بغداد- العراق اليوم:
مسلم عباس
عندما تتعرض اكبر شركة لانتاج النفط في العالم لاكبر هجوم عسكري، واكبر خسارة لها دفعتها للتوقف عن جزء كبير من انتاجها، فانها سوف تسحب أسواق النفط معها الى ثقب اسود من الارتباك وعدم اليقين، ومن يقف خلف كل هذه الضجة العالمية هي جماعة مسلحة رفضت السعودية والولايات المتحدة تصديق روايتها التي تبنت اطلاق عشر طائرات مسيرة على منشآة النفط في "بقيق" وخريص". لم تتهم الولايات المتحدة ايران بتحريك حلفائها فقط، بل حددت مكان انطلاق الهجوم، وقالت انه جاء من الأراضي العراقية، لكنها لم تقدم دليلاً مقنعا بحقيقة الأرض التي انطلقت منها الصواريخ، سوى بعض الفيديوهات التي نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام التي تقول انها لصواريخ من العراق. الحكومة العراقية رفضت هذه الاتهامات، وأكدت انها تحرص على عدم استخدام أراضيها لضرب دول الجوار، فأي رواية نصدقها؟ هل فعلا اطلقت الصواريخ من العراق؟ وهل يمكن لإيران استخدام الأراضي العراقية بهجوم كبير كهذا؟ واذا توفرت هذه الامكانية فهل كل ما بجعبتها يمكن ان تفرغه في يوم واحد؟ بمعنى ان إمكانية استخدام الأرض لا يعني ان حلفاء ايران هم من قاموا بالهجوم؟ الرواية الامريكية هي الأضعف معلوماتياً ومنطقياً، فهي لم تقدم معلومة موثقة، رغم امتلاكها كل التقنيات التي تجعلها قادرة على اكتشاف التحركات العسكرية الإيرانية وحلفائها سواء في العراق او اليمن او سوريا او أي مكان اخر، فهذه إسرائيل التي تعد قوة صغيرة مقارنة بالولايات المتحدة تقوم بضرب المنشآة الإيرانية في سوريا بشكل دائم، رغم ما تتمتع العمليات الإيرانية من سرية محكمة، فكيف بالولايات المتحدة التي تسيطر رسمياً على الأجواء العراقية، ولماذا لم تصور عمليات الاطلاق، او مسار الصواريخ المزعومة. لو امتلكت الولايات المتحدة جزءا يسيرا من المعلومات حول وجود ضربة من العراق، لعرضتها، لكن التسريب بان الصواريخ انطلقت من العراق هو محاولة لتبرير الضغط على ايران، عبر اتهامها باستخدام دول الاقليم لشن هجمات على خصومها، فضلا عن تاليب الرأي العام العراقي ضدها، بالتزامن مع حملة دعائية شرسة ضد كل ما هو ايراني او يرتبط بايران. واذا تحدثنا عن تحريك ايران لحلفائها فهي ليست دولة بهذه البساطة لترتكب مثل هذه الاخطاء، فاليمن هي افضل طريق لضرب السعودية لانها تتعرض لعدون منذ خمس سنوات، ومن ثم فان العملية العسكرية التي تقوم بها جماعة انصار الله "الحوثيين" يوجد لها مبرر كنوع من الرد على الضربات الجوية السعودية المستمرة منذ خمس سنوات. قد يستحضر الجانب الأمريكي والسعودي التهديدات الإيرانية ليلصق بها التهمة، فهي قالت سابقاً بان تصفير نفطها يعني عدم بيع الاخرين لنفطهم، والتقارير تتحدث عن تصدير طهران لاقل من ٤٠٠ الف برميل يوميا، ما يعني انها اقتربت كثيرا من الصفر، فماذا تنتظر لتنفذ تهديداتها، لقد جاء وقت التنفيذ، والمستهدف منه السعودية بكل تاكيد، وايران مستعدة للذهاب بعيدا في حرب مفتوحة، لكن هي تختار الطريقة المناسبة للرد، ولا يمكن تبسيط الامور والترويج لفرضية الضربة الصاروخية من الاراضي العراقية، ليس لان ايران لا تملك نفوذا في هذا البلد، بل لان لديها خيارات عدة اقل تكلفة فيما لو استخدمت الارض العراقية. ولو صحت التقارير التي تتحدث عن تحريك ايران لحلفائها فهذا يكشف عن حجم التخبط لدى القيادة الايرانية، لان الورقة العراقية من القوة بمكان يجعلها اخر ورقة تحرقها، واي ضربة من العراق تعني احتراق هذه الورقة، فهل يعقل ان ايران تفرط بها؟ لم تحترق الورقة اليمنية بعد، ولم تحترق ورقة حرب الناقلات، ولم تحترق ورقة الهجمات السيبرانية واسعة النطاق، وهذه المعطيات كلها تجعل إمكانية تصديق رواية الهجوم من الأراضي العراقية محض دعاية لتهييج الرأي العام العراقي ضد طهران وخصومها الذي يحكمون سيطرتهم شبه المطلقة على العراق، فضلا عن اظهار ايران على انها دولة مارقة ويجب على المجتمع الدولي ان يقف ضدها خوفا على مصادر الطاقة.
*
اضافة التعليق