بغداد- العراق اليوم:
محمد العراقي
من يمشي الآن في شوارع بغداد الغاضبة الآن، سيشعر بلا شك ان حذراً وقلقاً يتسرب اليه، الحذر في الوجوه، والقلق تشي به حركات الناس وسحناتهم، فبغداد تعرفُ اكثر من غيرها؛ معنى الوجوم، وتدرك اكثر من اية عاصمة في هذا العالم معنى الزلازل السياسية التي ان عصفت ستدمر الأخضر واليابس؛ وستجعل الجميع كعصف مأكول، بغداد والزلازل تأريخ من الموت الزؤام، بغداد التي ضربتها الخطوب العاصفات حتى غدت شوارعها متحفاً للموت، على مدى قرن من الآن، تكررت الاهتزازات السياسية مرات ومرات، تاركةً خلفها موتاً مشرعاً، وضحايا لا يهتدون لفم ينطق عنهم، ويكشف ما جرى من هول الصدمات، بغداد الحلم المؤجل، كانت على موعد مع سلسلة من هذه الكوارث العنيفة الدامية: بغداد في احد صباحات ١٩٣٦ كان انقلاب بكر صدقي والموت المحلق من سمائها الوادعة. وبغداد في مايس ١٩٤١ جاءها زلزال حركة رشيد عالي الكيلاني وما تركته من ندوب شاحبة. ثم بغداد في تشرين ١٩٤٨ حيث وثبة جسر الأحرار، فياله من تاريخ مخاتل يعيد نفسه الآن! بغداد ١٩٥٨ زلزال يطيح بكل شيء، ويبدأ عصر الجنرالات ببزتاتهم الطافحة بالدم! بغداد في ٨ شباط ١٩٦٣، جهنهم تفتح فرعها الآخر في بغداد، آلة الموت البعثي تبتلع الناس، وتصرخ: هل من مزيد ! بغداد ١٧ تموز ١٩٦٨ الموت يعلن حفل الافتتاح رسمياً، البعث يغرق البلاد في طوفان الدم الأبدي، بغداد يفض ما تبقى من بكارتها، اوباش قادمون من سلالة الشركس، صاحب الوجه الأصفر يفتك كالجراد، بغداد مذبحة دائمة. بغداد ٢٠٠٣ بغداد تكتب تاريخ أخر للعالم، بغداد تزلزل قاعدة الأرض برمتها، بغداد، زلزال يضرب كل العالم، ويغير خارطة الجيوبوليتك للأبد! بغداد ٢٠١٤ وجه الوحش الكامن يطل من غبار تاريخ آسن، الموت على اسوارها يتمطى؛ القلوب بلغت الحلقوم، لا شيء في بغداد سوى الموت .. الموت.. ايها الفتى! بغداد ٢٠١٩ : اللحظة التي يقف فيها الجميع على مسرح الكارثة، حاكم ينام باكراً بعد ان يتهم معارضيه النائمين في الشوارع بأنهم يضربونه بالمنجنيق، في فصام تاريخي قل نظيره، وشوارع تستعيد مشهد الدم مجدداً، السحل هنا، الحرق هناك، بينهما رعب يدب في العروق، القلوب تصعد مرة اخرى الى الحناجر، لا شيء يمنع الزلزال ان يضرب هذه المدينة المبتلاة مرة عاشرة، لا شيء يمنع، لا حكمة الشيوخ، ولا ورع للبرابرة ان يستيقضوا من سباتهم الاضطراري لينقضوا على الجميع في لحظة الغفلة العميمة هذه، ياللهول، من ذا الذي ينقذ دجلة من الغرق بالدم مرة اخرى! ما المخرج من هذا النفق المظلم، من سيفتح كوة في هذا الليل البهيم، من يجنب بغداد هذه الاعصر الخانقة، هل ستعي هذه الطبقة الماسكة بكل شيء ان لبغداد موعدا مع الزلزال العاصف، هل ستجنبنا كوارث انزلاق قشرة السياسة الصلدة، وتنهي ذاتها بذاتها بعد ان اصبح رحيلها امرا حاسماً، وبقي الخلاف على طريقته فحسب! بغداد رغم كوارثها، لكنها جميلة آسرة، منفردة متفردة، لا يخيفها ما يمر من العاديات، ولا تلوي عنقها الكوارث مهما كانت فاجعة وعاصفة وموجعة، الم يقل لها شاعر الحب الكبير مصطفى جمال الدين : بغدادُ ما أشتبكت عليكَ الأعصرُ الا ذوت ووريق عمرك اخضرُ!
*
اضافة التعليق