حين يتحدث أهل الإختصاص يصمت الطارئون .. وزير النفط الأسبق والخبير النفطي الكبير جبار اللعيبي يرسم خارطة لطريق النفط

بغداد- العراق اليوم:

خارطة طريق لتعظيم

موارد النفط وصناعته كيف ولماذا ؟

جبار اللعيبي

النائب عن البصرة

وزير النفط السابق

هناك العشرات من المجالات المتوافرة في قطاع النفط التي سبق لي وان قمت بتعريف البعض منها في مطالعات رفعتها الى المعنيين الرئيسيين في الدولة لاسيما السيد رئيس  لجنة الطاقة النيابيه وصور منها الى أعضاء اللجنة الخاصة بالنفط والغاز في البرلمان مع رسائل مباشرة لرئيس الحكومة الحالية ،

دافعي الرئيس أن الامر لايكمن في وجود تلك الفرص والمجالات وإنما متيقنا من أمكانية التحقق وكان منطلقي الواقع العلمي و أيماني بأن العمل في تحقيق اي تقدم يكمن في وجود ادارة عليا متفهمة مدركة لطبيعة التحديات ، وإدارات في الخط الثاني تتمتع بالخبرة والدراية والعلم والمعرفة والخبرة والولاء للعراق واهله قبل مجمل شئ.

فمنذ سنوات طويلة خلت وأنا الهث وأسعى جاهدا في مسار الإصلاح في وزارة النفط والقطاع النفطي ، بصورة عامة وقد شخصت الخلل الذي يقضي بإعادة ملحة وضرورية لأعادة هيكلة الوزارة وانبثاق شركات جديدة مرافقة وفاعلة لتشغيل وتيرة انتاج وصناعة وتصدير النفط والغاز والمصافي مع الدعوة المخلصة لضخ دماء شابة جديدة قادرة على إنقاذ الوضع المتردي في مجمل هذا القطاع ، والذي يسير في منحدر و تردي أعمق واكثر فأكثر في عموم مرافقه وهذا يحتاج الى تفصيل واثبات لدي ما يؤكد ذلك.

في وقت أن اغلب الدول النفطية إن لم تكن جميعها قد أسست تشكيلات متنوعة في الصناعة النفطية وحدّثت اساليبها ، بحيث ان تلك المفاصل تشكل مصدات إسناد مالية لصناعة النفط وفي نهاية المطاف سوف لا تتعرض الى الاختناق المالي عند حدوث تذبذب في أسعار النفط، وهناك شواهد كثيرة على ذلك ابرزها المملكة العربية السعودية المحاددة والمنافسة لنا ، وهذا الموضوع فيه أستشهادات كثيرة أخرى ومفصلة .

لكني أثير بعض الأمثلة التي يمكن ان تشهد على واقع الصناعة في بعض الدول، فمثلاً :

إن أرباح شركة أرامكو في العام الماضي تعدت 50 مليار دولار وادنوك الاماراتية تعدت 20 مليار درلار وهذه أرباح الشركات ، خارج ايرادات الحكومة ، اي انها أرباح خاصة بعمل تلك الشركات النفطية.

و سبق لي وفي مناسبات عديدة ان ناديت وطالبت وعرضت بقوة مسعاي الدؤوب لمعالجة بعض من المفاصل المهمة في صناعة النفط ،

وعلى الرغم من قصر فترة وجودي في الوزارة الا أني وضعت اكثر الأولويات على وضع قطاع النفط على الطريق والمسلك الصحيح، وحققت مشاوير طويلة في تحقيق مكاسب للبلد والوزارة وللأسف أن الإدارة بعدي عملت في الاتجاه المعاكس وكأني استحضر قول الشاعر :

( متى يبلغ البنيان يوما تمامه

اذا كنت تبنيه وغيرك يهدم)

دعوني أعيد للذاكرة البعض من تلك الأولويات التي نبهت لوقفها وتغيرها :

1- أستيراد مشتقات نفط ٣ الى ٤ مليار دولار سنويا ً.

2- حرق واستيراد غاز ٦-٧ مليار دولار سنويا ً.

3- نقل نفط خام ٢ مليار دولار سنوياً.

4- مفاصل وابواب أخرى ٢ مليار دولار سنويا.

فيكون مجموع هذا الهدر الممكن تخطيه لما يصل الى : ( 15 مليار دولار سنويا )

و بالإمكان ان ترى المتراكم لإعلاه منذ 2003-2020

وسبق وان أعددت ورقة عمل مفصلة ومستفيضة لإصلاح القطاع وأرسلتها الى السيد رئيس الوزراء الكاظمي خلال فترة تشكيل الحكومة, ( ولديّ نص التقرير المفصل الذي أرسلته اليه ) .

 اتساءل : أي نوع من الإصلاح وتعظيم الموارد النفطية ونحن نسعى للتكلم عنه ونخوض في غماره في ظل واقع مخرّب وأشخاص غير مهتمين بأهم مورد لقوت الشعب ، فهل من المعقول والمنطق السليم من الجانب الوطني وحتى الشرعي ان تخضع أهم وزارة لما تتعرض له وزارة النفط خلال وقت تشكيل الحكومه باختيار وزير لها من خلال قرعة ؟ وكانما نحن في سوق مزاد وليس في بلد بحجم وثقل وتاريخ العراق ، يحتاج الى قيادات مدركة لها رؤية وخبرة دقيقة .

حيث تخضع هذه الوزارة وغيرها للمزايدة في سوق المحاصصة وليس الكفاءة، بدليل ان مجرد انخفاض اسعار النفط تحول العراق لساحة من الدماء والعنف والرعب المحتمل وقوعه في وقت لدينا الوقت الضيق للإنقاذ الشامل الذي يوصل البلاد لمجتمع الرفاهية الممكنة ،

اني مع شديد الاسف لم أتمكن حتى الان من رؤية متكاملة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي بالرغم من إمكانية ذلك وهي ممكنة كما أسلفت وأعددت دراسات مستفيضة بحكم عملي في هذا القطاع على مدى اكثر من أربعين عاما ً ،

وأقدم رؤية عاجلة للمساهمة في تعظيم الموارد المالية دون الاضطرار الى بيع النفط بطريقة ( الحجز مقدما ً ) المراد اعتماده وترويجه بسبب الضيق المالي :

المجال الاول : تعظيم تصدير المنتجات النفطية

ومنها :

* النفط الأسود :

 فالابمكان تحقيق معدلات تصديرية عالية لهذا المنتوج من المصافي وزيادة معدلات إنتاجه وتصديره.

إشراك القطاع الخاص ( محلية واجنبية ) في تفعيل هذا المجال الذي يجلب إيرادات عالية .

استبدال قدر المستطاع إستخدام هذا النوع في محطات الكهرباء وتعويضها بالنفط الخام .

* تقليص كميات معامل الأكسدة:

السعي لتحويل معامل الطابوق وغيرها الى  الغاز كوقود وحسب الخطة التي وضعت عام 2017 بدلاً من النفط الأسود للاستفادة منه في التصدير وتوفير العملة الصعبة .

* زيادة الطاقة التصديرية لحقل القيثارة واعتبارة نفط اسود:

زيادة معدلات تصدير مادة النفثا المهمة في الصناعة النفطية وإشراك القطاع الخاص المحلي والأجنبي في عمليات تصدير تلك المادة .

علما" ان معدلات وكميات التصدير لهذة المنتجات لا تخضع الى محددات واتفاقات خصص اوبك .

المجال الثاني :

* تقليص إستيراد العراق للمنتجات النفطية

فمن غير المنطقي والاقتصادي في بلد منتج عالمي للنفط يقوم او يلجأ للاستيراد ، ويتحقق ذلك من خلال :

زيادة مساهمة القطاع الخاص وإشراكه بضوابط علمية محدد في الانتاج البنزين المحسن مع وضع أسس ومعايير لضمان أرباح وزارة النفط ، ووزارة المالية.

* تقليص الاعتماد على زيت الغاز المستورد في محطات الكهرباء واستخدام النفط الخام بدلاً عنه ، وهذا ممكن عملياً.

* تنفيذ خطة عاجلة وسريعة في أستثمار الغاز من خلال خطة تأجير محطات ومنشأت المعالجة ، كما تم في حقل الناصرية العام 2017 .

تبني خطة عمل معجلّة في زيادة وتطوير المنتجات النفطية في المصافي العاملة مثل مشتقات الدهون وغيرها التي تستنزف اموالا" كبيرة بحكم الاستخدام اليومي وحاجة الاستهلاك .

ملاحظات حول بيع النفط بطريقة الحجز :

تلقفت الإدارات الحكومية والنفطية فكرة بيع النفط باسلوب الحجز المسبق ،أي يقوم المشترون بدفع اقيام مالية مقدما" على كميات من النفط الخام يتفق عليها وبموجب السعر السائد وقت توقيع عقد البيع ، كطريقة لمعالجة الضيق المالي الحالي ، الناتج من  تدني أسعار النفط وتقليل حصص تصديره ، ،وعلى الرغم بأن هذه الطريقة لجأت اليها بعض الدول التي توصف بالمتأزمة مثل نايجيريا وفنزويلا ، والزعامات التي تسعى الى تامين الضرورات المالية لكنها لاقت الكثير من الإشكالات ، فهاتين الدولتين ذات الخصوصية الاستثنائية باستشراء الفساد وسوء الادارة والصراع المجتمعي وتدني القدرات الاقتصادية ، لجأت الى بيع كميات كبيرة من نفطها وقبضت أقيامها مقدماً ،

لكنها عانت بعد فترة وبعد تغاير أسعار النفط وارتفاعه مما تسببت في حدوث خسائر مادية عالية جدا ً ، علما أن هذه الطريقة محدودة جدا ً في التداول ولن تلجأ اليها إلا الدول الغارقة في المشاكل المالية وسوء الادارة.

وسبق أن تم طرحها كخيار لدينا العام 2017 لكن تم رفضها بشدة وذلك لإدراك أسباب عديدة تحول دون المغامرة وما يترتب عليها من سلبيات,

ومن وجهة نظري كمختص وخبير في هذا القطاع على مدى أربعين سنة في هذا القطاع ، فان العراق غير مضطر برغم وضعه المالي اللجوء لمثل هذه الطرق والمغامرة في تسويق نفطه سيما و أن أسعار النفط وفق مؤشرات واضحة تشهد تعافياً ملحوظاً خلال العام 2021 وترجح التوقعات بان الاسعار ستصل الى 60 دولار للبرميل ، بضوء الواقع المتحرك للأنشطة الاقتصادية وارتفاع معدلات الاستهلاك في العالم، مما يتطلب المراجعة في بيع النفط بهذه الطريقة .

وفي إطار ذلك لابد من إعادة النظر بمجمل وتيرة الصناعة النفطية المتراجعة في العراق بعقد شراكات دولية مع التجارب الناجحة والمدروسة وتغير نمط الإدارة النفطية وتكثيف الجهود في الاعتماد على خبرات عراقية شابة وتدريبها وتفعيل حضورها في هذا القطاع الحيوي .

لا يتحمل واقعنا الاقتصادي الذي مازال معتمدا بنسبة عالية على التراجع الاكثر في قطاع النفط، وان السبيل الوحيد الخروج باستراتيجيات كفؤة تحرك صناعة النفط وتنمي الموارد والعوائد التي تاتي منها ، مع شراكة دولية مفروغ من نتائجها ، وليس التجريب في قطاع هو عماد اقتصاد البلد ومصدر قوت الشعب.

 

علق هنا