سألني أحد الأصدقاء:
- هل للكاظمي خصوم؟
فضحكت لسذاجة السؤال، وقلت:
إذا كان للناس البسطاء خصوم، كيف لشخص يقود العراق، ويدير شؤون (العراقيين) لا يكون له خصوم؟
نعم، فحتى للأنبياء والرسل - مع فارق التشبيه - خصوم وأعداء أيضا وهذا يعني أن لكل مخلوق بشري، مهما كان حجمه، حصة من الخصوم!
وعلى هذه القاعدة البشرية، نضع مصطفى الكاظمي في دائرة الخصومة والحسد، بحيث لم يكن غريباً أن يظهر خصومه في الساحة منذ لحظة تكليفه، ويزدادون ضراوة بعد نجاحه في جلسة التصويت على كابينته الوزارية يوم السادس من نيسان، وقد رأينا -بعضهم- كيف أمر نوابه بالوقوف علناً ضد التصويت للكاظمي، بل وخروج البعض منهم قاعة البرلمان لكسر النصاب، فضلاً عن محاولات البعض المحرضة من بعيد، وهم يرسلون (المسجات) الى النواب في القاعة يطلبون منهم الخروج ومغادرة القاعة!
وحين فاز الكاظمي، لم ينل اليأس من حساده شيئاً، بل على العكس فقد أزداد نشاطهم العدائي تجاه الرجل، حتى بات طبيعياً لدى المواطنين ان يروا بعد كل خطوة ناجحة يخطوها الكاظمي في سدة الحكم، او أي قرار شجاع يصدر عنه، حركة أو فعالية تشويهية يقومون بها أو منشوراً تسقيطياً مزوراً ينشرونه لسرقة الضوء المنبعث من وهج ذلك القرار الشجاع.
وأمس تداولت وسائط التواصل الاجتماعي، والمنصات الإعلامية المختلفة، مقطع فيديو مسرباً لمكالمة هاتفية اجراها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من مبنى هيئة التقاعد الوطنية، مع شقيقه الأكبر عماد الكاظمي، وظهر الرجل في هذه المكالمة جاداً، وصارماً للغاية، بل وظهرت على ملامحه أمارات تحذير شديدة اللهجة من خطورة أي فعل أو تصرف يصدر من المقربين، فضلاً عن الأخرين أيضاً، قد يفهم من خلاله استخدام اسم الكاظمي في ترويج معاملات، أو تدخلات ادارية او مالية في مؤسسات الدولة.
وقد أثار هذا الفيديو لغطاً، ولا يزال يثير اللغط على المنصات الإعلامية، وسط شد وجذب، ونفي وتأكيد لمضمونه، فيما ظهرت بعد ذلك تغريدة منسوبة لعماد الكاظمي، تدعي أن المكالمة مزيفة، وأنها مفبركة.
(العراق اليوم)، استقصى من مصادر وثيقة، حقيقة هذه المكالمة، وصحة التغريدة المنسوبة لشقيق الرئيس الكاظمي، ليتضح بعد التحقق، ومن مصادر مقربة جداً من الكاظمي، أن المكالمة كانت حقيقية، وأمام عدد من الحضور، وأنها سُربت عن طريق الهاتف النقال الذي صورت منه دون علم الكاظمي، وأن الرئيس الكاظمي كان في معرض حديثه مع رئيس هيئة التقاعد الوطنية.
وللحق فإني شخصياً تمنيت ان يكون الكاظمي قد سربها بنفسه، أو أمر بتسريبها، فهي تعد أقوى رسالة تحذيرية تصدر من أعلى سلطة إدارية في العراق، بل وأنها تمثل سابقة جديدة، اذ لم يسبق أن اظهر أي رئيس سابق مثل هذه الجدية والصرامة في تعامله مع ملف الأقارب وتداخلهم في اعمال الدولة، ومسؤولياتها، فالكاظمي الذي رأى البعض ان تصرفه يعكس سلوك رجل الدولة الذي لا يجامل على حساب القيم والمبادئ والقوانين، التي تحظر بشكل قاطع استغلال النفوذ والعلاقات في التأثير على سير القوانين، وتنفيذ العدالة، وأن الرجل بعث برسالة عملية واضحة، وبعيدة عن اللبس، مع أن شقيقه عماد لم يكن متدخلاً في عمل أي مؤسسة كما فهمنا من مصادرنا الموثوقة، كما لم يعرف عن مصطفى الكاظمي اي نفوذ عائلي اثناء عمله السابق، الا أنها خطوة غير تقليدية من رجل قطع منذ اليوم الأول من عمله قدم الوساطات والمحسوبيات، بل انه بعث برسالة رفع فيها الحرج عن كل اصدقائه والمقربين له من الذين سيتعرضون لطلبات وتوسطات من أشخاص آخرين، هم في غنى عنها، بل ان بعض اصدقاء الكاظمي قد انهالت عليهم المكالمات الهاتفية قبل ان يتسلم صاحبهم المنصب، من أجل تحقيق طلب غير مشروع اهم، أو تمرير تعيينات او ترقيات أو أي مصالح اخرى على حساب القانون والتعليمات والعدالة، وهذا ما يرفضه الكاظمي جملةً وتفصيلاً، وقد رفع الحرج بشكل واضح حينما لم يجامل حتى شقيقه الأكبر، بمعنى ان الرجل لا يوفر احداً، اذا ما تعلق الأمر بمصلحة الدولة، وسير العدالة فيها، وأن الجانب العاطفي مع أهميته، وضرورة مراعاته، الا أنه حين يتعلق بتغيير مسار القوانين، او التجاوز على الاعراف والتعليمات، سيكون الرجل في حل منها كما حدث في مكالمة اليوم، التي نعود لنؤكد أنها حقيقة وليست مفبركة، ولكنها مسربة، ولم يجرِ بثها او ترويجها بشكل رسمي، فالرجل لا يريد قطعاً أن يضع أخاه عماد في هذا المشهد، وهذه الصورة، فهو أخوه في كل الأحوال، مهما كانت الظروف والمبررات.
ايضاً، وحين استقصينا عن التغريدة المنسوبة للسيد عماد مشتت الكاظمي، تبين أنها تغريدة زائفة، غير حقيقية، قام بصناعتها الذباب الالكتروني الذي يحاول ان يتصيد بالماء العكر لرئيس الوزراء ليستغلها ويبثها كمثلبة على الرجل الذي يغيظهم نجاحه وقدرته على تجاوز عقباتهم التي تفننوا في صناعتها، الا أن الرجل اليوم اثبت عملياً انه قائد ورجل دولة لا يجامل ولا يهادن وان الايام القليلة المقبلة ستبرهن ذلك.
*
اضافة التعليق