بغداد- العراق اليوم:
لم يأتِ الرجل بجديد، لم يفاجئ حتى أشد المتفائلين، ولم يصدم اكثر المتشائمين، خطاب فضفاض؛ اعلامي، انشائي، لا يلامس الجراح، ولا يوقف هذا التدفق الهادر، ولا يمكنه ان يصمد ازاء احتجاجات شعبية تنطلق من عمق المعاناة، وتنطق عن وجع وطني ضارب في جذور بلاد ملتهبة من رأسها حتى اخمص قدميها، ففي الوقت الذي كانت التسريبات تقول ان عادل عبد المهدي سيلقي خطبته الوداعية؛ كان الرجل الذي اعتاد الظهور والناس نيام، يلقي خطاباً تنظيرياً بائساً ويحاول استعراض " عضلاته" الخطابية التي لم تزد الشارع المحتقن الا احتقانًا، ولم تزد من نقمة الناس الا نقمة مضافة؛ فكيف لرجل امضى عاماً بأسره اسيراً لارادات واملاءات كتل سياسية ان يفك قيده وينطلق في ليلة الهرير هذه، هل يتوقع احد معجزة في زمن لا معاجز فيه ولا انبياء، وهل يتوقع احد من كهل ممسك بالسلطة أن يتخلى عنها بسهولة ويسر، والكل يعلم مدى تطلعه الطويل لها. انتهى قبل قليل الخطاب الذي كان مخيباً للآمال بالتأكيد، ولم يحمل في طياته غير وعود وتنصل عن أخرى، ومحاولة خلط للأوراق في وقت لا تزال دماء اكثر من ١٠٠ متظاهر شهيد طرية وخضراء، ولم تزل جراحات الآلاف من العراقيين تنز دماً، دون ان يجرؤ الرجل عن الكشف عمن سفك دماءهم عمدا وبهذه القسوة والفجاجة، لربما لا يمكننا ان نؤشر لشيء عدا القول ان الرجل دخل منطق الاستحكام، وبات في منطقة الانغلاق التام، وان خطابه هذا اجج سعير نار هي اصلاً مستعرة، فعن اي اصلاحات يتحدث الرجل، وهو يعدنا بأن رواتب المسؤولين ستخفض الى حدود ١٠ مليون دينار، في وقت يهتف الشباب الغاضب في الساحات وهو لا يجد ٢٥٠ دينار فقط ثمن شراء قدح شاي في مقهى شعبي، ولا ندري لماذا ذكرتنا هذه المقاربة بماري انطوانيت حينما كان الشعب يحتج في الساحات سألت المحيطين بها عن سبب احتجاجهم الصاخب، قيل لها انهم يطلبون الخبز فلا يجدوه، فقالت ببلاهة شديدة اعطوهم الكيك بدلاً عن الخبز!
*
اضافة التعليق