بغداد- العراق اليوم: بقلم: كاظم المقدادي
لقد محوا كل ماهو جميل في بغداد خلال ستة عشر عام ... محلات وايقونات بدانا ننساها تجري في هذه الايام ، منافسة ومزايدات مبتذلة لكسب ود بغداد.. المدينة الحزينة المستباحة ، مدينة النفايات والضياع . كانت عاصمة النور للدولة العباسية ، فاصبحت عاصمة الظلام لدولة منسية. كانت ايقونة مضيئة في العهد الملكي ومطرزة بالاناقة في العهد الجمهوري ومزبله في عهد العمايم الغربان . ورغم هذا وذاك .. تتنافس الاحزاب الفاسدة للفوز بامانة بغداد ، ليس حرصا على إعمارها ، بل طمعا في تخصيصاتها ومواردها وسطوتها . بغداد بناها المنصور .. ودمرها العيساوي ، وزادها عبعوب من حفر و طفح في المجاري ، اما السيدة علوش فقد ظلت حائرة خائرة ، وحجتها هيمنة الميلشيات ، ونقص في الواردات ، و زيادة في العشوائيات والبسطيات .
اليوم / .. قررت القيام بجولة بغدادية سيرا على الأقدام ، لأرى ما لا يراه الأمناء ، ولا يهتم به الوزراء ، لمدينة بابها المعظم مخلوع.. وبابها الشرقي مرفوع . هذه ساحة الميدان امامي ..صارت ملحقا لخردة وبسطيات سوق هرج ، كانت نقطة انطلاق جميلة لشبكة نقل بباصات من طابقين ، تتوزع بشرايينها على الرصافة والكرخ ، وكان البغداديون يصطفون ولا يتدافعون ، ينتظرون ولا يتافأفون ، ويسمحون لكبار السن باختراق صفوفهم بإجلال ووقار . لحسن حظ البغداديين بقاء ( شربت زبالة ) على قيد السنين .. وهو الاقدم من جميع مدن الخليج و مدن الطين ، و اقدم حتى من آبار النفط التي وجدها الحفاة العراة على خارطة المتعبين .. ولحسن حظ المثقفين فان مقهى ( حسن عجمي ) المزحومة بجدال البنيويين ، لا تزال صامدة بوجه حواسم الثقافة من المتخلفين . واذهب بزهوي و حيرتي.. الى مقهى الشاهبندر والزهاوي ، واهدي سلامي لشيخنا الجليل محمد الخشالي ، تاركا المتنبي شاكيا له ، حال بغداد وحالي ، والمدرسة المستنصرية في طريقي و على بالي .. فرأيتها خاوية منسية تعاني من الاهمال ، لا عناية ولا اشغال ، ولا زيارات ولا سياح ، حتى اصبحت وكأنها مدرسة للاشباح . واسرع الخطى الى شارع النهر ، مكان البغداديين الحالمين برومانسيات الزمن الجميل ، وبرقي البغداديات وهن يدخلن دكاكين الصاغة ، بحثا عن عِش لخليل ، لكني وجدت الشارع يشكو والقلب عليل ، ويشاركه سوق الصفافير ، وهو الملتاع من توسع دكاكين البزازين ، فلم يعد مكانا لضجيج مطارق النحاس ، ولَم يكن مقصدا للسائحين وبقية الناس . ولَم يدر في خلدي ../ ان ( مكتبة مكنزي ) تتحول الى دكان لبيع القنادر ، انها ( القنادر ) يا ناس وليس الكتب و المحابر .. والبقية تاتي على كعك السيد والمقهى البرازيلي ومصور بابل و حسو اخوان ، وأحذية صادق محقق ورياضة الخطيب والخضيري ، و أسطوانات الجيقمقجي ، ثم هامبرغر ( ابو يونان )، ولا تبحثوا عن بقايا اسواق اورزدي باك ، اول مول في العراق ، و الذي كنا نبتاع منه ارقى البضائع الاجنبية ومنها الساعات السويسرية ، التي علمتنا ضبط أوقاتنا واحترام مواعيدنا . ولا تسالني ايها العزيز .. عن صالات السينما .. ريكس و روكسي والزوراء والخيام .. فقد تحولت الى مخازن للأثاث وعلف الحيوان .. وحالها حال ساحة حافظ القاضي التي كانت مكانا لاحدث السيارات الامريكية .. واليوم تتربع فيها وبكل اعتزاز ، فخر الصناعة الوطنية ( الستوتة ) مع عربات الحمل الشعبية.
رئيس الوزراء المهدي عادل سامحه الله .. بشرنا بافتتاح شارع الرشيد ، لكنه لم يقل لنا .. متى ستعود الأنوار والشناشيل لهذا الشارع العتيق ، ومتى سترفع التجاوزات ، ومن سيغلق محال السمكرة والصباغين ، والعدد اليدوية وزيوت الديزل و جليكانات البنزين ، وينقل البسطيات الى مكان حصين . اجزم .. وبألم وحسرة / ان الامناء لا يعرفون ماذا حل بازقة الشورجة وحرائقها ، ولا بالمدرسة الجعفرية ومن جعل بنايتها مدرسة ابتدائية .. ولا بدربونة النملة قرب صيدلية الشماع ، ولا بأخبار سوق حنون وشناشيل ( عكد القشل ) .
بغداد مدينة العشوائيات والبسطيات .. تحولت اليوم من مدينة ( الف ليلة وليلة ) الى الف مزبلة و مزبلة .. كل هذا يحدث … وإذاعة بغداد ما زالت تصر على بث رائعة فيروز .. / بغداد الشعراء والصور .. ذهب الزمان وضوءه العطر .
*
اضافة التعليق