علاء كاظم
يجد رئيس الوزراء المكلف الحالي مصطفى الكاظمي نفسه في وسط ملحمة تشكيل الحكومة التي سوف يطرحها على مجلس النواب قريبًا. ان تجربة رئيس الوزراء المكلف الأسبق محمد توفيق علاوي اثبتت انه من غير الممكن لأي مرشح الانقلاب كليًا على النخب السياسية. ففي نهاية المطاف ستقرر هذه النخب من سيرتقي إلى كرسي رئاسة الوزراء، وبالتالي فإن أية تشكيلة حكومية خالصة من التكنوقراط لن تمرر على الأغلب في مجلس النواب وبغض النظر عن مطالب المتظاهرين.
مع ذلك فإن الكاظمي بحاجة إلى ارضاء المتظاهرين من خلال برنامجه الحكومي واهم ما يجب ان يتعهد به هو التحقيق في جريمة قتل المئات من المتظاهرين وإخضاع الجناة للقضاء العادل. حتى يتحقق ذلك ينبغي على المتظاهرين ابداء الصبر تجاه الكاظمي وفهم كونه لن يكون قادراً على محاسبة أي شخص إلى بعد تمرر كابينته الحكومية، وهي مهمة في غاية الصعوبة من دون دعم الكتل السياسية في مجلس النواب. لذلك لا ينبغي انتظار الكثير من الحكومة الممررة بحد ذاتها لأنها تعكس إدارة النخب السياسية الغير كفؤة ولكن ينبغي توجيه التوقعات إلى شخص الكاظمي نفسه وما سيقدمه بعد تسنمه لمنصب رئيس الوزراء.
في نفس الوقت، يجب على رئيس الوزراء إدارة هذه التوقعات من خلال وضع أهداف واقعية وقابلة للتحقيق في برنامجه الحكومي. ان الرئيس المكلف السابق عدنان الزرفي وقبله محمد علاوي قدما برنامجين حكوميين مكونين من ٨ او ٩ صفحات بالترتيب وكان كلا البرنامجين مطولين ومكتوبين بأسلوب ينسجم مع دورة رئاسة وزراء كاملة. لا يوجد مبرر للكاظمي ان يقوم بذات الشيء حيث لا يوجد من الناحية الواقعية الكثير مما يمكن لأي لشخص في موقعه ان يحققه، وهي يستلم الحكم في منتصف الدورة الانتخابية. بينما لو كان لرئيس الوزراء المكلف برنامج وزراي مختصر فإن ذلك يدل على وعيه للظروف الفريدة والمدة الزمن المحدودة المتاحة أمامه وهو بذلك يتفادى الاستهانة بعقلية المواطن ويتجنب اتباع الخطاب السائد لدى الطبقة السياسية والذي يخلوا من الصدق والمصارحة.
لقد انخفضت مصداقية الحكومة داخليا بصورة كبيرة تحت قيادة عبد المهدي خلال ١١ شهر، بل يمكن القول ان هذه المصداقية كانت في حالة انخفاض قبل ذلك بكثير. لذلك، فإن المرحلة الأولى تكمن في إعطاء أولية لتحقيق العدالة للمتظاهرين وقلع جذور الفساد في البلاد.
ان التوقع الآخر للمتظاهرين من حكومة مصطفى الكاظمي القادمة هو اجراء انتخابات مبكرة. من الناحية اللوجستية، فإن ذلك من الصعب تحقيقه قبل عام ٢٠٢٢، بالذات في ظل قانون الانتخابات الجديد الذي صوت عليه مجلس النواب قبل عدة أشهر. وعلى الرغم من مطالبة رئيس الوزراء المستقيل بإجراء انتخابات مبكرة في شهر كانون الأول ٢٠٢٠، فإنه سيصعب على الكاظمي تنظيم هذه الانتخابات وتوفير مستلزماتها من قبل المفوضية العليا للانتخابات في المدة المقترحة. ولو افترضنا جدلاً انه قام بذلك، فسيكون الكاظمي قد عمل بالضد من رغبة الكتل السياسية الحقيقية والتي تدعي انها تريد انتخابات مبكرة ولكنها في الواقع ترغب في الاستمرار بما يناسب مصالحها. مع ذلك ينبغي للكاظمي ضمان نزاهة وحرية الانتخابات القادمة وفق قانون الانتخابات الجديد حيث ان مصداقية وشرعية الانتخابات اهم من إجرائها بصورة مبكرة قبل عام ٢٠٢٢.
ان تشكيل الحكومة في هذه اللحظة من تاريخ العراق وهو يواجه الأزمات المتعددة ضرورة قصوى حيث ان الضغوطات تتراكم على المواطن. فجائحة كورونا أدت إلى حظر مطول للتجوال زاد من الصعوبات المالية تعقيدا بسبب الانخفاض العالمي لأسعار النفط. العراق بحاجة إلى قادة كفوئين وشرعيين لمعالجة هذه الأمور في أسرع وقت ممكن. فمع الأسف أخفقت القيادة الحالية عندما تعهدت بخفض انتاج النفط من ٨٠٠ ألف إلى مليون برميل في الشهر خلال عام ٢٠٢٠ من دون طرح خارطة طريق مالية لمعالجة الخسائر الحاصلة في الإيرادات نتيجة لهذه القرار، هذا علاوة على الضغط المالي الحاصل نتيجة لتعهد حكومة عبد المهدي في مشروع قانون موازنة عام ٢٠٢٠ بتعيين ما يقارب ٥٠٠ ألف موظف حكومي.
ان التلكؤ بتشكيل الكابينة الوزارية في ظل حكومة تفتقر للكفاءة والشعبية، والسماح لها بالاستمرار في ظل الكوارث التي تعصف بالبلاد، يعد أخطر السيناريوهات المحتملة.