العراق اليوم - ملف خاص : نعرض هنا شهادات رجل كان مؤثراً في أحداث العراق لفترة من الزمن، انه طالب شبيب وزير خارجية حكم البعث في انقلاب (14 رمضان – 8 شباط / 1963)، يقول شبيب لمحاوره الدكتور علي كريم سعيد وهو يستعيد المشهد: (قررت ألا أقول ولا أفعل الا ما أعتقد انه صحيح وحقيقي فلا أكذب مهما كان الثمن والتبعات). . محاولات لاغتيال عبد الكريم قاسم كان التيار القومي في العراق وبعد ثورة 14 تموز عبارة عن حزب البعث العربي الاشتراكي والناصريين وجماعات أخرى من المدنيين والعسكريين، وكان التيار القومي بصورة عامة يرى في مصر وجمال عبد الناصر مرجعية سياسية وفكرية له. كانت حكومة قاسم الأولى تضم ممثلين عن التيار القومي، الا انه ولأسباب كثيرة حصلت القطيعة بين قاسم وجمال عبد الناصر، لان الأخير كان يطالب بالوحدة العربية الفورية، فانعكست تلك القطيعة على التيار القومي في العراق، وبدأ عبد الناصر بتمويل كل المشاريع المضادة لحكم قاسم حيث قدمت مصر أسلحة ومحطة اذاعة سرية عبر سوريا من بداية عام 1959 لعبد الوهاب الشواف ووصل بعض من تلك الأسلحة لحزب البعث. جرت خمس محاولات اغتيال لعبد الكريم قاسم وخطط حزب البعث لجميع تلك المحاولات، وبعلم من الشخصيات القومية الاخرى الا انها ولأسباب مختلفة توقفت، وتأتي مشاريع الاغتيال من قبل عبد الستار عبداللطيف وصالح مهدي عماش ومن المكتب العسكري. المحاولة الأخيرة كانت في (رأس القرية) على شارع الرشيد، وافقت القيادة القطرية عليها، وحين التصويت اعترض عليها طالب شبيب ومدحت ابراهيم جمعة. يؤكد شبيب على ان نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة ومحمد صديق شنشل أحد الوزراء كانا مطلعين على الخطة، كان جمال عبد الناصر ايضا على علم بالخطة ولكن لا يعرف بالموعد. تسلم حزب البعث من مصر (20) عشرين ألف دينار أو جنيه لتمويل وادامة أنشطة الحزب وأعمال التحضير لعملية الاغتيال. بعد فشل محاولة الاغتيال ألقي القبض على أكثرية فريق التنفيذ، وبعد مدة عفا قاسم عن فريق التنفيذ ووقف تنفيذ الاعدام، الا ان البعثيين اعتبروا ذلك ضعفاً وبدأوا باستثمار تلك الفرصة الى أبعد الحدود.
التحضير لانقلاب 8 شباط / 1963
بعد فشل الاغتيال فكر البعثيون وكثير من التيار القومي في العراق بالانقلاب والسيطرة على الحكم بالقوة، وعلى مدى سنتين بذلت جهود مكثفة لنقل ضباط الدروع البعثيين الى وحدات خاصة للتهيئة والتحضير للانقلاب. أثناء التحضير للانقلاب جاء الى قيادة البعث محمد صديق شنشل (وهو وزير سابق في الحكومة) كوسيط وقال: اقترح قاسم ان يعين في وزارة جديدة ثلاثة من الوزراء البعثيين، فأجابت قيادة البعث ان الاقتراح جاء نتيجة ضغط إضراب الطلبة فرفض الاقتراح، وأثناء التحضير للانقلاب حاولت أيضاً مصر التطبيع مع قاسم تحت شعار التضامن العربي فرفض البعث هذا الاقتراح. (إذا لم يكن للموت بد فمن العار أن تكون جباناً) اقتيد عبد الكريم قاسم ومعه طه الشيخ أحمد والمهداوي وكنعان خليل حداد الى احدى غرف الاذاعة وانهالت عليهم الشتائم واللكمات، كان الكل يتكلمون ويشتمون في آن واحد ومتوترين، كان الجميع يحثون على الاسراع في إعدامهم. لم يرد قاسم على أكثر أسئلتهم بل كان يطالب باستمرار بمحاكمته وكما هو قام بمحاكمتهم، كان قاسم رغم انه متأكد من قتله الا انه لم يتصرف كمتخاذل، اما طه الشيخ أحمد فتصرف هو الآخر بذهول واندهاش وربما كان أحسن الأربعة حالاً، كان المهداوي رابط الجأش رغم الاعتداء عليه ونزيفه الغزير. رفض الرجال الأربعة ان تعصب أعينهم عندما أعلمناهم بقرار الاعدام، خرج القادة البعثيون من الغرفة وبقي الرماة وتم الرمي، وعلم شبيب من الرماة فور خروجهم ان قاسم هتف بشيء لم يميزوه، لكن الوحيد الذي ميزوه هو ما قاله المهداوي الذي هتف بصوت عال: (عاش الشعب). لم تكن هناك محاكمة وكل حديث عن وجود محاكمة انما هو ضرب من التخيل، بل المحكمة تشكلت على الورق بعد اعدامهم ورأسها عبد الغني الراوي وكان التشكيل على الورق لإخراج أمر اعدامهم قانونياً. وبعد كل ذلك كتب كثيرون عن مقتل عبد الكريم قاسم وسيرة سلطته تحت سقف سلطة معادية لنظامه فخاضوا في تفاصيل ليس لها وجود، وأضاف بعضهم مشاهد درامية، وبلغت الجرأة ببعضهم مثل محمود شيت خطاب الذي لم يكن موجوداً في مشهد الحوار الأخير أن يدعي أنه شاهد عيان. ويقول شبيب: وقد تأكدتُ بعد تنقيب وبحث أن جميع الذين كتبوا لحد الآن عن مشهد محاكمة قاسم وجماعته لم يكونوا حاضرين في ذلك المشهد، وأستطيع أن أؤكد أن الكتّاب في هذه القضية كانوا حتى فترة قصيرة شهود اتهام متميزين عدا (حسن العلوي) من العراقيين ونسبياً (حنا بطاطو) من خارجهم. حزب مولع بالسرية طرح شبيب مرة على مجلس قيادة الثورة خروج الحزب للعلن فعارض الجميع عدا حازم جواد، ثم يقول شبيب: كان العراق يحكمه مجلس قيادة وهو مؤسسة سرية، ويوجه مجلس قيادة الثورة حزب أعضاؤه غير معلنين ويقودون حزباً سرياً، يطالب البعض من مجلس قيادة الثورة بسنّ قوانين سرية خاصة، ولم يبق سوى أن ننصب خيمة نغطي به العراق كله ونعتبره بلداً سرياً بكل معالمه!!. تداعيات أمام الجلادين حينما يترقب قاسم خروج الطلقات من فوهات البنادق الموجهة الى صدره ربما عاد الى أيام زمان يوماً كان قد فاجأ تلاميذه بالكلية العسكرية وكان بينهم: عبد السلام عارف والبكر وعبد الرحمن عارف وطاهر يحيى والمهداوي وغيرهم فاجأهم بحديث ولغة غير معهودة داخل الجيش حيث حدثهم عن الوطنية والاستعمار البريطاني ووعدهم بيوم الخلاص. لابد أن تذكّر أيضاً معارك كردستان ثم حرب فلسطين وتحريره لقلعة (كيشر والبيارات)، أو عند مخالفته للقيادة العسكرية العربية عندما خطط سراً لفك الحصار عن الجيش المصري المحاصر في (الفالوجة). لابد أن تذكّر إنقاذه لبغداد من الفيضان عام 1954، أو تأسيسه لحركة الضباط الاحرار التي وصل عدد أعضائها الى (200) ضابط، أو تذكر قيادته لثورة تموز ومشاريعه في خدمة الفقراء، وايصال الكهرباء للريف وبناء المساكن الشعبية والمعامل و……. هكذا تكلم شبيب عن عبد الكريم قاسم كان وطنياً وراعياً لمصالح الفقراء، ولم تكن مشاريعه تهدف الى الدعاية وانما آمن بها ونفذها باندفاع وحماس، لكنه كان دكتاتوراً فردياً، أساء الى جميع الأحزاب، كان عليه أن يفسح المجال لجميع الأحزاب بالعمل، وان يستفتي الشعب على دستور دائم ولانتخابات ديمقراطية، والجميع واثق من انه سيفوز برئاسة الجمهورية، وفي كل الأحوال فقد كان قاسم لا يستحق المصير الذي آل اليه. وأخيراً فقد كان من الصعب علينا وصف قاسم بأوصاف تدينه غير الفردية، كان عفيف اليد، وعيناه شبعانتين، فلم يطمع وهو حاكم العراق الوحيد ببستان أو قطعة أرض، في حين سعى كل حكام العراق الذين سبقوه وخلفوه للكسب والاستيلاء وسرقة المال العام، خصوصاً كتلة صدام وطلفاح والحيتان من أنجالهم وأصدقاء أنجالهم. ويضيف شبيب: سن قانون رقم (80) وبموجبه أمّم 99.5% من الأراضي النفطية، وسلَّم مصر جميع الوثائق السرية في الخارجية العراقية والتي تخص مصر وسوريا والعائدة إلى العهد الملكي وحلف بغداد، تأسست في عهده منظمة أوبك، وأسس صناعة الصلب والاسمنت، لم ينتفع ولم يسمح لغيره أن ينتفع بصورة غير شرعية، ولم يخض حروباً بالنيابة وغير ذلك كثير وكثير مما يؤكد ان خصومه لم يعترضوا عليه الا بسبب الصراع على توزيع المراكز في السلطة، فاستعانوا بجهات اقليمية ودولية لها مصالح في العراق لإسقاطه. محكمة الشعب والمهداوي يروي طالب شبيب عن المهداوي وبعيداً عن الضغط المألوف الذي يُعاقب حتى الموت من ينصفه ويقول ان المهداوي اشترك في حركة رشيد عالي الكيلاني وأسره الانكليز في الحبانية. التحق بحركة الضباط الاحرار بقيادة قاسم الذي أسسها في نهاية الاربعينيات على أرض فلسطين، تمكن المهداوي مع رفاقه صباح 14 تموز / 1958 من تنفيذ واحدة من أهم وأخطر أجزاء خطة الثورة بالسيطرة على اللواء الأول (لواء الأمن) ومهمته حماية بغداد من أي تمرد قد يحدث ضد حكومة نوري سعيد الآتية بعدها. في 18 تموز عين رئيساً لمحكمة الشعب، تلك المحكمة ظلت حتى هذه اللحظة تتحدى كل السلطات التالية في أن تقيم مثلها أو أفضل أو أكثر حرية منها، بدلاً من العلنية الساخرة للمهداوي نشأت بعده المحاكم السرية والقتل السرّي والتعذيب حتى الموت وتهديد الشرف وبصورة تتجاوز وتفوق ما سمع به الانسان منذ تأسيس حضاراته الأولى ولحد الآن!!. ان قاعة الشعب التابعة لمحكمة الشعب تحولت بعد سقوط قاسم الى مسلخ بشري قتل فيها خلال شهر واحد أضعاف ما حكمت به محكمة المهداوي خلال (4.5) سنة من عمر حكومة قاسم، في حين – ويا للأسف – ان بعض السياسيين مازالوا يحصرون الاستبداد والدكتاتورية بعهد قاسم ومحكمة المهداوي دون غيرهما!!. المهداوي في وزارة الدفاع يشهد كل الشهود في رسائل ومذكرات منشورة داخل وخارج العراق ان المهداوي وقف في 8 شباط داخل وزارة الدفاع ضد الاستسلام، وبأنه عندما اتصل به ممثلو الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد طالبين اليه مرافقتهم الى كردستان للخلاص بنفسه وبعائلته، قال لزوجته لن أهرب ولن يقول أحد عني جبان. الحرس القومي تمكن الحرس القومي بسرعة من ابتلاع جميع منظمات حزب البعث المحلية وأخذ دورها، لم تمض اسابيع على 8 شباط حتى صار الحرس القومي في بغداد جيشاً يضاهي عدده جميع القوات العسكرية في معسكرات العاصمة. تحول الحرس القومي من حماية الأمن الى ازعاج الناس والتدخل في شؤونهم وشؤون الادارة والحكومة، وأصبحت لا يمكن ضبطها، وتمارس أعمالاً سيئة في المدن العراقية، ومن الطريف أن الحرس القومي يقوم دون أسباب ودون أوامر بمضايقة وتفتيش ضباط الجيش وقادته وأعضاء السلك الدبلوماسي. ثم يعرض شبيب أعمالاً اجرامية كثيرة في المدن العراقية وخاصة في بغداد قامت بها مؤسسة الحرس القومي، ومن الطريف ان عبد السلام عارف بعد ان قام بالانقلاب على البعث في عام 1964 أصدر كتاباً خاصاً وبعدة أجزاء عن أعمال الحرس القومي في العراق وسمى الكتاب (المنحرفون). مذبحة بحق قيادة الحزب الشيوعي العراقي يذكر طالب شبيب أخباراً عن حوارات دارت بين أعضاء قياديين من البعث مع قيادات الحزب الشيوعي المعتقلين، الا أنه يقول: ما قيمة الحوار الذي دار اذ كان الأمر قد انتهى بموت هؤلاء، فقد أبلغنا ان قادة الحزب الشيوعي قد ماتوا. يقول شبيب: (فغطينا نحن مع الأسف ذلك بقرارات رسمية، اذ قال تقرير الطبيب الشرعي وهو بعثي اسمه (…… علوش) بأنهم ماتوا بالسكتة القلبية لأنهم ظلوا حتى الصباح معلقين وأرجلهم مرتفعة وذلك يؤدي بعد فترة الى السكتة القلبية). ويوضح الدكتور علي كريم في هامش صفحة 200 تلك الأحداث معتمداً على وثائق وشهادات للبعثيين أنفسهم في الخارج، وعن ذلك الطبيب البعثي يقول: ان صادق حميد علوش معروف بين أقرانه بالتزلف للأقوياء ويعتقد زملاؤه أنه تسبب في مقتل خلفه وزير الصحة السابق الدكتور رياض حسين، أصبح بين سنوات (1975 – 1979) رئيساً لمدينة الطب وكان في سنة 1998 عضواً لفرع حزب البعث. ثم يذكر الدكتور بالتفصيل كيفية تعذيب وقتل الشيوعيين: محمد صالح العبلي، حمزة سلمان الجبوري، جمال الحيدري وابن زوجته (من زوج سابق لها) فاضل (عمره 14 سنة)، توفيق منير، متي الشيخ ومهدي حميد وسلام عادل ونافع يونس وغيرهم. فضائح تزكم الأنوف يذكر الدكتور علي كريم في هامش الكتاب فضيحتين بعثيتين، أحداهما في عام 1984 حيث تم استدعاء خبراء فرنسيين للاطلاع على الطائرة السوفيتية مقابل بيعهم طائرات ميراج، فجاء الخبراء وأنجزوا مهمتهم، ومثل الجانب العراقي اللواء هشام عطا عجاج (اللاعب والطيار المعروف) أما الفضيحة الثانية فقد كانت في عام 1988، حيث تم الاتفاق بين الصين والعراق على ارسال احدى الطائرات العراقية المتطورة (الروسية) الى الصين من اجل تحوير الشفرة الفنية وأجهزة الرادار والاطلاع على اسرارها، ومثل العراق في تلك الصفقة عميد الجو الركن (حامد السعودي)، في حين تنص الاتفاقية المبرمة مع السوفييت على وجوب التزام الطرف العراقي بعدم اطلاع الدول الأخرى على أسرار الطائرة وبروتوكولها، أرسلت الطائرة وهي تحمل علماً أردنياً!!. يعترف طالب شبيب بوجود علاقات مشبوهة وغامضة، وان بعض المداخلات المشبوهة كانت تحصل بالقرب من القيادة عام 1963 وما بعدها وما حولها، على سبيل المثال: العلاقة الودية بين (علي عبد السلام) ودارت حوله قصص وصفقات مشبوهة، وعلامات استفهام كثيرة حول عماش ورشيد مصلح وناصر الحاني ولطفي العبيدي. وبعد عام 1968 في عهد (البكر – صدام) قتل علي عبد السلام في سياق تصفية الحسابات وسد ثغرات الفضائح ووجدت جثته مقطعة، وجرت تصفيات واغتيالات كثيرة داخل وخارج العراق للغرض نفسه القسم الثالث قطار الموت! رأى البعثيون كان وطنياً وراعياً لمصالح الفقراء، ولم تكن مشاريعه تهدف الى الدعاية وانما آمن بها ونفذها باندفاع وحماس، لكنه كان دكتاتوراً فردياً، أساء الى جميع الأحزاب، كان عليه أن يفسح المجال لجميع الأحزاب بالعمل، وان يستفتي الشعب على دستور دائم ولانتخابات ديمقراطية، والجميع واثق من انه سيفوز برئاسة الجمهورية، وفي كل الأحوال فقد كان قاسم لا يستحق المصير الذي آل اليه. وأخيراً فقد كان من الصعب علينا وصف قاسم بأوصاف تدينه غير الفردية، كان عفيف اليد، وعيناه شبعانتين، فلم يطمع وهو حاكم العراق الوحيد ببستان أو قطعة أرض، في حين سعى كل حكام العراق الذين سبقوه وخلفوه للكسب والاستيلاء وسرقة المال العام، خصوصاً كتلة صدام وطلفاح والحيتان من أنجالهم وأصدقاء أنجالهم. ويضيف شبيب: سن قانون رقم (80) وبموجبه أمّم 99.5% من الأراضي النفطية، وسلَّم مصر جميع الوثائق السرية في الخارجية العراقية والتي تخص مصر وسوريا والعائدة إلى العهد الملكي وحلف بغداد، تأسست في عهده منظمة أوبك، وأسس صناعة الصلب والاسمنت، لم ينتفع ولم يسمح لغيره أن ينتفع بصورة غير شرعية، ولم يخض حروباً بالنيابة وغير ذلك كثير وكثير مما يؤكد ان خصومه لم يعترضوا عليه الا بسبب الصراع على توزيع المراكز في السلطة، فاستعانوا بجهات اقليمية ودولية لها مصالح في العراق لإسقاطه. محكمة الشعب والمهداوي يروي طالب شبيب عن المهداوي وبعيداً عن الضغط المألوف الذي يُعاقب حتى الموت من ينصفه ويقول ان المهداوي اشترك في حركة رشيد عالي الكيلاني وأسره الانكليز في الحبانية. التحق بحركة الضباط الاحرار بقيادة قاسم الذي أسسها في نهاية الاربعينيات على أرض فلسطين، تمكن المهداوي مع رفاقه صباح 14 تموز / 1958 من تنفيذ واحدة من أهم وأخطر أجزاء خطة الثورة بالسيطرة على اللواء الأول (لواء الأمن) ومهمته حماية بغداد من أي تمرد قد يحدث ضد حكومة نوري سعيد الآتية بعدها. في 18 تموز عين رئيساً لمحكمة الشعب، تلك المحكمة ظلت حتى هذه اللحظة تتحدى كل السلطات التالية في أن تقيم مثلها أو أفضل أو أكثر حرية منها، بدلاً من العلنية الساخرة للمهداوي نشأت بعده المحاكم السرية والقتل السرّي والتعذيب حتى الموت وتهديد الشرف وبصورة تتجاوز وتفوق ما سمع به الانسان منذ تأسيس حضاراته الأولى ولحد الآن!!. ان قاعة الشعب التابعة لمحكمة الشعب تحولت بعد سقوط قاسم الى مسلخ بشري قتل فيها خلال شهر واحد أضعاف ما حكمت به محكمة المهداوي خلال (4.5) سنة من عمر حكومة قاسم، في حين – ويا للأسف – ان بعض السياسيين مازالوا يحصرون الاستبداد والدكتاتورية بعهد قاسم ومحكمة المهداوي دون غيرهما!!. المهداوي في وزارة الدفاع يشهد كل الشهود في رسائل ومذكرات منشورة داخل وخارج العراق ان المهداوي وقف في 8 شباط داخل وزارة الدفاع ضد الاستسلام، وبأنه عندما اتصل به ممثلو الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد طالبين اليه مرافقتهم الى كردستان للخلاص بنفسه وبعائلته، قال لزوجته لن أهرب ولن يقول أحد عني جبان. الحرس القومي تمكن الحرس القومي بسرعة من ابتلاع جميع منظمات حزب البعث المحلية وأخذ دورها، لم تمض اسابيع على 8 شباط حتى صار الحرس القومي في بغداد جيشاً يضاهي عدده جميع القوات العسكرية في معسكرات العاصمة. تحول الحرس القومي من حماية الأمن الى ازعاج الناس والتدخل في شؤونهم وشؤون الادارة والحكومة، وأصبحت لا يمكن ضبطها، وتمارس أعمالاً سيئة في المدن العراقية، ومن الطريف أن الحرس القومي يقوم دون أسباب ودون أوامر بمضايقة وتفتيش ضباط الجيش وقادته وأعضاء السلك الدبلوماسي. ثم يعرض شبيب أعمالاً اجرامية كثيرة في المدن العراقية وخاصة في بغداد قامت بها مؤسسة الحرس القومي، ومن الطريف ان عبد السلام عارف بعد ان قام بالانقلاب على البعث في عام 1964 أصدر كتاباً خاصاً وبعدة أجزاء عن أعمال الحرس القومي في العراق وسمى الكتاب (المنحرفون). مذبحة بحق قيادة الحزب الشيوعي العراقي يذكر طالب شبيب أخباراً عن حوارات دارت بين أعضاء قياديين من البعث مع قيادات الحزب الشيوعي المعتقلين، الا أنه يقول: ما قيمة الحوار الذي دار اذ كان الأمر قد انتهى بموت هؤلاء، فقد أبلغنا ان قادة الحزب الشيوعي قد ماتوا. يقول شبيب: (فغطينا نحن مع الأسف ذلك بقرارات رسمية، اذ قال تقرير الطبيب الشرعي وهو بعثي اسمه (…… علوش) بأنهم ماتوا بالسكتة القلبية لأنهم ظلوا حتى الصباح معلقين وأرجلهم مرتفعة وذلك يؤدي بعد فترة الى السكتة القلبية). ويوضح الدكتور علي كريم في هامش صفحة 200 تلك الأحداث معتمداً على وثائق وشهادات للبعثيين أنفسهم في الخارج، وعن ذلك الطبيب البعثي يقول: ان صادق حميد علوش معروف بين أقرانه بالتزلف للأقوياء ويعتقد زملاؤه أنه تسبب في مقتل خلفه وزير الصحة السابق الدكتور رياض حسين، أصبح بين سنوات (1975 – 1979) رئيساً لمدينة الطب وكان في سنة 1998 عضواً لفرع حزب البعث. ثم يذكر الدكتور بالتفصيل كيفية تعذيب وقتل الشيوعيين: محمد صالح العبلي، حمزة سلمان الجبوري، جمال الحيدري وابن زوجته (من زوج سابق لها) فاضل (عمره 14 سنة)، توفيق منير، متي الشيخ ومهدي حميد وسلام عادل ونافع يونس وغيرهم. فضائح تزكم الأنوف يذكر الدكتور علي كريم في هامش الكتاب فضيحتين بعثيتين، أحداهما في عام 1984 حيث تم استدعاء خبراء فرنسيين للاطلاع على الطائرة السوفيتية مقابل بيعهم طائرات ميراج، فجاء الخبراء وأنجزوا مهمتهم، ومثل الجانب العراقي اللواء هشام عطا عجاج (اللاعب والطيار المعروف) أما الفضيحة الثانية فقد كانت في عام 1988، حيث تم الاتفاق بين الصين والعراق على ارسال احدى الطائرات العراقية المتطورة (الروسية) الى الصين من اجل تحوير الشفرة الفنية وأجهزة الرادار والاطلاع على اسرارها، ومثل العراق في تلك الصفقة عميد الجو الركن (حامد السعودي)، في حين تنص الاتفاقية المبرمة مع السوفييت على وجوب التزام الطرف العراقي بعدم اطلاع الدول الأخرى على أسرار الطائرة وبروتوكولها، أرسلت الطائرة وهي تحمل علماً أردنياً!!. يعترف طالب شبيب بوجود علاقات مشبوهة وغامضة، وان بعض المداخلات المشبوهة كانت تحصل بالقرب من القيادة عام 1963 وما بعدها وما حولها، على سبيل المثال: العلاقة الودية بين (علي عبدالسلام) ودارت حوله قصص وصفقات مشبوهة، وعلامات استفهام كثيرة حول عماش ورشيد مصلح وناصر الحاني ولطفي العبيدي. وبعد عام 1968 في عهد (البكر – صدام) قتل علي عبدالسلام في سياق تصفية الحسابات وسد ثغرات الفضائح ووجدت جثته مقطعة، وجرت تصفيات واغتيالات كثيرة داخل وخارج العراق للغرض نفسهبعد حركة (حسن سريع – 3 تموز 1963) ان وجود عدد كبير من الضباط والقادة الشيوعيين في سجن رقم (1) بمعسكر الرشيد مصدر قلق لهم لذلك قرر الحزب نقل السجناء الى سجن (نقرة سلمان) الصحراوي. تمكن عبد السلام عارف وغيره من العسكريين وخاصة البكر وعبد الغني الراوي من تبني فكرة ضرورة القضاء عليهم، طلب البكر من عبد الغني الراوي (قومي) ان يذهب الى (نقرة سلمان) وهناك يجري تنفيذ الاعدام بـ (30) من الضباط الشيوعيين، فرفض عبد الغني السفر الى (نقرة سلمان) بحجة ان اعدام (30) شيوعياً لا يستحق السفر الى (نقرة سلمان) وقال ان اعدامهم أهون من سفره بل طالب بإعدام المئات!!. لقى هذا الطلب مقاومة حازمة وشديدة من قبل قيادة الحزب المدنيين وبعض العسكريين وخاصة سكرتير مجلس قيادة الثورة (أنور عبد القادر الحديثي). وبعد قضاء ليلة مع البكر تمكن طالب شبيب وحازم جواد وأنور الحديثي من اقناع البكر للعدول عن فكرة [الإعدام بالجملة!! ] ذكرنا آنفاً قرار إرسال السجناء الى (نقرة سلمان) وإعدامهم بالجملة، وان الخيرين أبطلوا فكرة الإعدام، الا ان الأشرار أرادوا اعدامهم بإسلوب آخر وبـ (قطار الموت). يذكر الدكتور علي كريم في الصفحة 302 من الكتاب تفاصيل مأساوية عن (قطار الموت)، كان السجناء شيوعيين عسكريين ومدنيين وكذلك قاسميين. تختلف الروايات حول عدد السجناء فيقول الفكيكي انهم 450، وباقر ابراهيم 600، بينما يقول الشاعر كاظم السماوي انهم 1200 سجين، كانت (فارگونات) القطار مطلية جدرانها وارضيتها بـ (القار)، انطلق بهم في الساعة (11) صباحاً 7 تموز 1963 مع ارتفاع شمس تموز الحارقة، فكان يمكن للركاب – حسب التقديرات العلمية – أن يموتوا بعد ساعتين من انطلاق القطار، فتتحول كل عربة الى تنور متنقل أو فرن مغلق على لحوم بشرية. كانت تلك العربات مخصصة أصلا لنقل البضائع، كان السجناء مكبلين، وبعضهم بـ (كلبچات) وآخرين بسلاسل حديدية، وتوزع الحراس على الممرات بملابس مدنية أو فلاحية امعاناً في التمويه، ومهمتهم منع أية محاولة لكسر الأبواب والهرب. لولا وجود عدد من الأطباء الضباط بين السجناء لما صمد السجناء أحياءً فترة أطول، إذ أعطوهم النصائح بأهمية (مص) أصابعهم وأجزاء الجسد الأخرى لاستعادة بعض الأملاح المفقودة وغيرها من النصائح. بعد ساعة من تحرك القطار بدئوا يعانون من الغثيان وهبوط ضغط الدم بسبب نقص الاوكسجين داخل العربات، يتدخل الحظ ويتوقف القطار في محطة المحاويل، وأثناء التوقف اتصل شخص بالسائق (عبد عباس المفرجي) قائلاً: خالي حمولتك ليست بضاعة بل سجناء سياسيين انهم ضباط عبد الكريم قاسم! ولما علم السائق انه يقود تابوتاً بهيئة قطار مصفح، استبدت به الشهامة العراقية ولدى السائق ذاكرة ودية لعهد قاسم. فانطلق قبل الموعد بأقصى سرعة ممكنة فوصل بالقطار قبل موعده بساعتين، ولم يعرف لحد الان كيف علم ذلك النفر من أبناء سدة الهندية والديوانية بسير القطار، هل سرّب الخبر بعثيون متعاطفون أم شيوعيون أم أقرباء السجناء؟ بل انهم اتصلوا بمعارفهم في السماوة لاستقبال القطار ومساعدة السجناء، وعندما فتحت أبوابه في السماوة تكشفت العربات عن حشرجات صادرة عن هياكل بشرية زاحفة للخارج، في حين غاب آخرون عن الوعي، ومات شخص واحد على الأقل. مرة أخرى لعب الأطباء السجناء دوراً مهماً في انقاذ حياة السجناء، اذ قفزوا للأمام وأرشدوا المستقبلين الذين أحضروا مياها مثلجة وحليبا، فمنعوا السجناء من الشرب وأمروا الناس بجلب ماء دافئ وملح، جرى كل ذلك وسط حشود من الناس تتعالى بينهم ولولة وبكاء النساء، وعندما حاول رجال الشرطة والحراس الاعتراض تحدث معهم بعض الضباط السجناء فأخجلوهم وابتعدوا. كان بين السجناء: غضبان السعد والعقيد ابراهيم حسن الجبوري، والعقيد حسن عبود والعقيد سلمان عبد المجيد الحصان والمقدم عدنان الخيال ورئيس أول لطفي طاهر وحمدي أيوب والطبيب المشهور رافد صبحي والطيار ابراهيم موسى والمهندس الكهربائي عبد القادر الشيخ ورئيس أول صلاح الدين رؤوف قزاز والضابط يحيى نادر وجميل منير العاني وآخرون. لقد علم أحد وجهاء السماوة وهو يسكن بغداد واسمه (السيد طالب) بخبر القطار فاتصل من بغداد بأهالي مدينة السماوة واستنفرهم فاحضروا من الزاد ما يكفي عشرات المرات للعدد المنقول في القطار. وقد استأجر سيد طالب شاحنة لوري وحمّلها بمواد غذائية مختلفة وسيّرها مع سيارات نقل السجناء الى نقرة السلمان هدية منه. وقد سمى (حمدي أيوب) نجدة أهالي السماوة بـ ((انتفاضة السماوة الصامتة)).