بغداد- العراق اليوم:
تُفضل خولة محمد، وهو اسم مستعار لطليقة أحد مسلحي داعش في محافظة صلاح الدين شمال بغداد، العيش بعيدا عن مدينتها، على ترك أطفالها الخمسة استجابة لعائلتها التي اشترطت احتضانها مقابل هذا الطلب. وتقطن منذ نحو عامين في مدينة الموصل شمال العراق، بعد رفض عائلتها استقبالها عقب انتماء زوجها للتنظيم عام 2014. ورغم أن خولة هربت من زوجها، وسلمت نفسها للقوات الأمنية، إلا أن عائلتها ترفض احتضانها وبناتها مجددا. وما زالت إعادة دمج عائلات مسلحي داعش، تواجه رفضاً مجتمعياً في المدن والبلدات التي حررتها القوات الأمنية بإسناد من طائرات التحالف الدولي من تنظيم داعش عام 2017، بشكل عام، ومن ذوي الضحايا بشكل خاص. هذا الأمر دفع بالكثيرين منهم إلى تغيير مناطق سكنهم القديمة بأخرى جديدة، أو البقاء في المخيمات الخاصة بهم جنوب الموصل، منتظرين برامج حكومية لإعادة دمجهم مستقبلا. قصّة خولة انضم زوج خولة لصفوف تنظيم داعش بعد سيطرة التنظيم على محافظة صلاح الدين ومحافظات نينوى والموصل والأنبار وأجزاء من ديالى وكركوك عام 2014، وأصبح أحد مسلحيهم داخل حدود المحافظة. تقول خولة "بعد انضمامه حاولت مرارا وتكرارا معه ليترك صفوف داعش لكنه رفض، حينها اضطررت إلى تركه، فأخذت أطفالي وذهبت إلى بيت والدي في كركوك وعشت معهم لفترة". ورغم ابتعادها عن زوجها، إلا أن الاتصال بينهما لم ينقطع، إذ كان يطلب منها العودة باستمرار، لكنها رفضت واشترطت عليه أن يترك التنظيم كي تعود. وتوضح خولة "أوضاعنا المعيشية كانت صعبة جداً في كركوك. في أحد الأيام اتصل بي زوجي وأبلغني أنه ترك صفوف داعش، فعدتُ إليه وخرجنا معاً من المدينة فوراً لكنني لم أعرف إلى أين نتجه، حيث استغرق الطريق عدة ساعات، وبعد وصولنا عرفت أننا في الموصل، التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم". سكنت خولة مع زوجها وأطفالها في أطراف الموصل واستأجر زوجها بستاناً، وبدأوا يعملون فيه نحو ستة أشهر. واستقرت أوضاع العائلة مدة من الزمن، حتى بدأ مسلحون من داعش الاتصال بالزوج، ثم التردد على بيته، مطالبين إياه بالعودة إلى صفوفهم. تقول خولة "رفض طلبهم فقاموا بسجنه عدة أيام، أجبرته على العودة إليهم، وإثر ذلك ساءت علاقتنا مجدداً وابلغته أنني لن أبقى معه لأنه خدعني وسآخذ أطفالي وأهرب، فهددني بالقتل وأخذ كافة وثائقنا الرسمية". ومع بدء معارك تحرير الموصل، قامت خولة بالهرب مع بناتها ليلاً، بينما كان زوجها خارج المنزل. لم تكن وحدها، فعشرات العائلات هربت أيضاً عند سماعها ببدء معارك التحرير الموصل، وتمكنت من السير لمسافة طويلة محفوفة بالخطر حتى الوصول إلى خطوط القوات الأمنية العراقية. تؤكد خولة "اعتقلتني القوات الأمنية فوراً وحققت معي، وأبلغتهم أنني هربت من زوجي، ولا أعلم ما حل به، ولأنني لم أكن امتلك أية وثائق ثبوتية، بقيت في السجن لأكثر من سنة، بعدها أفرج عني ونقلتني الجهات الحكومية إلى أحد المخيمات". وفي المخيم، حصلت خولة على عمل مع إحدى المنظمات وتحسنت أوضاعها المعيشية، وبعد فترة عادت إلى محافظة صلاح الدين لإصدار وثائق ثبوتية لها ولبناتها، وحين حصلت عليها، تطلقت من زوجها غيابياً. حينذاك، عادت خولة للعيش مع أهلها في كركوك، لكنهم رفضوا احتضانها، بسبب طليقها، تقول "كنت منبوذة وسط الأقارب والعائلة وتعاملوا معي بطريقة سيئة جداً، وطالبوني أن أتبرأ من بناتي لأن والدهن داعشي". "لم يتفهموا أنني رفضت انتماء زوجي للتنظيم وكنت ضحية، لذلك تركهم وعدت مجددا للموصل وتمكنت بمساعدة القوات الأمنية والأهالي من إيجاد فرصة عمل والعيش في هذه المدينة"، تتابع خولة. وتشير خولة إلى أنها "لن تسامح زوجها إطلاقا لأنه هو الذي وضعها وبناته في هذا الموقف الصعب". برامج تأهيل وشكلت الحكومة العراقية لجنة خاصة بإعداد دراسة مفصلة حول إعادة التأهيل النفسي والمجتمعي للنازحين، وفق الأمر الديواني رقم (٦٠) لسنة ٢٠٢١. وذكر بيان لوزارة الهجرة والمهجرين، الأربعاء الماضي، أن "الوزيرة إيفان فائق جابرو شددت خلال ترأسها اجتماع اللجنة الخاصة على حاجة غالبية العائلات النازحة التي كانت تسكن المخيمات الى برامج إعادة تأهيل قبل اندماجها مع المجتمع". ودعت إلى تعاون الوزارات والجهات المعنية كافة للخروج بأفضل النتائج التي تمكن تلك العائلات من العودة إلى مناطقها الأصلية. بدوره، يؤكد رئيس منظمة حباء للتنمية والإغاثة الإنسانية محمد سليم، على أن المحاولات الحكومية وغير الحكومية لمعالجة الآثار التي خلفها تنظيم داعش تواجه صعوبة كبيرة. ويوضح لـ "ارفع صوتك": "نواجه متاعب ومصاعب حقيقية خاصة فيما يتعلق بالثأر العشائري وعدم قبول تلك المجتمعات والمناطق عودة عائلات التنظيم، أو العائلات التي انضم أفراد منها له، خاصةفي القرى والبلدات". "نحن أمام مشكلة وكارثة إنسانية، إذا لم تؤهل هذه العائلات فكرياً"، يؤكد سليم. ويتابع: "من الضروري تأهيل عائلات التنظيم خاصة الأفراد غير المطلوبين منهم قانونياً، وفي مقدمتهم الأطفال، والعمل على إعادة دمجهم في المجتمع للتخلص من التبعات السيئة للتنظيم". وفي ختام حديثه، حذر من أن أوضاع العراق لا تتحمل خروج جيل جديد يعادي الإنسانية والمجتمع ويكون قنبلة موقوتة تسير في الشوارع.
*
اضافة التعليق