باحث ومفكر عراقي يسأل: ماذا بعد قرار إنسحاب الحزب الشيوعي العراقي من الانتخابات؟

بغداد- العراق اليوم:

قرأ الباحث والمفكر العراقي، الدكتور فارس كمال نظمي، المشهد السياسي بعد اعلان الحزب الشيوعي العراقي مقاطعته للأنتخابات النيابية المبكرة، مؤكداً ان القرار النوعي عكس مزاجاً سياسياً مستفيداً من زخم تشرين".

وقال نظمي في تدوينة تابعها (العراق اليوم)، أن "اعلان الحزب الشيوعي العراقي، وفي مؤتمر صحفي، مقاطعته الرسمية للانتخابات النيابية المبكرة المقرر إجراءها في تشرين الأول 2021، ببيان رسمي، ومصطلحات محددة، ورؤية تسبيبية، واستناداً إلى استفتاء حزبي داخلي شمل أعضاء الحزب ومنظماته حسبما جاء في البيان. ولعله أول إعلان رسمي محدد وجازم بالمقاطعة تعلنه جهة سياسية سبق أن سجلت تحالفاتها وأسماء مرشحيها لدى المفوضية "المستقلة" للانتخابات.

وأضاف "هذا القرار –بتقديري الخاص- يعكس توجهات قواعد الحزب والفئات الاجتماعية المرتبطة بها، أكثر مما يعكس توجهات قيادته الموزعة بين خياري المشاركة والمقاطعة. وهذا ليس بغريب أو استثنائي، إذ أن الشد بين "يسارية" القاعدة و"يمينية" القيادة (بالمعنى النسبي لمصطلحي اليمين واليسار)، وبالعكس (أي الشد بين "يمينية" القاعدة و"يسارية" القيادة")، هو أمر مألوف ومتوقع في التنظيمات اليسارية التاريخية التي ما برحت تكافح –بأقصى درجات التكيف والمثابرة والعصامية- من أجل البقاء في مجتمعات الهيمنة الإسلاموية، حيث يتم اغتيال قيم العقلانية والوعي الناقد في مقابل "شرعنة" احتكار الثروة والسلاح لصالح الفئات الأكثر تخلفاً ورثاثة وإنتاجاً للوعي الزائف.

وأوضح نظمي "لقد شارك الحزب الشيوعي في كافة الدورات الانتخابية التي عقدت ما بين 2005 و 2018، ولذلك فإن قراره اليوم بالمقاطعة يوحي بأن ثمة ديناميكية داخلية فيه قد فرضت منهجاً جديداً – بعد الحراك التشريني الثوري- يرى أن الاستثمار السياسي لم يعد ممكناً في العملية الانتخابية التقليدية المصنوعة في مختبرات العملية السياسية المتهالكة، بل يجدر –حسب هذا المنهج- أن يتوجه هذا الاستثمار نحو قوى التغيير المجتمعية الصاعدة عبر إحياء خيار "المعارضة"، وهو الخيار الذي أمضى الحزب الشيوعي جلّ تاريخه في التعاطي معه.

نظمي علق على من يشككون بجدوى هذه الخطوة بالقول"وإذا كان البعض يقلل من أهمية هذه المقاطعة (أو المشاركة) بسبب الحجم الانتخابي المحدود للحزب الشيوعي في ضوء نتائج الدورات الانتخابية السابقة، فإن السياق الثقافي والأخلاقي والاجتماعي للحزب الشيوعي يمنحه هامشاً سياسياً نوعياً يفوق الأصوات التي يحصدها انتخابياً (دون تجاهل تأثيرات التزوير  وسانت ليجو المنحاز).

ولفت " ولذلك فإن قرار المقاطعة الانتخابية هذا يكتسب أهميته من التأثير السياسي النوعي لا الكمي للشيوعيين. لكنه قرار لن تكون له قيمة بناءة دونما تأسيس ائتلاف سياسي يضم شريحة واسعة من قوى التغيير، بما فيها الحزب الشيوعي، وبعض تنظيمات تشرين الشبابية، وحركات ديمقراطية إصلاحية، وتجمعاتٍ من المجتمع المدني، وتنظيمات نقابية، وممثلين عن الأقليات، ونخب مثقفة وأكاديمية.

وبين " هذا الائتلاف قد يؤطر المقاطعة تنظيمياً، ويخفف من التوجهات العدمية المتطرفة السائدة بين بعض الفئات الشبابية، ويحيلها إلى فعل احتجاجي مدروس يتوخى الانتقال السلمي التدريجي من دولة الفساد والطائفية والفقر المُمأسس إلى أعتاب الدولة الوطنية المحتكمة إلى مبادئ المواطنة والحريات والعدالة الاجتماعية.

وأستطرد "وعندها ستكون المقاطعة نمطاً ديمقراطياً متقدماً من المشاركة السياسية التي لا تكتفي بالإحجام الفني عن الذهاب إلى الصناديق الانتخابية، بل تذهب بعيداً إلى استثمار طاقة الإحجام بتحويلها إلى سلوك إقدامي لتأسيس كتلة معارضة تمارس استثمارها السياسي في الغضب المجتمعي المتصاعد. وهو استثمار قد يحصد ثماره في انتخابات أخرى لاحقة، أو في أي سياق سياسي ضاغط لإحداث التغيير.

.واختتم نظمي "الأسئلة التي يواجهها الحزب الشيوعي اليوم: ماذا بعد قرار المقاطعة؟ وكيف يمكن تجديد الأداء السياسي اليومي للحزب ومدّه بالحيوية المطلوبة لتحويل المقاطعة إلى فعل سياسي ائتلافي معارض؟ وهل يستطيع الحزب الشيوعي أن يجدد تنظيراته وبنيته ليقيم صلة فكرية ووظيفية حقيقية مع جيل سياسي شبابي ثوري يظهر للمرة الأولى منذ ستة عقود خارج التنميطات العقائدية الكلاسيكية: ماركسي/ قومي/ إسلامي؟

واشار في ختام قراءاته الواعية " قرار المقاطعة هذا -وما قد يتمخض عنه من خيار المعارضة- يمكن أن يشكّل لحظة تجديد استثنائية في هيكلية الحزب الشيوعي ورؤاه النظرية ومواقفه العملية.

علق هنا