ما بين العالمين العراقيين الكبيرين عبد الجبار عبد الله، وعبد الجليل الطاهر

بغداد- العراق اليوم:

تجمع بين الرجلين أمور مشتركة عدة؛ منها أنهما ولدا في مدة متقاربة، الأول عام 1913، والثاني عام 1917؛ في بيئتين فقيرتين اقتصادياً،غنيتين بالطبيعة البكر الفائقة الروعة والجمال، إذ اشتركا في أن يكون مسقط رأسيهما، ونشأتهما في قرى تُحيط بها المياه من كل جانب؛ الأول في قلعة صالح حيث هور الحويزة الفاصل بين العراق وإيران،والثاني في ( المدِينة) التي تُقرأ باللهجة المحلية بتصغير المدينة؛ حيثُ أهوار أسفل الفرات قبل اقترانه العظيم بدجلة.

......

لكن ما يجمع بينهما كانَ أكبر من ذلك بكثير، إذ كان الحلم الذي ظل يراود خاطريهما يشكل حافزاً قوياً للانطلاق؛ الحلم بكسر القيد،والطيران في فضاءات واسعة ليس لها حدود..

.....

كان الحب عاملاً مهماً ورئيساً في عملية التقدم العلمي والمهني لكليهما؛ إذ ربطت عبد الجبار عبد الله علاقة حب بأبنة صائغ العائلة المالكة في العراق السيدة(قسمت عنيسي الفياض)؛ بينما جمعت الطاهر علاقة حب بالسيدة( فاطمة أحمد جمال الدين) إبنة أحد مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي،ورئيس محكمة استئناف العراق،ومهندس الإصلاح الزراعي في عهد عبد الكريم قاسم؛ ولقد كان لهاتين السيدتين الفاضلتين الدور الكبير،والبارز في حصول العراق على عالمين كبيرين معروفين على المستوى العالمي،أحدهما في الفيزياء،والثاني في السوسيولوجيا.

.......

لم تقف المشتركات بينهما عند هذا الحد؛ إذ كانا قد اشتركا في النضال المرير من أجل قطف ثمار النجاح، وكانت الشهادات التي حصل كل منهما عليها من أرقى المؤسسات العلمية في العالم؛ الأول من معهد ماساشوستيس في بوسطن،والثاني من جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة..

.....

عادَ الرجلان إلى بلدهما وهما أكثر إصراراً على العمل من أجل الوطن،فأصبح الأول رئيساً لقسم الفيزياء في كلية العلوم جامعة بغداد ومن ثم رئيساً لها،بينما أصبح الثاني رئيساً لقسم علم الاجتماع في نفس الجامعة،وللمدة ما بين 1952 و 1963 أسهم كل منهما بتقديم كل ما يليق بهما من مكانة بارزة في العلم والمعرفة،وفي خدمة وطن أحباه وناضلا من أجل رسم غدٍ أفضل لأبنائه،وبخاصةٍ منهم أبناء الطبقات الكادحة الفقيرة،إذ لم ينسى كل منهما ( صليل) الأرض الباردة الذي كان يسري في عظام سيقانهم  كلما لامستها أقدامهم الحافية طوال تلك الأيام التي كانا يقطعان طريقهما إلى المدرسة بداية عشرينيات القرن الماضي..

......

لا أعلم هل كان الرجلان يعرفان بعضهما،أو يلتقيان لقاءات خاصة،لكني ما اعلمهُ جيداً هو أنهما كانا علمين بارزين كل في تخصصه العلمي في مدينة كانت تغص بالمبدعين خمسينيات القرن العشرين مثل بغداد..

.....

تعرض عبد الجليل الطاهر،وعبد الجبار عبد الله مثلما تعرض له الكثير من علماء العراق ومبدعيه إلى صنوف التعذيب الجسدي،والنفسي بعد انقلاب شباط 1963؛ ولقد تسببَ ذلك وإن لم يكن بصورة مباشرة في موتهما المبكر، الأول عام 1969، والثاني عام 1971 عن عمر قصير يناهز الخمسة والخمسين وهما في أوج عطائهما العلمي،والمعرفي..

تحية لهذه الكوكبة من النجوم التي انطفأت مبكراً بسبب عقم السياسة العنيفة،وغير الحكيمة في العراق..

محمد السهر

الثامن من آب 2021

علق هنا