"شيطان في نيو قرطاج": رواية من الخيال العلمي عن استنساخ البشر

بغداد- العراق اليوم:

تغامر "رجاء نعمة" في روايتها الجديدة "شيطان في نيو قرطاج" بالدخول إلى أدب الخيال العلمي، لتناقش من خلال حبكة مشوّقة وبناء ملحمي اختارته بعناية، مجموعة من الأفكار العلمية والفلسفية التي تراود الإنسان في العصر الحديث.

في عام 2065 تُفتتح مدينة "نيو قرطاج"، وهي مدينة صنعها البشر لتكون مدينة السلام والفنون والعلوم، بعيداً عن مدن العالم المليئة بالعنف والفوضى والحروب، مدينة يلجأ إليها الناس من كل الأماكن لينسوا ماضيهم، ويبدأوا حياة جديدة متقيّدين بقواعد وقوانين الأرض التي أتوا إليها.

"عام 2065، غدا الخيال الأسطوري واقعاً. فُتح باب الهجرة إلى نيو قرطاج وبدأ الناس يتوافدون إليها بشغف لم يعرفه تاريخ الهجرات وحُمّى تذكر بحمى الذهب. مع ذاك الفارق أن بريقه ليس مغامرة مجهولة المصير، بل هو تحقيق لحلم: الفوز بوطن آمن. وبامتيازات ما كانت تراود أصحابها حتى في الخيال. سيغادرون بلادهم وأهلها ويتخلّون عن أسمائهم وذكرياتهم. جاؤوها من أقطاب الأرض، وراء كل منهم حكاية، ليبدؤوا زمناً جديداً بريئاً من الماضي".

لا جيش ولا أسلحة في المدينة الجديدة، بل مراكز بحوث متطورة جداً ليست الحروب غايتها وإنما دمج الأجناس وتحسين النوع والارتقاء بحياة البشر. هذا ما سيجعل كل الناس يتوافدون إليها، ومنهم "أليسار" الشابة الهاربة من ذكرى انتحار أخيها التوأم، و"فراس" الباحث عن حبيبته بين جموع المهاجرين، و"كارلوس" الشاب الذي تعرض لحادث فقد على إثره ذاكرته فأراد بداية جديدة، ومنهم أيضاً "لودفيغ" الذي سيكتب بموسيقاه ألحان المجد والعظمة للمدينة الناشئة متحولاً إلى رمز وطني يلمع نجمه في أنحاء العالم.

هكذا، ترسم الكاتبة بمهارة لافتة شخصيات روايتها، وتغوص في أعماقهم لتنبش منها كل مكنوناتهم النفسية والعاطفية، وأسرارهم الدفينة، غير أن ثمة سراً واحداً سيفجّر كل الأحداث اللاحقة، ويهدم رغد العيش في المدينة: "أنا هو المستنسخ الأول في التاريخ!"، هذا ما سيصرخ به "لودفيغ"، معلناً أن هذا الموسيقيّ الفذ الذي يرونه ما هو سوى كائن تم استنساخه من طفلٍ آخر ليرمم بأعضائه الأعضاء التي فقدها الطفل الأصل، "قدومي إلى الدنيا لم يُترك لأهواء المصادفات، بل استدعيت أنا بذاتي، توأماً متأخراً لأصل معبود، أودع فيه أب متكبّر خلاصة نرجسيته، وحلم بوليّ عهد عزّ مجيئه. كان قريني قد تعرّض للتشويه. فعل أنزلته به مافيا انتقاماً من أبيه. الانتقام أفقد الطفل بعض أعضائه وتحديداً تلك التي سأعاني أنا من فقدانها بعد ذلك".

تناقش "رجاء نعمة" قضية استنساخ البشر، وأخلاقيتها، وجميع العوامل المرتبطة بها، والنتائج المترتبة عليها، بأسلوب درامي لا يخلو من تشويق، خاصة حين يكتشف أهالي نيو قرطاج أن هناك الكثير من المستنسخين يعيشون معهم، وأن بعضهم تم استنساخه في غفلة منه.

وإن كانت هذه هي القضية الأبرز التي يطرحها العمل، فإن هذا لا يمنع الكاتبة من طرح الكثير من الأسئلة الشائكة التي لا تقل أهمية، والتي تتفاعل في أجواء الرواية، منها مثلاً: كيف يمكن للإنسان أن يقاوم ذاكرته؟ هل يمكن لسلطة أن تستمر دون استخدام القوة؟ كيف يمكن حماية مدينة دون جيش؟ وإلى أي مدى يمكن أن تصل رغبة الإنسان في التدمير؟

تستفيد الكاتبة من الأساطير وتوظفها في حبكتها الدرامية، بدايةً بأسطورة الأميرة أليسار ابنة صور التي بنت مدينة قرطاج القديمة، فتخلق لها معادلاً موضوعياً في الرواية، هي "أليسار" التي ستطلق الاسم "نيو قرطاج" على المدينة الجديدة، وانتهاءً بأسطورة "إيديمينوس" القائد اليوناني الذي مزهواً بانتصاره أقسم أن يقتل أول شخصٍ يراه حين يعود إلى بلده، فكان أن التقى ابنه ووريث عرشه. هذه الأسطورة التي كتب "موزارت" أوبراه الشهيرة "إيدومينيو" مستوحياً منها، سيعزفها "لودفيغ" مراراً لكن بنهاية مختلفة، فهل تتحقق نبوءته بعد أن يتعرّف أبوه وأخوه إليه، وهما من بحثا أربعين سنة عنه؟ وما الذي سيكون عليه موقف مؤسس المدينة وهو يرى مدينة السلام قد تحوّلت إلى ساحة حرب دامية؟

"الاحتفالية التي كانت تدخل البهجة إلى روحي، أشعرتني هذه المرة بالضيق! خرجت من العرض مشوّش الأفكار، تدور في رأسي تساؤلات لا أجوبة عنها سوى ذاك الإحساس بأن الأسطورة قد خذلت التراجيديا التي وعدت بها! وفي سذاجة المقايضة بين أربابها فقدت الجوهر. وذات مرة سطعت في مخيلتي الخاتمة النقيض، وضبطت نفسي أهتف: عفوك أيها المعلم موزارت! عفوك، فالأب سيقتل ابنه!".

رجاء نعمة روائية لبنانية من مواليد صور 1942، تحمل شهادة دكتوراة في التحليل النفسي للأدب. درست في فرنسا، وعملت خبيرة دولية في برامج التنمية في عدد من البلدان العربية. نشرت ثماني روايات: "طرف الخيط"، "كانت المدن ملونة"، "مريم النور"، "فراس وأحلام المدينة"، "حرير صاخب"، "هل رأيتم وردة"، "مذكرات امرأة شيعية"، و"شيطان في نيو قرطاج".

علق هنا