بغداد- العراق اليوم:
محمد عبد الجبار الشبوط
هل التقى صدام حسين بالسيد محمد باقر الصدر قبيل اعدامه؟ هناك روايتان. الاولى تقول ان الرجلين لم يلتقيا. والثانية تقول انهما التقيا. وهناك رواية ثالثة تسكت عن "اللقاء الاخير" ولكنها تتحدث عن مفاوضات جرت بين الصدر وممثلي نظام صدام. الشيخ محمد رضا النعماني، مرافق السيد الصدر الى اللحظة الاخيرة قبل اعتقاله، هو صاحب الرواية الثالثة. وتحدث الشيخ النعماني صاحب كتاب "سنوات الجمر و ايام الحصار" ، قائلا : بدأت المفاوضات الاخيرة بالشكل التالي : اتصل فاضل البراك مدير الأمن العام بالسيد الصدر وقال له: انّ القيادة ستبعث لكم اليوم ممثلاً ليبحث معكم كافة القضايا ، و أرجو ان تكون النتائج طيبة وايجابية. وبعد ساعة واحدة جاء «المبعوث» الخاص وطرح على الصدر المطالب او الشروط التالية: 1ـ عدم تأييد الثورة الاسلامية في ايران، والاعتذار عمّا صدر منكم من مواقف بهذا الخصوص من خلال بيان يصدر منكم. 2ـ وأن يتضمّن البيان شجباً صريحاً للوفود التي جاءت لتأييدكم في رجب. 3ـ أن تُصدر فتوى خطّية تعلن فيها حرمة الانتماء لحزب الدعوة. 4ـ التخلي عن فتواكم حول حرمة الانتماء لحزب البعث. 5ـ إصدار بيان تؤيد فيه السلطة ولو في بعض منجزاتها كتأميم النفط، او منح الأكراد الحكم الذاتي، او محو الأمية. الرواية الثانية صاحبها مقدم البرامج التلفزيونية حميد عبد الله. وقد طرحها في سياق هجوم شخصي عليّ حيث نشر في صفحته الفقرة التالية: "يوصف في اوساط الاسلام السياسي الشيعي بانه احد مفكري حزب الدعوة، ويزعم ان صدام حسين التقى السيد محمد باقر الصدر قبل اعدامه منجرفا مع مايشاع على السنة العامة. تعلموا تاربخكم وخفاياه قبل ان تنصرفوا للتنظير الفارغ. صدام لم يلتق الصدر لاخلال الاقامة الجبرية ولا خلال الاعتقال ولا قبل الاعدام . من ينساق وراء مايقال وما يشاع ليس بمفكر ولا بكاتب رصين ..ربما يصنف في خانة الكتبة". وواضح من هذه الفقرة النافية للقاء الاخير انها جاءت في سياق خصومة شخصية معي، وهذا بحد ذاته يطعن في وثاقة الراوي، كما انني لا اجد مبررا لهذه الخصومة، حيث انني لا اعرف حميد معرفة شخصية، ولا خصومة لي معه الا اذا كان بعثيا متابعا ومواليا لصدام، وهذا ما ينفيه عن نفسه. وكونه اختار ان يخاصمني، فهذا لا يعني انني سوف اخاصمه، لانني بصراحة لا أُستدرج الى خصومة ليست من اختياري، لا في الزمان ولا في الاشخاص. اما الرواية الاولى، فهي للصحفي والكاتب العراقي صباح سلمان. والرجل معروف حين كان السكرتير الشخصي لصدام حسين. واصدر عام ١٩٨٦ كتابا بعنوان "صدام حسين قائد وتأريخ" / صباح سلمان. وفي التسعينات انشق عن صدام حسين وجاء هاربا الى منطقة كردستان المحررة انذاك. كنت حينهاعضو المجلس التنفيذي/ رئيس المكتب الاعلامي للمؤتمر الوطني العراقي الموحد، الاطار العام الجامع لقوى المعارضة العراقية انذاك برئاسة المرحوم احمد الجلبي. وتعرفت على صباح سلمان حينها، وتكررت لقاءاتنا فيما بعد. في احد اللقاءات جاءني بعدد كبير من الوثائق والكتابات، واكثرها بخط يده، احدها كان مكتوبا في دفتر مدرسي ذي الستين او الثلاثين صفحة. قال لي ما معناه: هذا محضر اللقاء الذي تم بين صدام حسين والسيد محمد باقر الصدر قبل اعدام الاخير. واخبرني انه كان الشخص الثالث في اللقاء، حيث دوّن تفاصيله بطلب من صدام. سألته ان كان بالامكان استعارة الدفتر لبعض الوقت. رفض. اقترحت عليه ان يطبع المحضر في كتاب بعنوان "اللقاء الاخير". رفض ايضا. وعليه، استاذنت منه ان اقرأ المحضر بوجوده. وهذا ما حصل. وقد قرأته مرتين وصباح سلمان جالس امامي. اذاً، صباح سلمان هو صاحب رواية اللقاء الاخير بين صدام والصدر.وهو الذي يتحمل مسؤولية صدقها او كذبها، وما انا الا راوية لرواية صباح سلمان. فمن جهتي انا ازعم انني صادق فيما ارويه عن صباح سلمان. ولكني لا اعلم ان كان صباح سلمان صادقا ام كاذبا في روايته. لكني لا اجد سببا يدفع صباح سلمان للكذب بشأن هذه الرواية، فالرجل لم يتاجر بها، ولم يستثمرها لمنافع شخصية او غير شخصية. يبقى على المتلقي لهذه الروايات الثلاث (رواية الشيخ النعماني، ورواية حميد عبد الله، ورواية صباح سلمان) ان يحدد موقفه منها رفضا او قبولا حسب قناعته، ولا يوجد ادنى مبرر لجعل هذه الروايات الثلاث موضوعا لخصومة ما. اما ماذا دار في اللقاء الاخير حسب رواية صباح سلمان المكتوبة، فاني اروي ما علق في ذهني منها، لانني لا املك نصا مكتوبا لها. وهنا اورد النقاط التالية: النقطة الاولى، تم الحوار بين الرجلين باحترام متبادل، رغم الاختلاف الحاد بينهما. فصدام كان يخاطب الصدر كل مرة بكلمة "سيد"، والصدر كان يرد او يجيب بطريقة هادئة، ولكن صارمة، دون ان تتحول الى مناكفة شخصية بينه وبين صدام. ولا ينبغي ان يعتبر قولي هذا تبييضا لصفحة صدام، فقد انتهى اللقاء باعدام الصدر من قبل صدام. وهذه جريمة لا تغتفر. النقطة الثانية، كرر صدام تقريبا نفس المطالب التي ذكرها الشيخ النعماني، ورفضها الصدر كلها. النقطة الثالثة، بيّن الصدر لصدام ان موقعه في الامة بوصفه مرجعا دينيا يحتم عليه ان يشخّص المواقف الصحيحة للامة من وجهة نظر اسلامية. النقطة الرابعة، اخذ صدام على الصدر موقفه المؤيد للامام الخميني، فرد عليه الصدر بما معناه بان الخميني اتخذ موقفا مناصرا للعرب في القضية الفلسطينية، ضد اسرائيل، على خلاف موقف الشاه، ومن الطبيعي بالنسبة للانسان العربي ان يقف معه في هذا الموقف. فرد صدام على الصدر قائلا ان الخميني بعث برسالة الى احمد حسن البكر قال فيها "السلام على من اتبع الهدى؟"، فاجابه الصدر ان الامام الخميني فقيه مجتهد وهو يعرف تكليفه الشرعي. النقطة الخامسة، وهي الاهم بالنسبة لي، وهي ان صدام سأل الصدر: هل تريد ان تعيدنا الى القوانين التي كانت مطبقة في زمن الرسول؟ فرد عليه الصدر قائلا: لا، لان كل مجتمع من حقه ان يشرع القوانين التي تناسب درجة تطوره الحضاري، وحاجاته الفعلية. وقد بقي هذا الجواب يرن في ذهني، الى اليوم، وقد طورته بالشكل التالي: ان القيم الحضارية العليا ثابتة من حيث الماهية، لكنها متنوعة من حيث المصاديق. اما التشريعات والقوانين فهي الصيغ التنفيذية لتحقيق القيم، وهذه تتغير حسب الزمان والمكان، او كما يسميه علماء الدين بمناسبات الحكم والموضوع. هذا ما علق في ذهني مما كتبه صباح سلمان عن اللقاء الاخير بين الصدر وصدام، رويته بالفاظي، وليس بالنص، لانني اتذكر الان المعاني وليس النصوص الحرفية.
*
اضافة التعليق