بغداد- العراق اليوم: مشكلتنا في العراق، بل وفي عموم بلدان الشرق، أن مغنية الحي عندنا لا تطرب، حتى لو أدارت بصوتها الساحر الرخيم عقول السامعين ..! والتفسير الوحيد لعدم الإعتراف هذا يعود الى عدم ثقتنا بأنفسنا، حتى لو إخترعنا الذي لا يخترع، وإبتكرنا المستحيل الذي لامستحيل بعده ! أضرب هذه المقدمة مثالاً على ما تحقق أمس في إدلب السورية، حين نجحت قوة امريكية خاصة بقتل زعيم تنظيم الشر والكراهية، المجرم أبو بكر البغدادي، وقد تم هذا الفعل المميز بفضل المعلومات الإستخبارية الدقيقة التي قدمها جهاز المخابرات الوطني العراقي الى الحانب الأمريكي المشرف على تنفيذ هذه العملية . ولكن، وعلى الرغم من إعتراف أمريكا برمتها، بدءاً من رئيسها ترامب وإنتهاء بإعلامها المرئي والمقروء، مروراً بجنرالاتها الكبار، وهم جميعاً ينطقون كلاماً واحدا مفاده أن المخابرات العراقية قدمت معلومات مهمة ودقيقة متواصلة ومتدفقة، أسهمت في الوصول الى الموقع الذي يختبئ فيه زعيم داعش، وقتله بدون خسائر تذكر، حتى أن ترامب إضطر - رغم غطرسته- الى توجيه الشكر الى العراق لمساهمته الإستخبارية في إنجاح هذه العملية الخطيرة. ومع كل هذه الإعترافات التي تحدث عن تفاصيلها ضباط استخبارات امريكيون قبل ان يتحدث عنها القادة العراقيون، ورغم الإشادة بقدرة جهاز المخابرات العراقي ونجاحه في الحصول على اعترافات مهمة من أحد القريبين جداً من البغدادي، وفيها كمية وفيرة من المعلومات التي تم وظيفها وإدامتها وتطويرها بشكل ممتاز من قبل المخابرات العراقية، بحيث تمكنت من وضع زعيم تنظيم داعش الدموي بيد الأجهزة الامريكية المختصة، التي أسرعت بتنفيذ الضربة والقضاء عليه بنجاح ساحق، منقذة العالم من شروره. لكن هذه الاعترافات لم تمنع الكثير من العراقيين للأسف من إبداء شكوكهم بما نشر عن دور للمخابرات العراقية في انجاح هذه العملية، فهم لايرضون ان يصدقوا أن الاجهزة الإستخبارية الامريكية (العظيمة) تستعين بجهاز مخابرات عراقي فتي، حديث التحربة، وتحتاج الى عون منه، إذ يبدو ان عقدة الخواجة راكزة في عقول ونفوس الكثير منا، وإلا فماذا يعني أن يسألني شقيقي، وهو يسمع ويشاهد بأم عينه عبر شاشة التلفاز، الرئيس ترامب وهو يشيد بدور العراق، موجهاً الشكر والتقدير لرجاله الذين قدموا المعلومة الدقيقة للقوات الامريكية عن موقع إختباء البغدادي، فيسألني أخي مشككاً، وهو يقول: عود هذا الكلام صحيح لو دعاية؟! فقلت له ضاحكاً: لا هاي دعاية يسويها ترامب للعراق! وفي الحقيقة فأنا لا اعرف لماذا يتنازل الكثير من العراقيين عن حقهم في الفخر بإنجازات اخوتهم وابنائهم، بينما سيقومون الدنيا ولا يقعدونها لو كان هذا الإنجاز قد تحقق من قبل الغير! وهنا أود أن أشير الى ان ما قام به رجال المخابرات العراقية من عمل كبير، وما قدموه من دعم ومعونة في عملية انقاذ البشرية من شرور زعيم تنظيم داعش لم يكن الأول في سجل العراقيين الداعمين للسلام والخير، وصد تيارات الشر والموت، فالأمريكيون يتذكرون بالحب والتقدير دون انقطاع ما قام به عالم الأنواء الجوية العراقي الكبير عبد الجبار عبد الله، الذي اكتشف ما اسماه (عبن الإعصار)، وهو المنحز العلمي العظيم، الذي بفضله باتت امريكا وشعوب العالم قادرة على قراءة وتحديد وجهة الاعصار وساعة وصوله لهذه البقعة او تلك المدينة، فتحتاط لشروره قبل وصوله بيوم أو يومين او ربما اكثر، مما أبعد خطر الاعصار، بعد ان كان قبل اكتشاف عبد الله مدمراً وهالكاً، الأمر الذي دفع العالم الامريكي الكبير أنشتاين الى ان يهدي قلمه الخاص لهذا العالم العراقي الفذ. وغير عبد الحبار عبد الله، فقد كان هناك الكثير من العراقيين الأفذاذ الذين قدموا بإنجازاتهم العون لشعوب العالم، وأفادوا البشرية بإبتكاراتهم وابداعاتهم فائدة عظيمة، بحيث لا يسع المحال لذكرها جميعاً هنا. إذاً فمنجز جهاز المخابرات الأخير ليس جديداً على ابداعات العراقيين لكن الجديد فيه أننا لم نر أو نسمع عن الاجهرة المخابراتية العراقية من قبل سوى روايات قتل المناضلين العراقيين في الداخل، وتصفية خصوم السلطة البعثية في الخارج بأبشع صور القتل والخطف والتصفية. ويقينا أن ما يحصل اليوم من تطور مهني وفتي في أداء هذا الجهار، وما يتحقق من إنجازات كبيرة في عمله، يعود فضله -ويجب ان نعترف بذلك - الى تسلم الكفوئين زمام أموره، وخصوصاً إدارته السبابية المدنية الحالية، الإدارة التي تتسم بالثقافة والعلمية، والوعي والإنفتاح، وبطبخ قراراتها على نار هادئة، ما حقق لها نجاحات ومنجزات مهمة عجزت عن تحقيق بعضها اكبر اجهزة المخابرات في العالم؛ وكان اخرها المشاركة الرئيسية والاساسية الفاعلة في كشف و اصطياد البغدادي، وهو انجاز كبير دعا رئيس اكبر دولة في العالم الى الإشادة به في وسائل الإعلام العالمية. والمفرح انه عمل عراقي صرف، يجب ان ترفع له القبعة، وتنحي له الرؤوس، فهو عمل ابتكره واوجده جهاز المخابرات العراقي، ونفذته قوات الدلتا الامريكية، بمعلومات ورصد عراقي وجهد صرف، تطلب اختراقاً كبيراً لمجموعة الموت والقتل والأرهاب، بحيث تمكن ابطال الجهاز من التوغل في عمق هذا التنظيم بعيدا والاطاحة بقادته كاحجار الدمينو، وصولاً لرأسه العفن البغدادي السفاك، مروع العراقيين، وناشر الموت في ارض السواد. إذن انتهت اسطورة داعش الزائفة؛ وقبر الرجال المخلصون اثارها والى الأبد بفضل اقدامهم وعملهم الدؤوب الذي يستطيع اي عراقي ان يفخر به الآن، فثمة جهاز وطني بني لخدمة العراق ولحفظ امن مواطنيه، والسهر على تخليصه من الشرور المحيطة به، جهاز انتقل من كونه سيفاً مسلطاً على رقاب العراقيين كما بناه المجرم صدام، الى كونه سيفاً مسلطاً على رؤوس اعداء الشعب والإنسانية جمعاء، لذا فكل الإنسانية مدينة لأبطالنا الشجعان ولإنجازهم الذي اثلج الصدور، وسيكون العالم بعده اكثر امناً بالتأكيد وعليه فإن تحية ترامب وحدها لا تكفي ولا تفي ابطالنا حقهم.
*
اضافة التعليق