على ضوء التطورات الأخيرة.. سؤال الى القوى السياسية الشيعية: ماذا تريدون .. دولة أم دويلات؟

بغداد- العراق اليوم:

كتب المحرر السياسي في ( العراق اليوم) :

لا أكثر من عبارة مستهلكة وقديمة ومكررة ومعادة، كلما حاول البعض ان " يتمنطق " عن حكم ما بعد 2003، سيفاجئك بهذه العبارة التي رسختها عند البعض للأسف عقدتان، الأولى هي الهجمات المعادية، والأخرى مركب النقص لدى البعض، أعني بالعبارة " أن الشيعة مو مال حكم"، بمعنى أنهم غير جديرين بحكم العراق!.

طبعاً، من يفكك هذه العبارة، سيجدها مع رواجها، جزء من المغالطات المنطقية الهائلة التي تشكل رأياً عاماً وقناعات لدى البعض، وبمجرد تفكيكها، أو محاكمتها نقديًا ستسقط عند أول اختبار لها، فوسم جماعة سكانية كبيرة متنوعة ومتفرعة، بمثل هذا الوصف التعميمي خاطئ وفق كل اعتبار علمي دقيق، وقياسها وفقاً لمنطق زمني، أو مقطع معين من الوقت أيضاً خاطئ جدًا، وبغض النظر عن العقدة الداخلية التي تتملك البعض، وبصرف النظر عن مساعي المعادين لهذه الجماعة لترسيخ مثل هذه " الترهات"، يبرز السؤال المنطقي الحقيقي الذي سيسأله أي متأمل للتجربة العراقية بعد 2003، لماذا لم تنجح تجربة ما بعد الدكتاتورية، ولم تنجح القوى السياسية التي تسلمت زمام الأمور النجاح المطلوب، وهنا نقول الأحزاب والقوى السياسية، دون أن نعمم، أو نحاول ان نسقط البعض على الكل لنحكم على الكل بالفشل الذريع كما يشتهي من يعادي شيعة العراق على أسس طائفية، أو من يريد اسقاط التجربة الديمقراطية انتقاماً منها لأنها أخرجته من حكم مزمن مليء بالتعفن والقتل والدماء والاستباحات والارتكابات الهائلة.

منطقيًا في أي تجربة ديمقراطية جديدة ناشئة، ومع العودة لاستمزاج رأي الناس بشكل حر وشفاف وحقيقي، سيعكس نظام الحكم طبيعة المجتمع الديموغرافي لا سيما مع عدم تبلور تجارب سياسية قارة، أو تغلل الممارسة السياسية بما فيه الكفاية.

لذا فأن المجالس النيابية التي نتجت عن الانتخابات المتلاحقة عكست حقيقة واضحة عن تركيبة المجتمع العراقي، وكانت التجربة تتطور، خصوصاً مع اندماج مكونين اساسيين من مكونات المجتمع مع التجربة، نعني ( الشيعة والأكراد) مع التحاق سني متأخر نسبياً.

الى هناك نفهم الوضع الذي قاد الى التجربة، لكن سؤالًا حقيقًيا ومهمًا يبرز بعد سنوات من اندكاك المجتمع الشيعي مع مشروع ما بعد 2003 السياسي، ومشاركتهم الواسعة في استعادة الدولة وبناء مؤسساتها، والدفاع عنها ازاء تحديات وجودية كانت تتكثف تارةً وتضعف أخرى، وهذا شيء منطقي، فالشيعة بعد سنوات طوال من الحرمان من المشاركة السياسية عادوا كأكثرية سكانية لممارسة دورهم الطبيعي، وفتحوا الأبواب لغيرهم للمشاركة في السلطة والدولة والمؤسسات، لكن الأمر المثير جداً، هو بروز قوى شيعية راديكالية للغاية، وهذه القوى يبدو أنها خارج سياق فهم طبيعة التحولات السياسية العميقة التي طرأت على بنية النظام السياسي، وطبيعة تغير النظام الاجتماعي أيضا، وهذه القوى للأسف تمارس أدواراً تحرج نظيرتها " مذهبياً" على الأقل من القوى السياسية الشيعية التقليدية التي تؤمن بالدولة وضرورة ان ينتج المجتمع، المؤسسات الحقيقية الضامنة لديمومة النظام الديمقراطي التعددي الذي يتصاعد فيه النسغ، وتترسخ فيه التجربة، كبناء الجيش الوطني والأجهزة الأمنية المحترفة، وبناء العلاقات الدولية، وربط العراق في منظومة المصالح العالمية، وتأمين دوره المحوري المستقل الفاعل في بيئته ومحيطه.

  لكن هذه القوى تضع هذه التصورات "الواقعية" في مهب الريح بإصرار غريب،  على اتخاذ خطوات تهز من صورة القوى الشيعية المؤمنة بالدولة، وإبراز تلك " القوى الراديكالية" للأسف التي تريد أن تحول العراق لساحة صراع دولي وإقليمي، وهذا يحيل المواطن الشيعي البسيط الى السؤال بجرأة عن مصير هذه الجماعة مع تصاعد هذا النفس المعادي لمنطق الدولة وقوتها وحفظها، ليبرز السؤال:

اذا كنا كجماعة الآن في الدولة وفي صدارة المشهد ونتعامل معها بكل هذا الاستفزاز ومحاولة أضعافها، فماذا سيكون موقفنا اذا وقفنا خارجها بفعل أي ظرف قد يطرأ؟، واذا كنا لا نؤمن بالدولة التي اخترنا بإرداتنا قيادتها، وعينا رئيس وزرائها باجماعنا، فما البديل الذي تفكر فيه هذه الجماعات، لاسيما أن العراق محاط ببيئة معادية جداً لهذا اللون المذهبي بصراحة.

أنها اسئلة حقيقية وملحة، وتحتاج مصارحة شيعية- شيعية، وأجابات شافية ووافقة لنجنب مجتمعنا مآلات الراديكالية المفرطة التي قد تعود وبالاً على " البيت الشيعي" وتهد كل اركانه – لا سمح لله ولا قدر.

علق هنا