بغداد- العراق اليوم:
بدأ نوع غريب من المخدرات ينتشر في بعض مناطق العراق، وهو لا يعطى بالحقن ولا من خلال الفم أو الأنف، وإنما عبر الاستماع إلى نوع معين من النغمات التي تصل إلى الدماغ وتؤثر على ذبذباته الطبيعية، وتُدخل المستمع إليها في عالم من الاسترخاء يشبه حالة متعاطي المخدرات، لذلك يطلق عليها "المخدرات الرقمية".
وتتم تجارة هذا النوع من "المخدرات الرقمية" عبر الإنترنت، وتأخذ منتجاته شكل ملفات صوتية (mp3) تُحمّل أولاً بشكل مجاني كعينة تجريبية، وغالبا ما تحقق غرضها وتوقع المستمع إليها ضحية الإدمان، و"تعاطي" هذا النوع من "المخدرات" يتطلب طقوسا خاصة.
وفي هذا الصدد، يقول عبد الزهرة الخفاجي الباحث في جامعة القادسية ، إن متعاطي المخدرات الرقمية يجلس في غرفة ذات إضاءة خافتة، ويطفئ جميع الأدوات الكهربائية التي يمكن أن تسبب تشويشا أو إزعاجا، كما يرتدي ثيابا فضفاضة ويضع سماعات رأس، ويكون بحالة استرخاء كامل، ثم يغمض عينيه ويشغل الملف الصوتي.
ويضيف الخفاجي -الذي له دراسة منشورة بهذا الخصوص- أن المخدرات الرقمية (النغمات) تزود السماعات بأصوات تشبه الذبذبات والأصوات المشوشة، وتتراوح قوة الصوت بين ألف و1500 هرتز كي تُسمع منها الدقات.
وعلى الرغم من إدمانهِ سماع أنواع خاصة من النغمات الموسيقية الغريبة، يُصرّ سامر أحمد (في نهاية العقد الثاني من العمر) على استهجان مَن يُسمي ذلك بالمخدرات الرقمية، ويعدها مجرد متعة عابرة يتلقاها عبر الإنترنت من بعض الأصدقاء الافتراضيين في مواقع التواصل الاجتماعي.
واعتذر سامر أحمد -الذي اشترط استخدام هذا الاسم المستعار- بشدة عندما أردنا محاورته حول هذا الموضوع. والموقف نفسه اتخذه اثنان من متعاطي هذا النوع من النغمات، دون أن يوافقا على تسميتها "مخدرات".
من جهته، اعتبر الناشط الإلكتروني علاء كولي في حديث أن حالة "سامر أحمد" ليست الوحيدة ولن تكون الأخيرة، وتوقع انتشار هذا النوع من المخدرات بشكل واسع في الأوساط الشبابية في المستقبل القريب نتيجة غياب الرقابة الفاعلة أولا، وسهولة الوصول إليها ثانيا، مشيرا إلى أن استخدام بطاقات الائتمان الإلكترونية سيساعد أيضا في انتشارها، لا سيما أن تداولها في ازدياد داخل البلاد، حسب قوله.
بدورها، ترى جهات حكومية أن هناك مؤشرات أولية تدل على انتشار هذا النوع من المخدرات بسبب الانفتاح الكبير في وسائل الاتصالات الحديثة وعدم خضوع الإنترنت إلى أية رقابة أو حجب بعض المواقع الضارة، وهذا ما تمت مناقشته في المؤتمر السنوي الرابع لتحليل الواقع الأمني والجنائي الذي عقد في المحافظة في الرابع من يناير/كانون الثاني الجاري.
ودعا المؤتمر المذكور إلى ضرورة مخاطبة الجهات ذات العلاقة في الهيئات والوزارات لمتابعة هذا الموضوع. وفي هذا الصدد قال محافظ ذي قار يحيى الناصري في كلمة له إن المؤتمر كشف انتشار هذه الظاهرة في عدد من الدول العربية، وأوصى بتشديد الإجراءات الرقابية في العراق لمنع انتشار هذا النوع من المخدرات.
وأكد الناصري أن محافظته كانت سباقة في أخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة مخاطر ظاهرة تعاطي المخدرات الرقمية ومتابعة تطوراتها على مستوى العالم الخارجي.
من جهته، أكد القانوني أحمد ساجت أن قانون العقوبات العراقي رغم معالجته ظاهرة تعاطي أو الاتجار بالمخدرات العادية، فإنه لم يعالج ما استحدث من أمور مثل ظاهرة المخدرات الرقمية، مطالبا بتعديل القانون ليتماشى مع الأخطار المستحدثة في المجتمع.
واستدرك ساجت في حديثه قائلا إن أي تعديل يستلزم إيقاع عقوبات مادية بحق المروجين والمتعاطين يجب أن يبنى على رأي علمي دقيق يوضح بالتفصيل ماهية هذه المخدرات، وهل تقع ضمن التوصيف القانوني المعتمد للمخدرات، حتى لا يتم التعسف في استخدام هذه الفقرة على بعض الحالات من قبل الجهات ذات العلاقة، على حد قوله.