بغداد- العراق اليوم: بدت الأشهر الأولى من تولي رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ثقيلة وصعبة، ولا تكاد تمضي بشكل طبيعي، فهو يواجه بمفرده تركة هائلة، وملفات "مفخخة" تنفجر كل يوم داخلياً، وتًحدث ارتدادات وتوترات يصل مداها الى الإقليم المجاور، ولكن الرجل بذكاء وحنكة وخبرة سياسية، حول هذا كله الى عمل على الأرض، من خلال فتح قنوات جديدة، غير تلك التي كان قد فتحها ابان توليه لرئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي، ومضى يعزز من مكانته السياسية، ومكانة بلاده الغارقة وقتذاك بأزماتها، وبسبب تفجر الأوضاع الشعبية بسبب موجة التظاهرات العارمة. في الأشهر الماضية القريبة، أدرك الجميع ( داخلياً وخارجياً) تحول الكاظمي الى قوة سياسية مؤثرة، ورقم صعب في معادلة اقليمية تكاد تكون مغلقة، ونادِ خاص لكبار اللاعبين، فكيف اقتحم الكاظمي هذه الأسوار العالية؟، في وقت كان يريد ويرى الكثيرون أن " رئيس الوزراء" مجرد موظف كبير في حدود بغداد، أن لم نقل في حدود المنطقة الخضراء، يؤدي ادواراً ادارية، ومحاط بأمواج من الأزمات والمشاكل التي لا تجعله يتطلع ابعد من أرنبة انفه كما يقال!. في الواقع، يأتي الزخم الكبير الذي يحظى به الكاظمي الآن الى عدة عوامل ومسببات، ابرزها الصدق والموثوقية العالية التي تميز بها الرجل في خطابه وأدائه السياسي، ولم يتراجع ابداً عن أي وعد، أو عهد قطعه، سواء للشارع الشعبي، او المعترك السياسي، او العامل الدولي، وانهى ازمات كادت تحرق المنطقة العربية والإقليمية، لاسيما بعد ان انهى ملف الصراع السعودي- الايراني على الأرض العراقية، ونتذكر كيف كادت حادثة استهداف شركة ارامكو النفطية الكبرى في السعودية ان تتحول الى ملف ادانة كبير للعراق، اذ اتهمت السعودية اطرافاً عراقية موالية لإيران بهذا الفعل، لترد ايران بالنفي، وهكذا كانت التطورات الخطيرة والمنزلق الذي نجح الكاظمي في وأده وانهاء شروره على البلاد والمنطقة، واليوم يحتفظ العراق بعلاقات ذهبية جداً مع السعودية مثلما يحتفظ بمثلها مع ايران. هذا مثال صغير على سياسة الاحتواء، والدفع بعدم التصعيد والتصادم، والرغبة الواضحة في تحكيم العقلانية السياسية بعد اعوام طويلة من التهور والاندفاعات التي لم تجلب شيء يذكر للبلاد، سوى ويلات الحروب والفتن والمشاكل. اليوم يتحضر الكاظمي لعقد أول حدث نوعي في الإقليم من خلال قمة بغداد لدول جوار العراق، وبمشاركة دولية واسعة، واهتمام عالمي واضح، وهذا حدث خطير جداً، وسيكون له الكثير من المديات على الأرض، وعلى مستقبل المنطقة برمتها، أّذ انه سيشكل بوابة لتأسيس تفاهمات قد تنقل المنطقة من ميدان الصراعات وحربها الساخنة الى افق التعاون والاتفاق، وأنهاء حالة الاستقطاب التي كانت بؤر توتير مستمرة لبلدان المنطقة، وساهمت في توفير حواضن ومناخات للإرهاب والتطرف. هذا الحضور السياسي للكاظمي والزخم الذي تمتع به، يجعله اليوم في نظر الفاعلين الدوليين شريك موثوق به، وقادر فعلاً على العمل مع الجميع بلا حساسيات ولا مواقف مسبقة، ولا خلفيات تسجل ضده، كما أن الفاعل السياسي الداخلي يدرك الآن انه امام اداء سياسي متطور وحقيقي، واعاد للعراق الكثير من دوره وقدرته في المنطقة والدفاع عن مصالحه ازاء التدافع الدولي المستمر. هذا الامر رفع اسهم الرجل كثيراً، وجعل الاتفاق السياسي يكاد يكون معلناً في تجديد عهد وولاية الرجل لاستكمال مشروعه الذي سيكون مختلفاً بشكل كبير ان كُتب له الاستمرار لأربع سنوات أخرى، أذ سيمضي الرجل في مشاريعه الى النهاية، وسيكتب للعراق عهد أخر، ويخرج من عمق الأزمات، الى قمة القوة والفعل السياسي المؤثر في الداخل والخارج على حد سواء.
*
اضافة التعليق