الكهرباء في العراق .. كواليس السياسة وارتهان القرار وفساد الادارات تحول صيفنا الى جهنم !

بغداد- العراق اليوم:

صحيحُ جداً، أن الاستهلاك يقفز قفزات مجنونة في العراق، والطلب على الكهرباء يُصبح مضاعفاً، أو أكثر من ذلك في موسم بعد أخر، والعبث يزداد وضوحاً في ملف يستهلكُ من موارد النفط الخام، أكثر من 8 مليار دولار امريكي سنوياً، أذا ما حسبنا المخصصات التشغيلية والاستثمارية لهذا القطاع، لكن من غير الصحيح ايضاً، التغافل عن سبب ذلك.

لماذا ترتفعُ الأحمال، وتتوسع عمليات الاستهلاك بكل هذا القدر، فالمحافظة ( أ ) مثلاً، كان يكفيها العام الماضي 500 ميكا واط لتشغيل معقول يصل الى 20 ساعة يومياً، لكنها في العام الذي يليه تحصل على 1000 ميكاواط، لكنها لا تستطيع التشغيل بشكل منتظم، وتتعرض الى مشاكل، وتشكو وتحتج، فماذا اضيف لها من بنى أو عدد سكاني، أو توسع عمراني أو تجاري، ليتضاعف استهلاكها، ويزداد طلبها بكل هذه الطفرة العجيبة؟.

هل افتتحت مصانع عملاقة مثلاً، هل تطورت منشأتها التي تستهلك هذا الكم الهائل من الكهرباء؟.

الأجابة بطبيعة الحال، كلا، أذن فما الذي يحدث ويزيد الأمور تعقيداً، ولماذا يأخذ ملف الكهرباء شكلاً لدائرة مفرغة، أو هوة سحيقة لا قرار لها، بحيث لا يمكنها أن تستقر عند حد، أو قدر معقول من الانتاج، وكيف سنضمن ان أوصلنا انتاج البلاد الى 25 الف ميكا واط مثلاً ان تستقر الاحمال، ويتمتع الناس بكهرباء منتظمة؟.

الكل يذهب  طبعاً الى تحميل السياسة والفساد وسوء استخدام السلطة من قبل القائمين على الملف، كل المسؤولية، ونحن معهم في هذا، لكننا نحمل ايضاً المواطن جزءاً من المسؤولية في عدم الحفاظ على مستوى معين من الاستهلاك، وعدم التعاون في ترشيد ما يصله، بل والافراط غير المعقول في التشغيل، فضلاً عن التجاوز غير المحدود على الشبكات.

وهنا نود القول بأننا لا نقصد بذلك المواطن البسيط، الذي لربما لا يملك في بيته الصغير أكثر من جهاز تكييف صغير واحد، ويحتاج الى تشغيله لينام صغاره بهدوء في صيف قائض، أبداً أبداً، فنحن نعرف ويعرف أي مطلع على ملف الكهرباء، أن الاحياء الفاخرة والراقية، وما اكثرها، هي من تستأثر بحصة الأسد من الانتاج، وهي من تستحوذ على الحصة الاكبر، وهي صاحبة الطلب الأعلى، وللأسف، هذا لا يخضع لمعادلة واضحة، وعدالة في التوزيع في الغالب، أذ يتساوى الفقراء مع الأغنياء والميسورين في ساعات التشغيل، وفي تحمل مشقة الانقطاعات المتكررة، ولكن في الحقيقة سنجد إن الثقل الأكبر يقع على الفقراء، الذين لا يمكنهم امتلاك مولدات ضخمة، أو شراء وقودها المكلف، بينما لا يتأخر الأخرون في اقتناء هذه المعدات، والتعويض بأي نقص بالإمدادات.

إن ملف الكهرباء، ليس ملفاً تقنياً فحسب، أو هندسياً صرفاً، إنما هو أيضاً ملف اجتماعي واضح، يجب ان يعامل على أسس رصينة، وأن يخضع لدراسات فنية وديموغرافية، وتحدد بؤر الاستهلاك العالية، فيعاد النظر في عمليات التوزيع شبه المجاني، اذ لا يعقل أن تتساوى جميع المناطق والاحياء بذات التسعيرة، ويتحمل الفقراء دفع المزيد من أموال الدولة لتمويل قطاع الكهرباء بينما هم الأقل استفادةً منه.

نتمنى مخلصين ان تكلف الدولة فريقاً هندسياً رفيعاً لإعادة تقييم ملف الكهرباء برمته، والخروج برؤية واقعية لحجم مشاكله، وأيضاً بحلول أكثر انطباقاً مع الواقع، فلا يعقل مطلقاً أن ينتهي دور وزارة الكهرباء عند الانتاج والتوزيع العشوائي بهذا الكم الذي يحدث، وتبذر موارد الدولة التي تذهب بدون مردود.

أن غياب معادلة تحويل الكهرباء الى خدمة مدفوعة الثمن، وبتحديدات واقعية، هو أحد أهم الأسباب التي تقف وراء تردي المنظومة، وعدم الوصول الى معدل معقول من الاستهلاك، الذي بدروه يعطي مؤشرات على حجم انتاج واقعي مقترن بقدرات البلاد وإمكاناتها الفنية والمادية.

علق هنا