بغداد- العراق اليوم:
زيا وليد توصف حكومة عبد المهدي بحكومة “مدراء المكاتب” جرى حديثٌ مطول في العراق عما يُسمى “الدولة العميقة”، والمقصود هو المناصب العليا من الدرجات الخاصة التي توزع عادةً بطريقة المُحاصصة، واستحوذت الكتل الكبيرة ـ أبرزها دولة القانون بزعامة نوري المالكي ـ على النسبة الأكبر من هذه المناصب، حيث يُسيطر أصحاب تلك الدرجات على المفاصل العملية في الدولة. الظاهرة الجديدة في حكومة عادل عبد المهدي هي صعود مدراء المكاتب من “أبو جهاد” امتدادًا إلى الوزارات لكن الظاهرة الجديدة في حكومة عادل عبد المهدي هي بروز مديري مكاتب الوزراء، والحديث عن دورهم الكبير في إدارة الوزارات دون الوزير. وربط بعض المطّلعين ذلك بعملية شراء المناصب، فالوزير الذي اشترى منصبه لا يسعى إلا للمكسب، أما الإدارة الفعلية فهي لمدير مكتبه، فيما ذهب البعض الآخر إلى أن الكتل السياسية التي تحصل على وزارة ما، تفرض مدير المكتب على الوزير لتمشية مصالحها، خاصةً بعد إصرار تحالف سائرون وغيره على “التكنوقراط المستقل”، ما دعا بعض الكتل لترشيح شخصيات من خارج الدائرة الحزبية لتولي المنصب، وبذلك يكون تعيين مدير مكتب الوزير ضرورة للالتفاف على استقلالية الوزير. ربما لا يكون الموضوع جديدًا، إذ سبق وأشارت النائبة في الدورة البرلمانية السابقة ابتسام الهلالي، إلى أن “مدير مكتب وزير المالية وكالةً هو من يدير هيكلية وعمل الوزارة نيابة عن الوزير عبد الرزاق العيسى، وذلك للتغطية على ملفات الفساد في الوزارة وعدم كشفها للرأي العام”، مطالبة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي بالتدخل. “فسادٌ يزكم الأنوف” لكن الظاهرة أخذت بالاتساع أكثر فأكثر في حكومة عبد المهدي، وربما لذات السبب، الأمر الذي يؤكده نواب ومراقبون. يقول النائب عن تيار الحكمة علي البديري، إن “هناك الكثير من الوزارات تُدار من قبل مكاتب الوزراء التابعة إلى جهات سياسية لحمايتهم من الاستجواب”، مشيرًا إلى أن “مديري مكاتب الوزارات ليسوا أصحاب اختصاص، وهم من يتحكم بالوزير”. تقول “رابطة الشفافية” إن أشخاصًا غرباء شغلوا منصب مدير مكتب وزير وأصبحوا “أدوات” للسيطرة على العقود والمصالح الاقتصادية لصالح أفراد وعائلات مشهورة بالفساد فيما تقول “رابطة الشفافية” في العراق إن “أقوى الأشخاص في بعض الوزارات والإدارات الحكومية هم مديرو مكاتب بعض الوزراء وليس الوزراء أنفسهم”، مؤكدة “رصد سبع حالات تعيين مدراء جُدد في مكاتب الوزراء من خارج الوزارة نفسها، منحت لهم صلاحيات واسعة بحيث أصبحوا هم الوزراء الذي يُديرون شؤون التعيينات والعقود والقضايا المالية”. كما وصفت أشخاصًا غرباء شغلوا منصب “مدير مكتب الوزير” بـ “الأداة التي يستخدمها آخرون من خارج الوزارات للسيطرة على العقود والمصالح الاقتصادية لصالح أفراد وعائلات مشهورة بالفساد”. وفي دعوتها إلى رئيس الوزراء لمنع استقدام أشخاص من خارج الوزارات للعمل كمديري مكاتب بعض الوزراء، أشارت إلى المجلس الأعلى لمكافحة الفساد، بالقول، إن “تعامل هذا المجلس مع ظاهرة مدراء مكاتب بعض الوزراء هو الامتحان الأول والجدي لمعرفة إن كان هذا المجلس فعّالًا أم أنه فخري يتفرج على المشهد”. كما طالبت المجلس بأن “يُلغي جميع القرارات التي اتخذت منذ تعيين بعض الوزراء الجدد لأننا أمام نمط جديد ومبتكر لسرقة المال العام والهيمنة على عقود الوزارات والمصالح”. في خضم الحديث عن سطوة مديري مكاتب الوزراء على الوزارات، تصدر تصريحات أو تلميحات هنا وهناك عن بعض الوزارات المشمولة بهذه الظاهرة، وسبق للمرشح لمنصب مدير عام في وزارة الصناعة فؤاد وتوت أن كشف عن إدارة الوزارة المذكورة بواسطة مدير مكتب الوزير. يقول وتوت إن “وزير الصناعة الحقيقي هو مدير مكتب الوزير، ويُدعى (أبو شمس)”، مبينًا أن “أبا شمس مقرب من النائب أحمد الجبوري (أبو مازن) وهو من يدير الوزارة التي باعها الجبوري للوزير الحالي بمبلغ 150 مليون دولار”. يتولى مدراء المكاتب إصدار القرارات وإبرام الصفقات، وبات تغيير مدير مكتب من شروط تمرير الوزير أما عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية رياض التميمي فيقول، إن “مدير مكتب وزير النقل الحالي (الأستاذ حسام) هو من يقود الوزارة، وقد يكون المسؤول عن مصادقة الوزير على عقود مليئة بالمخالفات والفساد وهدر المال العام كالعقد مع شركة منسز البريطانية”. وزراء لا يقرأون البريد! تشير تلك المعلومات والتصريحات ربما، إلى أن عددًا من الوزراء لا يسيطرون على وزاراتهم وما يخرج عنها من قرارات واتفاقات، بل هي من صنع مديري المكاتب، كما يبدو أن تغيير مدير المكتب هو شرط أساسي من شروط تمرير الوزير، لضمان مصالح الكتلة التي تخضع لها الوزارة. يقول النائب عن تيار الحكمة ستار الجابري، إن “الكثير من القرارات التي تتخذ في الوزارات مخرجاتها من مديري المكاتب، حتى إحالة المشاريع وهوامش الكتب، وحتى القرارات التي تصدر من اجتماعات مجلس الوزراء تذهب لمدير المكتب وتجري بمتابعته، دون أن يطلع عليها الوزير”، “وصل الحال إلى أن الوزير لا يطّلع على بريد الوزارة”، يضيف الجابري. وتأكيدًا لما وصفته رابطة الشفافية بالنمط الجديد لسرقة المال العام، يُشير الجابري إلى أن “لمديري المكاتب بعض الصلاحيات، لكن طريقة إدارتهم تعتبر مخالفات قانونية، وهذا يدل إما على ضعف الوزير، أو أنه يخاف أن يضع هامشًا على الكتب التي لا يقتنع بتمريرها تجنبًا للملاحقة المستقبلية، حيث يعصب المسؤولية برأس مدير المكتب”. ويؤكد النائب أن “وضع الوزير شكلي، ومدير مكتبه هو من يدير القضايا الجوهرية”. عن صلاحيات الوزير في اختيار أعضاء مكتبه، يقول الجابري إن “رئيس الوزراء نفسه لم يختَر فريق عمله، والوزراء فرضوا عليه كواقع حال”. ويضيف: “حتى القائمقام لا يستطيع اختيار ولو نسبة 10% من فريقه وفق الصلاحيات”. يؤكد نواب أن ملف مدراء المكاتب وضع ضمن ملف استجواب عدد من الوزراء وقد أحيلت ملفات عدة وزارات إلى لجنة مختصة ورفض الجابري تسمية الوزارات التي يديرها مديرو المكاتب، إلا أنه أكد وجود هذا الملف من ضمن الأسئلة التي وضعت للوزراء في استجواباتهم القادمة، مبينًا أن “ملفات وزارات الزراعة والصناعة والنقل والكهرباء والمالية أحيلت إلى لجنة نيابية مختصة لدراسة إن كانت ترتقي للاستجواب أو الإستضافة ! يصف النائب طلال الزوبعي، حكومة عبد المهدي، بـ “حكومة مدراء المكاتب”، لافتًا إلى أن “بعض الوزراء لا يستطيعون التحدث مع مديري مكاتبهم”.
*
اضافة التعليق