فالح حسون الدراجي
افتتاحية جريدة الحقيقة:
يقيناً أن دولة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي يعرف جيداً أني داعم ومساند ومؤيد له، فالرجل يستحق التأييد لاسيما وقد حقق الكثير في الفترة القصيرة التي تولى فيها سدة الحكم، وأول هذا (الكثير) يأتي عبر ايفائه بتعهداته والتزاماته التي أطلقها قبل تسلمه المنصب، ولا داعي لذكر هذه التعهدات، فقد باتت معروفة للقاصي والداني. ناهيك عن النجاحات الامنية والسياسية المهمة التي حققها الكاظمي شخصياً، وآخرها كان عقد مؤتمر قمة بغداد، الذي أبهر العالم بنجاحه اللامع.
اذاً فإني لا أسعى إلاً الى نجاحه في مهمته الوطنية، على اعتبار أن النقد السليم يصب في مصلحة (المسؤول السليم) خاصة حين يأتي النقد من شخص محب ومخلص. إذاً، فإني هنا لناقد وناصح لرئيس الوزراء لا غير.
ويقيناً إني لم أكن أرغب بالكتابة اليه، لولا شعوري بأن ثمة خللاً يحصل الان في منظومتي الشخصية، فما آمنت به، وانتميت له قبل خمسين عاماً يتعرض اليوم لامتحان عسير، وهذا الامتحان يتطلب مني موقفاً صريحاً وجاداً ونزيهاً، وهذا الموقف بطبيعة الحال ليس سهلاً، لاسيما حين يكون أمامك الخيار واحداً فقط:
أما أن تنحاز لصديقك المسؤول بكل ما تملك من قلم، وجهد، ورأي، وما متاح بين يديك من وسائل نشر متعددة أيضاً، وأما أن تنحاز لقضيتك العادلة، وللناس الذين دفعت ثمناً كبيراً من حياتك لأجلهم.. وأقصد بذلك الناس الفقراء، حتى لو تطلب الأمر إغاضة صديقك المسؤول!
ولعل المحرج في الأمر أن كل الطرق مسدودة أمامك إلاً طريق اشهار الرأي بصراحة ووضوح تام، بل والقسوة ايضاً إن تطلب الأمر، فتخدم برأيك الصريح، صديقك نفسه - إن تفهم الأمر - وتخدم كذلك قضيتك وناسك، وتريح ضميرك راحة مطلقة، وقبل ذلك ستربح نفسك.
لذا سأقول لرئيس الوزراء بما يدور على ألسن الناس، وما في صدورهم من أسى ولوعة وشكوى بصراحة وصدق: إن في حكومتك يا دولة الرئيس وزراء مرتشين، و(نصابين) وكاذبين، يكذب بعضهم عليك، وعلينا، وعلى أنفسهم! وطبعاً فإن ثمة وزراء شرفاء ونزهاء أيضاً في حكومتك، ولو خليت لقلبت كما يقولون، وهذا أمر مؤكد..
المصيبة يا دولة الرئيس ان بعض الوزراء لا يستحق هذا المنصب مطلقاً.. وانت تعرف بذلك، لكنك معذور فيما فعلت، فحين إخترت بعضهم - وكنا قد اعترضنا عليهم وقتها عبر مقالات موثقة، ثم توقفنا بعد أن أدركنا، أن يدك لم تكن طليقة في الاختيار، وإن تشكيل الحكومة كان مهدداً بالرفض وعدم التصويت عليه إن لم توافق على مرشحي الحيتان، فالذين اختاروك لمنصب رئيس الوزراء، تعاملوا معك بقاعدة لئيمة، أشبه بتلك القاعدة المعروفة: (تريد ارنب أخذ ارنب، تريد غزال أخذ ارنب)! فوافقت انت مكرهاً على القبول ببعض (الأرانب)، والفاسدين في حكومتك، حتى أن أحدهم دخل الحكومة ولديه 37 ملف فساد في هيئة النزاهة!
والمصيبة أن الوزراء الذين اعترضنا عليهم أصبحوا اليوم (سلاطين) زمانهم، يملكون ما لا يملكه غيرهم من ثروات خرافية، وجاه، وسلطان، وهم الذين كانوا قبل توزيرهم (ما يسوون ثلاثة دراهم)! مع جل احترامنا للوزراء المحترمين في حكومتك.
إذاً لتسمح لي يا دولة الرئيس ان أنقل لك معاناة الناس وعذاباتهم، بعد ان وصل بعضها الى مستوى المصائب.. لقد قمنا في جريدة (الحقيقة) باستبيان، أو استطلاع لعشرات العوائل في مدينة الثورة / الصدر، وفي ثلاث محافظات عراقية، وبحثنا في مستوى معيشة الناس، ولقمة عيشهم، بما في ذلك الحصة التموينية، وخرجنا بحصيلة مفزعة، ونتائج تستحق (اللطم على الرأس)!
لقد اكتشفنا يا دولة الرئيس ان ثمة عوائل عراقية عفيفة وشريفة تعتاش على حاويات القمامة، وإن الاف العوائل تبات بدون عشاء، وإن الحصة التموينية التي صدعنا رؤوس الناس بها، مجرد كذبة، ونكتة سوداء، وإن بعض الشابات العراقيات الكريمات لا يملكن في حقائبهن ديناراً واحد! واكتشفنا مصائب وبلاوى لا تعد ولا تحصى ..
هل تصدق مثلاً لو قلت لك ان في طحين الحصة التموينية (قمل)؟! نعم قمل! بحيث تأنف أفقر العوائل من تناول طحين، ورز هذه الحصة التموينية البائسة، لذلك يقوم أغلب العراقيين ببيع الحصة الكاملة من هذا الطحين والرز الرديء الى أصحاب المواشي بسبعة الاف دينار عراقي، كعلف حيوانات !
يقابل ذلك ارتفاع كبير بأسعار الطحين في الاسواق، مما دفع عشرات المواطنين الى مطالبة رئيس الوزراء بإيجاد حل سريع لارتفاع ثمن رغيف الخبز ..
إذ ونتيجة لأغلاق الحدود ومنع الاستيراد، وارتفاع صرف الدولار امام الدينار العراقي، ارتفعت أسعار الكثير من المواد الغذائية والفواكه والخضروات في الأسواق العراقية، وليس الخبز وحده.
فأين يمضي المواطن الفقير إذا كان سعر الكيلوجرام من الطحين قد وصل الى الف دينار عراقي تقريباً، الأمر الذي دفع أصحاب الأفران والمخابز الأهلية الى تقليص عدد ارغفة الخبز الى 6 فقط، بعد ان كانت 8 ارغفة مقابل الـ 1000 دينار ، فيما تراجع عدد الصمون العراقي ايضاً الى 6 بدلاً من 8 صمونات، كان يحصل عليها المواطن مقابل الف دينار ايضاً.
هذا الارتفاع في الأسعار، وضع الطبقات الكادحة والفقيرة أمام مشكلة لا يمكن الهروب منها، فالقضية لا تتعلق بمواد كمالية، أو مواد اخرى، بحيث يمكن التنازل عنها، إنما هي قضية خبز .. خبز !
إن هزالة ورداءة مفردات البطاقة التموينية يتحملها طبعاً وزير التجارة - بمنصبه - وليس بشخصه، واغلاق الحدود، ومنع تدفق السلع والمواد الغذائية وبيض المائدة من الخارج، دون توفير البديل المضمون، يتحملها وزير الزراعة - بمنصبه- وليس بشخصه ايضاً!
كيف لا، وقد كان سعر طبقة بيض المائدة بين 2 الى 3 آلاف دينار، ليصبح سعرها الان باكثر من 6 آلاف دينار عراقي، مما حرم الكثير من الفقراء والمعدمين من تناوله".
أحد المواطنين، وهو عامل بناء، قال لمندوبي الجريدة أنه" يحصل على 25 الف دينار كأجرة عن يوم عمل، وكانت تكفيه فيما سبق لسد حاجات المنزل، لاسيما المواد الغذائية والمواد الرئيسية لكن الأسعار ارتفعت وما عادت قيمة المبلغ تساوي شيئاً مهماً، لذلك قام بحذف البيض والفواكه والدجاج من مائدة الطعام".
واضاف" لقد أصبح كيلو الدجاج بأكثر من 4 آلاف دينار عراقي، وهذا يعني ان شراء دجاجة متوسطة سيكلف 8 آلاف دينار، وأن سعر كيلوغرام الطماطم بلغ 2000 دينار عراقي، لذا يطالب رئيس الوزراء شخصياً، بردع جشع التجار، وفتح الحدود أمام السلع".
في حين قال أحد أصحاب المخابز: موضحاً اسباب ارتفاع سعر الرغيف، ان ذلك يعود" نتيجة لارتفاع اسعار الطحين ذي النوعية الجيدة - الصفر - من 25 الف الى 45 الف دينار ، اضافة الى قطع الدعم من المنتوجات النفطية عن اصحاب الافران ".
فيما يقول مواطن اخر عن الارتفاع بأن "رداءة نوعية الطحين( السيال ) الموزع ضمن مفردات الحصة التموينية على المواطنين، تسبب بزيادة الطلب وارتفاع سعر الدقيق ذو النوعية الجيدة .
وأتهم مواطنون آخرون تحدثوا لـ ( العراق اليوم)، "وزارتي الزراعة والتجارة بالتقصير وسوء ادارة الأزمات، بل المساهمة في خلق الأزمات، كما فعلت وزارة الزراعة التي منعت الاستيراد مع عدم توفير البديل، وكذلك غياب اي دور للرقابة التجارية على الاسعار وغياب الجولات التفتيشية على المطاحن والمخابز من قبل كوادر وزارة التجارة".
وناشدوا دولة الكاظمي "بالتحرك سريعاً لحل هذه المشكلة، والبدء بإجراءات اعادة الاسعار الى سابق عهدها، ومحاسبة وزيري الزراعة والتجارة وتشكيل فرق جوالة على الافران والمخابز وحل مشاكلها ليبدأ الرغيف بالأستقرار بعد ان شهد ارتفاعاً مارثونياً".
انتهت المطالب الشعبية، فهل سيستجيب الكاظمي لها، ويبادر لمعالجة كارثة (الخبز)؟
أنا شخصياً أتوقع الإيجاب، لأني أثق بشخصه، وبوطنيته، وأثق بتجاوبه مع مطالب المحرومين!
*
اضافة التعليق