بغداد- العراق اليوم:
تتكشف بين الحين والاخر، قصص وخبايا من “عالم داعش”، ولاسيما الجانب الاجتماعي منه، ومايستخدمه من وسائل مختلفة ومتنوعة، لتعزيز اعداده، ففضلا عن استخدامه التغرير الديني والعقائدي لاجتذاب عناصره، يستغل في احيان اخرى “السلوك الرومانسي” للايقاع بنساء يعانين من مشاكل اجتماعية او زوجية وعاطفية. كانت “كلثوم” تعيش حياة طبيعية في كردستان إلى أن تعرفت عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي على شخص يعيش في منطقة نفوذ خلافة أبي بكر البغدادي، تبادلت معه الرسائل النصية خلال فترة ليست بالطويلة لتقرر كلثوم الرحيل عن أربيل والتوجه إلى “الجنة” التي صورها لها الرجل، لكنها الآن تقول إنها لم تكن الجنة الموعودة. كلثوم، هو الاسم المستعار لامرأة كردية من سكان أربيل، تركت ثلاثة أولاد لها في تموز 2015 وذهبت عن طريق تركيا إلى سوريا، حيث الرقة عاصمة خلافة أبي بكر البغدادي. ثم عادت بعد 15 شهراً إلى كردستان. الطفل الذي أنجبته من أحد المسلحين الدواعش بات مشكلة تمنعها من العودة إلى زوجها السابق. كان بين الدواعش، إلى جانب الرجال، نساء كرديات سواء اللواتي التحقن بهم بإرادتهن ككلثوم، أو اللواتي رافقن أزواجهن، وقد عاد قسم منهن وهن الآن في السجون، بعضهن نادمات ويرين أنهن قد غرر بهن، وبعضهن متمسكات بأفكارهن ويعتقدن أنهن سلكن الطريق الصحيح.
عروس صغيرة
قبل أن نحدثها عن الرقة وداعش وأبو يحيى، نسألها عن ماضيها وطريقة زواجها وكيف كان زوجها. كلثوم التي تبلغ الآن ثلاثين عاماً، تقول إنها تزوجت وهي صغيرة بوساطة صديقة لها تدعى تارا: “ألفت صديقتي تارا كثيراً وأحببتها، كنت في الثالثة عشرة عندما جاء أهلها لخطبتي لأخيها عمر الذي كان يكبرني بعشر سنوات. لم أكن أعرف ما هو الزواج لكني وافقت عليه، كنت أظن أني سأكون مع تارا عندما أذهب إلى دارهم. لم تكن أمي قد أخبرتني شيئاً عن الحياة الزوجية. بعد حفل الزفاف، كانت هناك غرفة معدة لنا أنا وعمر، بكيت وقلت أريد النوم مع تارا، حتى أني كنت أصحب دميتي معي”. لم تشعر كلثوم بالارتياح لتلك الزيجة، لكنها كانت مضطرة للاستمرار مع عمر: “كان عمر يحبني حباً جماً، وكان يوفر لي كل ما أطلب، لكني لم أكن أشعر بشيء نحوه”.
صفحة استدرجتها إلى الرقة
حسب كلثوم، كان زوجها مشغولاً بالعمل باستمرار، لم تكن لديهما فرصة للخروج معاً إلا قليلاً، وكانت هي تقضي كل وقت فراغها في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي. تقول كلثوم: “كنت أتلو القرآن وأعبد الله، وأتصفح الصفحات الدينية باستمرار، كان بعضها يلفت انتباهي. في أحد الأيام اطلعت على صفحة اسمها “نحو نور الإيمان” وبعد قليل حياني رجل، فرددت التحية بدون أن أعرفه”. كان الدين موضوع الحوار بين كلثوم والرجل: “كان يحدثني عن الصلاة وعن الدين، واستمر هذا أسبوعاً وبعدها طلب الرجل أن نتحدث. كانت تلك المرة الأولى التي أكلم فيها رجلاً من غير محارمي، كان كل جسدي يرتعش، لكنه كلمني بأسلوب ينم عن الرحمة وأخلاق المؤمنين العالية، وقال لي إنه يشعر بأن عندي مشكلة مع زوجي، وإنه يريد أن يعلمني الصبر والتحمل”. حدث الرجل كلثوم بلهجة جعلتها تتعلق به كل التعلق: “حدثني ربع ساعة يومها. جعلني أشعر بطمأنينة نفسية. طلبت لقاءه في اليوم التالي. فقال هل أنت مستعدة للمجيء أينما كنت؟ فوافقت. بعث لي صورة له وهو يرتدي زي المجاهدين وقال أنا أبو يحيى وأنا كردي وفي الرقة، الحياة والآخرة يجتمعان هنا، النساء هنا سلطانات، يتمتعن بإيمان طاهر وحرية كاملة”. لم تفكر كلثوم ولم تستشر أهلها ولا حتى صديقتها تارا، وقررت الذهاب إلى أبي يحيى: “بعد عشرة أيام قررت الذهاب إلى سوريا، كان معي 1500 دولار، وقال لي اذهبي إلى المكان الفلاني وسيأتي أحدهم ويعطيك 2700 دولار استخدميه للسفر إلى تركيا. في اليوم التالي التقيت شاباً في المكان المحدد أعطاني المال ثم وخلال ثلاث ساعات استحصل تأشيرات سفر إلى تركيا لي ولأولادي الثلاثة، في 24 تموز 2015، وبعد أن غادر زوجي الدار قمت بتنظيف البيت ثم انطلقت مع ذلك الشاب إلى المطار حيث عاد هو وسافرنا نحن إلى تركيا”. في نفس اليوم، اتصل أبو يحيى بوالد كلثوم وأخبرها بأن ابنته التحقت بـ”المجاهدين” وهي الآن في طريقها إلى سوريا عن طريق الموصل. كانت تلك حيلة لجعل أهلها يبحثون عنها في مكان آخر. كان استدراج الناس وكسبهم للانضمام إلى داعش ممنهجاً ويسير وفق خطة مرسومة بدءاً بمحل سكن المجند الجديد لحين وصوله المكان المقصود. تقول: “عندما وصلنا إلى مطار إسطنبول تبعنا رجل عربي، وأخذنا إلى بيت فتحت بابه امرأة منقبة سمينة، حدثها الرجل بالتركية ثم تركنا، مكثنا هناك ثلاثة أيام، وكان يتردد على البيت نساء وأطفال وبصورة مستمرة، كنا 28 امرأة وكنت الكردية الوحيدة والبقية عربيات”. لم يكن أولاد كلثوم يعرفون شيئاً ولا يدرون إلى أين هم ذاهبون، إلا ابنتها ذات الاثنتي عشرة عاماً التي كانت تسأل أمها بين الحين والآخر: إلى أين نحن ذاهبون؟ فكانت ترد عليها: “إلى حيث يشاء الله”.
كيف تحولت إلى أم يحيى؟
تقول كلثوم إن وجبة كانت تغادر بيت إسطنبول في كل مرة، وفي اليوم الثالث صحبهم رجل تركي إلى أضنة: “جمعوا كل النساء والأطفال في بيت واحد، وفي الساعة الواحدة بعد انتصاف الليل انطلقنا إلى سوريا، نسير في بعض الأماكن على الأقدام وفي مناطق أخرى نستخدم السيارات، لكن الذي أثار استغرابي أن نقاط التفتيش لم تكن تسأل عن مقصدنا”. بعد 12 ساعة، وصلت كلثوم وأولادها إلى سوريا: “ترجلنا جميعاً في مكان ما، ورأينا علم الخلافة، ثم اقتادونا إلى قاعة كبيرة يسمونها المضافة، كانت النساء والأطفال مجتمعين هناك، لكنهم كانوا يأخذون كل صبي تجاوز الثامنة من العمر وينقلونه إلى القسم المخصص للرجال، كانوا يحققون بدقة مع الملتحقين الجدد بداعش. يسألون عن الجماعة التي ينتمي إليها ومن الذي دعاه للجهاد؟ وكان هناك رجلان يطوفان علينا مع قائمة ويعيدان تسميتنا، وعندما قلت إنني جئت عن طريق أبي يحيى سمياني أم يحيى”.
اللقاء بأبي يحيى
مكثت أم يحيى ثلاثة أيام تنتظر أبا يحيى في قاعة الانتظار. في اليوم الثالث، ظهر أبو يحيى مع زوجته، وحملا معهما أم يحيى إلى بيتهما. تقول أم يحيى: “كان بيت أبي يحيى في الرقة، وفي اليوم التالي ذهبنا مع زوجته الأولى إلى المحكمة حيث طلبت الانفصال عن زوجي. سألني القاضي عن زوجي، فقلت هو في كردستان. قال لي: عليك أن تتصلي به وتطلبي الطلاق. فاعتراني الخوف ولم أتصل. فقال القاضي عليك الانتظار ثلاثة أشهر ويمكنك الزواج بعد ثلاث حيضات”. تضيف أم يحيى: “اتصل أبو يحيى بزوجي، وطلب منه أن يطلقني لأنه يريد أن يتزوجني يومها، فنفاني زوجي وطلقني، ولم ينتظر أبو يحيى حكم المحكمة وعقد علي يومها”.
تشعر بالندم
لم تكن الحياة في ظل داعش كالتي حدث أبو يحيى أم يحيى عنها، فشعرت بندم شديد: “كنا سجينات في البيوت، ولم نكن نلتقي أبا يحيى غير دقائق معدودة في اليوم الواحد، كان خارج البيت باستمرار. ندمت بعد مرور أسبوع واحد على زواجنا، أخذت أولادي وانطلقت، استأجرت سيارة أجرة وقلت له إننا عائدون إلى تركيا. لكنه توقف عند نهاية الشارع وطلب منا البقاء داخل السيارة، ثم عاد مع عدد من المسلحين الذين سألوني إلى أين أريد الذهاب، فقلت إلى تركيا”.
قال لها المسلحون بما أنها المرة الأولى التي تحاولين فيها الفرار فسنسامحك، لكنهم حذروها من أنها لو حاولت الفرار ثانية فلن يرحموها هي وأولادها.
تقول أم يحيى: “كان المسلحون كلهم يعرفون أبا يحيى فاتصلوا به، وعندما جاء كنت أرتعد، لكني قلت له ألم تخبرني بأن هذا المكان جنة وبإمكانك أن ترحلي متى شئت؟ غضب كثيراً وهددني أن لا أكرر هذه الغلطة”.
أبو يحيى يستدرج نساء أخريات
استمر أبو يحيى وزوجته الأولى في استدراج النساء إلى صفوف داعش: “كان قسم من أولئك النساء يصلن وقسم آخر يتم إلقاء القبض عليهن قبل وصولهن، لكن أبا يحيى لم يتزوج امرأة أخرى، أمضينا حياة قاسية وصعبة، لم يكن للنساء الكرديات أن يخرجن بدون رجل معهن، كان استخدام الهاتف ممنوعاً على النساء، والرجال وحدهم يستخدمون الهواتف النقالة، وكان أولادي يلحون علي للعودة إلى كردستان وإلى أقاربنا”. وعن النساء العربيات الداعشيات، تقول أم يحيى: “كن منفتحات وأكثر حرية، فقد اخترن ذلك الطريق عن قناعة، أما الكرديات فكن يندمن بعد قدومهن حيث غرر بهن مثلي، لهذا كان الرجال يثقون بالعربيات أكثر”. لم تستمر أم يحيى مع أبي يحيى، لهذا طلبت الانفصال عنه بعد خمسة أشهر، كانت حينها في الشهر الثالث من الحمل: “لطلب الانفصال كان علي الذهاب إلى رجل هو بمثابة مختار، وكانوا يرسلون في طلب الزوج، وإن تأكدوا من عدم إمكانية استمرار الزواج يطلبون منه أن يطلق زوجته، فأرسلوا في طلب أبي يحيى وطلقني. كان الرجال يرسلون المطلقات والأرامل إلى المضافة، فمكثت هناك نحو شهر. في المضافة لم يكونوا يجبرون أحداً على الزواج لكنهم كانوا يذلوننا ويزعجوننا، كان الطعام شحيحاً جداً، ولا يسمح لنا بالذهاب إلى أي مكان، كان أشبه بالسجن”.
تزوج ابنتها ذات الاثني عشر عاماً
للخروج من هناك، قررت أم يحيى تزويج ابنتها: “كان يأتينا كل أسبوع رجلان يحملان قائمة ويسألان عمن تريد الزواج والخروج من هنا، فطلبت تزويج ابنتي لكي ننجو أنا وأولادي بفضلها، بعد أيام تم استدعاء اللواتي سجلن للزواج، وكان هناك مسلحون عرب اختار كل منهم واحدة، وكانت ابنتي من حصة شاب يقيم في الموصل، كان يكبرها بعشر سنوات وأخذنا الشاب إلى الموصل”.
كيف عادوا إلى كردستان؟
بعد أكثر من 15 شهراً، عادت أم يحيى وأولادها إلى كردستان: “كانت ابنتي قد تزوجت منذ ثلاثة أشهر عندما قتل زوجها في قصف لطائرات التحالف في الموصل، وبعد فترة عرفت من زوجته الأولى أن أبا يحيى أيضاً قد قتل، وجاءت هي مع أولادها الأربعة إلينا في الموصل، بعد ستة أشهر وضعت ابني وسميته “يحيى”، كنا نمضي حياة قاسية، لم يكن عندنا طعام، ساعدنا رجل كردي وهربنا إلى مخيم في إقليم كردستان، لكن تم إلقاء القبض علينا لأننا كنا مطلوبين”. ألقي القبض على أم يحيى في مطلع العام 2017 وحكم عليها بالسجن خمس سنوات، لكن بعد أن ميزت الحكم وظهر أنها ضحية مخدوعة تم تخفيف الحكم إلى ثلاث سنوات وستة أشهر، وأولادها الثلاثة في حضانة أبيهم. أما ابنها من أبي يحيى فعند أهلها، وتقول: “لم يسأل أهل أبي يحيى عني أو عن الطفل، والطفل بلا هوية حالياً”. وتقول: “يقول عمر إنه مازال يحبني، لأني أم أولاده الثلاثة، وإنه مستعد لإعادتي على أن أتخلى عن طفل الداعشي، لكني لا أستطيع اتخاذ قرار فيحيى فلذة كبدي كغيره من أولادي كما أنه يتيم”.
*
اضافة التعليق