البصرة التي تحولت بفضل الأحزاب والعصابات المسلحة الى عاصمة للفساد، هل سيقدر الكاظمي على إعادتها الى جمالها وفيحائها ؟

بغداد- العراق اليوم:

البصرة التي كانت عاصمة للجمال ، وبستان واسع وفيحاء خضراء، تحولت اليوم الى عاصمة للفساد، وبيئة للموت والفقر والجوع والعنف والسلاح.

فكيف ستعالج حكومة الكاظمي كل هذه المشاكل، بل والمصائب أيضاً؟

يمكننا القول دون مبالغة إن البصرة وموانئها تشكل حقل الاختبار الأهم بالنسبة الى الحكومة في بغداد، اذا ما أرادت تحقيق تقدم في ملف مكافحة الفساد وفرض سيادة الدولة، بما ينعكس بشكل مباشر وسريع على مستوى حياة المواطنين ومعيشتهم.

وتعتبر محافظة البصرة من بين أكثر محافظات العراق فقراً، وهو واقع يتناقض تماما مع حقيقة أن هذه المدينة الجنوبية تعتبر المعبر الرئيسي لأكثر من 80 في المئة من البضائع التي تدخل الأسواق العراقية، وهي أهمية تجارية استثنائية راكمها العراق منذ ثلاثينيات القرن الماضي عندما قرر أن يلعب دوره الطبيعي كمرفأ إقليمي أساسي.

وبالاضافة الى المنافذ البحرية المهمة في البصرة تتمتع المحافظة بموارد نفطية كبرى، وهو ما يعزز التساؤلات الحائرة عن الأسباب التي تجعل البصريين لاتطالهم منافع هذه الخيرات بما ينعكس على حياتهم المعيشية بشكل أفضل.

وهناك اتفاق عام على ان البصرة تمثل شريان العراق الاقتصادي، ولهذا فان طرق حكومة مصطفى الكاظمي لهذا الملف الذي تتشابك فيه ظواهر الفساد بالمحاصصة بالميليشيات بالصراعات، كما تؤكد المصادر البصرية، من شأنه ان يؤكد رغبة الحكومة المعلنة بمعالجة هذه الملفات الثقيلة، وتؤتي ثمارها سريعا أمام الرأي العام العراقي.

وعلى سبيل المثال، ذكرت هيئة المنافذ الحدودية في يوليو/ تموز 2020 أن منفذ ميناء أم قصر في محافظة البصرة حقق ايراداً مالياً لخزينة الدولة بمبلغ أكثر من 23 مليار دينار عراقي خلال شهر يونيو/ حزيران وحده. وفي تقرير للجهاز المركزي للإحصاء في أغسطس/آب الماضي، اطلعت عليه شفق نيوز، فقد ارتفعت إيرادات موانئ العراق بنسبة 7.3% وان مجموع الايرادات المتحققة للشركة العامة للموانئ بلغت 486.3 مليار دينار لسنة 2019 مقابل 453.3 مليار دينار لسنة 2018.

وفي المقابل، تشير تقديرات وزارة التخطيط العراقية إلى ان نسبة الفقر في البصرة تبلغ 16 في المئة، وهي أرقام مسجلة قبل تردي الوضع الاقتصادي وتفشي جائحة كورونا، وهي أيضا تتعارض مع أرقام أخرى غير رسمية تشير إلى أن نسبة الفقر في هذه المحافظة تصل الى 50 في المئة.

ويمتد الخط الساحلي العراقي على الخليج بطول 58 كيلومترا، وهو يضم ميناء البصرة النفطي المخصص لتصدير النفط ويعتبر من أهم نقاط تصدير النفط العراقي على مياه الخليج، وهو أيضا واحد من عدة مرافئ تجارية ونفطية بينها ميناء أم قصر، وميناء خور الزبير، وميناء الفاو الكبير.

اذا، تفرض هذه الحقائق طرح السؤال الجوهري: أين تذهب هذه الموارد ولماذا هذا التردي في وضع البصرة؟

وتتفق المصادر التي تحدثت إليها على ان البصرة وموانئها تشهد صراعات حادة للسيطرة وبسط النفوذ بين مختلف الاحزاب، ما يحول المدينة الى لقمة تتنازعها بطون جائعة من مختلف قوى الفساد فيما اهلها يتصارعون مع الجوع.

وتكمن المشكلة، بحسب المصادر، في ان تعدد السلطات في عمل الموانئ ربما اعطى المجال لمختلف الجهات لتتصارع وتنهش بأنيابها الأخضر واليابس في ظل انتشار الفقر المدقع لدى الكثير من العوائل العراقية والبصرية.

يقول المواطن أبو هاشم من اهالي أم قصر ان منطقته تعتبر من المناطق التي تشهد ترديا كبيرا في الخدمات، مشيرا الى انه رغم توفر بعض المشاريع الا انها تظل خجولة ولا تتناسب مع حجم المجتمع السكاني هناك.

وتابع أبو هاشم ان من بين المشكلات القائمة عدم إعادة الحياة الى الموانئ من ضمنها ميناء ام قصر الذي يرد بواردات يوميا تستطيع اعمار كل البصرة، موضحا على سبيل المثال انه من المخجل ان الطريق المؤدي الى الميناء يعاني من التعرجات والتخسفات وهو ما يشير باعتقاده الى تأثيرات ظاهرة الفساد والتدخلات الحزبية التي تعرقل عمل الموانئ.

ويشير وزير النقل العراقي السابق والنائب الحالي في البرلمان العراقي كاظم فنجان الحمامي عبر حديثه  الى ان التدخلات السياسية بعمل الموانئ موجودة من قبل الكيانات السياسية المختلفة لتسيطر على المناصب العليا وعلى ادارة الموانئ العراقية.

ومن جهته، يرى رئيس المركز الاستراتيجي في البصرة انمار الصافي ان تعدد السلطات في الموانئ العراقية هو ما يؤثر على عمل وانسيابية البضائع الداخلة للموانئ العراقية، مشيرا الى هذه الحالة تتناقض مع ما هو قائم في مختلف موانئ العالم حيث تتواجد فيها سلطة واحدة تعمل على ادارة اي ميناء.

اما في موانئ العراق، بحسب الصافي فان جميع الدوائر العاملة والوزارات وممثليها داخل الموانئ تستظل يافضة الموانئ العراقية. وأوضح انه يجب ان يكون مدير الميناء هو الشخص الوحيد الذي يحرك الدوائر ويوجها نحو الطريق الصحيح للوصول الى انسيابية دخول البضائع وخروجها من الموانئ بطريقة سليمة وصحيحة وسريعة لانه فعالية موانئ العالم اليوم تقاس من خلال طول بقاء البضائع داخل الموانئ، داعيا الى التحاق العراق بهذه الدول في هذا المضمار.

وشدد الصافي  على ضرورة ان تكون ادارة الموانئ من جهة واحدة كميناء وجمارك أم قصر الذي تديره جهة واحدة معتبرا ان تعدد السلطات يشكل وضعا سلبيا ازاء حركة وانسيابية البضائع وادارة الميناء والذي يؤخر عدم تطور الموانئ. واضاف ان  الادارة الواحدة بامكانها ان تشخص الخلل وتعالجه بتوجيه لكل الدوائر الموجودة في داخل الميناء.

وتشير المعلومات الى ان عمليات احتيال واسعة تجري في الجمارك وتتضمن إجراءات تحريف في وزن السفن ونوع البضائع وإجراءات تسجيل السفن، بالاضافة الى رشاوى يستحصل عليها مسؤولون من التجار اصحاب الضائع المستوردة للسماح لهم بتمرير بضائعهم وتهديدهم بخطر تأخير دخولها عبر جمارك الميناء ما يعرضها احيانا للتلف ويعرض التجار للخسارة.

كما تشير معلومات غير موثقة الى ان جهات سياسية وحزبية وبرلمانية تسيطر على أرصفة الموانئ وتجيرها لجيوبها، اذ تستحصل على أتاوات من المستوردين، وأحيانا تكون الاتوات مفروضة من أكثر من جهة، ما يحرم الخزينة العراقية عشرات ملايين الدولارات سنويا.

ويحتل العراق مرتبة متقدمة في لائحة البلدان الأكثر فسادا في العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية، في حين تشير تقديرات عدة الى ضياع أكثر من 450 مليار دولار منذ الغزو العام 2003، بسبب الفساد.

ويسلط الصافي الضوء على جانب آخر من المشاكل ويوضح ان الدوائر الساندة في الموانئ لديها واجبات داخل الموانئ العراقية وتتلقى توجيهاتها من وزارتها ودوائرها العامة وهذا بالامكان تنسيقه مع الادارة العليا في الموانئ العراقية حتى تستطيع الادارة ان تتلقى نفس التوجيهات. وتابع ان التجار يتوجهون أحيانا لميناء دون اخر لان الاجراءات في هذا الميناء تختلف عن الميناء الاخر.

وكما هو الحال في المنافذ الحدودية، يقول الصافي فان بعض التجار يوجهون بضائهم نحو منفذ واحد كون ان المنفذ هناك يختلف عن المنافذ الاخرى كما يحصل في منافذ اقليم كردستان، مضيفا انه بناء على ذلك يجب ان يكون مصدر التوجيهات مركزيا وموحدا، مشيرا الى ان الميناء الذي يتمكن من اخراج البضائع ويسهل حركة دخول وخروج الباخرة بشكل سريع مقارنة بباقي الموانئ الاخرى، سيتحول الى ميناء جاذب لكل البضائع القادمة في ظل التوجه الى ميناء الفاو الكبير الذي بامكانه ان يكون رابطا بين الشرق والغرب .

ويمكن القول ان موانئ البصرة تشكل نموذجا مصغرا عن صورة مشكلات العراق التي تعيق قدرته على النجاح والخروج من أزماته. فهل بامكان حكومة الكاظمي ان تبدأ بالمعالجة من مكان ما، وهل سينجح مصطفى الكاظمي في إعادة البصرة الفيحاء، وعاصمة الجمال الى جمالها وفيحائها؟

 

علق هنا