بغداد- العراق اليوم: بعد عقود من غيابها عن أرض العراق، ها هي الدورة الخامسة والعشرون من بطولة الخليج العربي تعود للعراق مجدداً، بعد أن تنازلت عن تنظيمها قطر لصالح العراق، في موقف رآه مراقبون علامة فارقة في تأريخ العراق مع دول الخليج، التي أتسمت في السابق بالتنافس الشديد، والشد والحساسية وعدم التقبل. لكن يبدو أن " شيئاً ما تغير" خلال الأشهر الماضية، وطبعًا فإن من يحاول الفصل بين السياسة والرياضة مخطئ تماماً، فالسياسة لها ظلال واضحة على الرياضة، والأخيرة تتأثر ايما تأثر بما يحدث في أروقة السياسة والمصالح والدبلوماسية. فكيف أقنعت قطر بأن تتخلى عن حدث رياضي سيكون متزامناً مع احتضانها بطولات رياضية متزامنة مع كأس العالم، وكيف ضحت بأضواء اعلامية إضافية، ومنجز رياضي يضاف الى سجلها، واسقطت بذلك حقها لصالح العراق، فهل جاء ذلك لوجه الله كما يقولون، أم لسواد عيون (عدنان درجال) ؟ طبعاً لا هذا ولا ذاك، إنما كان ثمة ثمن فما هو الثمن الذي يمكن أن يدفعه العراق لقطر؟، وهل قطر بحاجة لثمن من العراق؟، في الحقيقة، نعم، فقد دفع العراق ثمناً لهذه البطولة، والثمن هو دوره الوازن والثقيل في اعادة توازن العلاقات في المحيط، ودوره في قيادة المنطقة نحو ضفة الأستقرار، وخفض التوترات، وصناعة سلام على ضفتي الخليج، وايضاً، فقد دفع العراق ثمنه عبر مواقفه الرائدة في عدم الانحياز، وموقفه العقلاني الواضح في أزمة الخليج، وعمله بالقنوات الدبلوماسية سراً وعلانية من إجل تفكيك أزمة الخليج الداخلية، وإعادة الوئام والسلام، وصولاً الى المصالحة التاريخية بين قطر وجارتها الكبيرة المملكة العربية. هذا الجهد الدبلوماسي الجبار الذي يقوم به العراق، لا تثمنه قطر لوحدها، بل رأينا التفافًا خليجياً واضحاً، وإسناداً لجهود العراق في اعادة الاعتبار لدول المنطقة التي منذ أن فقدت جهد العراق وثقله باتت تعاني أزمات متلاحقة لا تنتهي. أذن، هذه البطولة عربون صداقة من دول الخليج بأجمعها للأخ الأكبر العراق، واعتراف واضح بأهميته، وحجمه وثقله، ومحاولة من هذه الدول لتعزيز أواصر العلاقات الأخوية، وفتح صفحة أخرى معه، مثلما هو بادر لطي صفحات الأمس الملتبسة والمليئة بالكثير من المشاكل والأزمات والأسى. نعتقد كمراقبين أن " الكاظمي يقود العراق الآن في الجهة الصح، ويدير ملف علاقاته الدولية بكل جدارة، ولذا بدأ يكسب مكافآت دولية واقليمية وعربية واضحة جراء هذا الاعتدال والاعتداد بدور العراق وشخصيته وقدراته، وهو الشخص المناسب الذي يعيد تعريف مصالح بلاده وفقاً لواقعية دبلوماسية جديدة". ولعل ما قاله محافظ البصرة، أسعد العيداني، أمس في حديث تلفزيوني، كان واضحاً ومتسقاً مع ما قلناه اعلاه، فالمحافظ قالها وهو العارف والمطلع على دقائق الأمور، كون البصرة الفيحاء هي من ستشهد تنظيم هذا الحدث الخليجي، أن " جولات وزيارات رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي هي من أثمرت هذه البطولة"، وهذا يعني أن العراق مقبل على جني محاصيل مواقفه المتوازنة، وهو يقيناً قادر على أستعادة عافيته مع رجل بحكمة وحنكة الكاظمي الذي أطلق نظرية ( تصفير المشاكل) وعو مستمر بتطبيقها.
*
اضافة التعليق