بغداد- العراق اليوم:
أكدت الثورة الشعبية السلمية، التي انطلق بها شباب العراق منذ مطلع أكتوبر الماضي، إمكانية التغيير السياسي الشعبي بشكل سلمي وحضاري، حتى مع الهنات وأحداث مؤسفة حدثت هنا أو هناك، الإ أن من يقرأ تأريخ التحولات السياسية في البلاد، سيعرف أي صعوبة وانغلاق كانت تقف أمامه الإرادات الشعبية، فالتغيير السياسي في البلاد لم يكن أمراً طبيعياً على أي حال، وكان العراقيون يضطرون تاريخياً الى الثورات الدموية لإجل اسقاط الحاكم، وتغييره والتخلص من سطوته، الإ هذه المرة، مع ما حدث من مأس وما أسيل من الدماء، الإ أنها كانت أهون المعارك السياسية التي خاضتها الجماهير للإطاحة بحكومة فاشلة، وفاسدة، وضعيفة، ولا تستطيع أن تسيطر على بلد مثل العراق، وأن تستعيد له مجداً اضاعته سياسات الدكتاتور الأرعن، وما تلاه من تخبط وضياع. اليوم يسجل العراقيون، نصرًا سياسياً مذهلاً، وأنتهت الاحتجاجات الغاضبة، التي أنطلقت فكرة، وأنتهت جبلاً وبحراً من المواقف، وولدت جيلاً من الشجعان الذين أعادوا بوصلة المصلحة الوطنية، وبرمجوا النظام السياسي بإتجاه أخر، غير ذاك الذي اتخذه النظام السادر في غيه، البعيد عن آمال وتطلعات الأمة. نعم، فنحن أمام أفق أخر، ولربما ثورة تصحيح ديمقراطي أخرى، وبناء لآفاق مفتوحة في مسيرة التبادل السلمي للسلطة، وتعزيز مسارات التقدم نحو خطى أكثر ووضوح في بناء نظام عراقي صرف، وديمقراطية ناجزة قادرة على التعبير عن الطيف العراقي الواسع، وتشييد غد أفضل لإجيال ضاق بها الواقع، وتباعدت خطوات الساسة عن خطواتها الباحثة عن فرص للعيش الكريم، وتأمين مستقبل أكثر إشراقاً. أمس، أنهى عبد المهدي مسيرة حكومته العرجاء منذ ولادتها، وأنهى أيضاً مسيرته السياسية الحافلة بالخيبات والتقلبات وسيرحل عما قريب الى صفحات التاريخ، له ما له، وعليه ما عليه. سيجد صفحته التي كتبها بعد ستة عقود من الحياة السياسية المتغيرة في العراق، وقد امتلأت، وختمها بخيبة بكبر الفاجعة التي حلت بالعراق منذ توليته في ليلة ظلماء مقاليد السلطة التي أرادها بوابة لتتويجه بنصر سياسي، وأذا بها تنتهي الى أن يأد تاريخه برمته. الآن، وبعد ما حدث، يجب أن يستعيد الثوار الشبان السلميون زمام المبادرة وأن يكتبوا بأنفسهم الصفحة اللاحقة من التاريخ الجديد لهذه البلاد، وأن لا تسرق الثورة منهم مجدداً، ويستعاد النظام من جديد بثورة مضادة، فأذا كنا نبحث عن نظام سياسي جديد، فلابد أن نفصح عنه، ونكتب عناوينه العريضة، ونرسم خطوطه الناظمة، فلن تجد أي منتفض في أي ساحة، يريد ارجاع عقرب الساعة الى الخلف، وسيجد الشباب أنهم امام الاستحقاق الوطني في إفراز رئيس حكومة وطني شاب طموح قادر على الاضطلاع بمهامه ومسؤولياته، مدركاً لحجم المعاناة العراقية، قادراً على بلورة حلول جذرية لها، وبذا سيمكن أن نطمئن الى أن ثورتنا قد أوصلتنا الى بر الإمان. فهل سيصل لكرسي رئاسة الوزراء شاب ينتمي الى ثقافة وروح وعزيمة شبان ساحة التحرير، أم سيسقط الأمل مرة أخرى ؟
*
اضافة التعليق