فيها على اجهزة تنفس سريرية. ان الذي يجب ان يُفهم من هذا التوجه والمزاج الشعبي الجديد، هو رغبة عارمة للخلاص من ربقة التحاصص الطائفي – الحزبي، والانطلاق الى توسيع فضاء المشاركة السياسية، عبر القدرات والمهارات والكفاءة. وأيضاً هي رسالة واضحة للسيد الصدر ذاته، بأن عليه أن يمضي في ذات الطريق الذي كان يتعامل به منذ اعوام طويلة، حين يقدم العام على الخاص، وحين يترجم الاحتقان الى تقارب مع الأخر، وحين يفتح في جدار اصم كوة نقاش ليصل الى مشترك يمكن البناء عليه، والتأسيس لمرحلة تعايش مأمولة ومقبولة ومطلوبة. هذا الفهم ينبغي ان يوضع كإطار للعمل مجدداً، وأن تغلُب لغة المصلحة العامة على الاستحقاقات الذاتية والحزبية، ويكون الرائد والهدف هو البحث عما يقرٌب ولا يفرٌق، يداني ولا يبعد، لأن الظرف دقيق، وخطورة الأنقسام السياسي تشي بأن وراء الأكمة ما ورائها، خصوصاً مع تصيد بعض الاعلام الأصفر، والجهات المتربصة، الفرص للإيقاع بين الأخوة والحلفاء في خطوة خبيثة من اجل اغراق العراق ببحار من الدماء. أن الاستحقاق الانتخابي شيء مشروع، بل هو لب العملية التنافسية التي يسعى لها كل كيان او فصيل سياسي، لكن من الممكن بل والواجب أن يؤخر هذا الاستحقاق حينما تكون مصلحة البلاد هي الأولى، وهي التي يجب ان تراعى حتى وان دسنا على الجراح وتحملنا أذى الأقارب قبل الأباعد بكل تأكيد. هذه هي الرسالة الأهم التي يجب ان تصل الى صانع القرار الصدري، والى الأخرين ايضاً ليتجنبوا الوقوع في فخ الإختصام الشديد، الذي يمضي بالفرقاء جميعاً الى الاقتتال الأخوي، الذي ان انطلق، قد نعرف بدايته، ولكن حتماً لا احد يعرف نهايته الكارثية لاسمح الله.
*
اضافة التعليق