بغداد- العراق اليوم:
بقلم محمود الهاشمي ربما استغرب كثيرون من خطاب الرئيس الاميركي ترامب اتجاه ايران ,خلال زيارته الاخيرة لليابان ولقائه برئيس وزرائها , فقد بدأ اكثر هدوء وموضوعية , بعد سلسلة من الخطابات التصعيدية والتي جعلت الكثير من المراقبين , يعتقدون أن (حربا وشيكة) بين أمريكا وايران خاصة وان واشنطن قد دفعت بالمزيد من قواتها الى المنطقة . ترى ما الذي دفع , الرئيس الاميركي الى استخدام هذا الخطاب الهاديء اتجاه ايران والذي أقله " لا أسعى لإيذاء إيران على الإطلاق" و" الإيرانيون "شعب عظيم"، و" أن إيران يمكن أن تكون دولة عظمى مع نفس القيادة" المصارحة اليابانية للرئيس الاميركي كانت واضحة بشأن الحرب حيث وضعت اليابان أمريكا امام النقاط الاتية :- 1-ان روسيا والصين يتمنيان أن تقام مثل هذه الحرب لاضعاف أمريكا و(اصدقائها) وسوف يسعيان الى دعم ايران بالشكل الذي يطيل أمد الحرب . بل أن اوربا نفسها باتت منزعجة من (الهيمنة) الاميركية واحتمال كبير تترقب ضعف امريكا , وتجد في الصين وروسيا حليفين جيدين لضمان مصالحها. وهذا ما عبر عنه المدير العام الأسبق لإدارة الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الإيرانية الدبلوماسي ”قاسم محب علي“، حيث أكد إن الصين وروسيا لا تريدان حل مشكلة إيران مع الولايات المتحدة,و إن ”اليابان والاتحاد الأووربي هما أفضل وسطاء . 2-أن اليابان تفكر ان نشوب هذه الحرب ستضعف من نفوذ أمريكا واليابان في منطقة (المحيط الهادي) حيث الخطر الاكبر للصين التي تشاركهم هذه المنطقة وتسعى للاستحواذ عليها !! 3-أن الضغط على ايران سيدفع بها للقيام بكل الاحتمالات التي من شأنها ضرب المصالح الاميركية , وليس هنالك من حدود لهذه (الضربة) وما فيها من (مفاجآت ) كما حدث من (تفجيرات الفجيرة ) و(الرياض). 4-أن شعار (امريكا اولا) الذي رفعته (امريكا) قد يؤذي (اصدقاء امريكا ) ويضعف من دورهم ونفوذهم (الاقتصادي) خاصة وان اليابان تشهد صراعا حميما مع الدول المجاورة لها مثل الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وتنزانيا وفيتنام وسنغافورة وغيرها من دول جنوب شرق اسيا التي بدأت تسابقها بالتقنية والاسواق. 5-أن الانسحاب ( الجزئي) لايران من الاتفاق النووي قد يوفر لها مبرراً لتطوير مفاعلاتها . 6- اليابانيون أطلعوا الرئيس الاميركي على تفاصيل زيارة وزير خارجية ظريف الى اليابان وما كان في حقيبته , اولا تحميل اليابان مسؤولية التوقيع على الاتفاق وضرورة الايفاء بتعهداتها وعدم الانصياع للأملاءآت الامريكية , وثانيا تحذير اليابان بان ايران ستعيد النظر بكل علاقاتها وفقا للموقف من العقوبات , وثالثاً ابدت رغبتها أن تكون اليابان راعية للوساطة بينها وبين واشنطن . لاشك هناك اسرار اخرى أكتنفت الحوار سواء بين ظريف واليابان او بين اليابان وامريكا , لكن المتسرب منها يكفي ان يبنى عليه . هناك دول أخرى أيضا سعت الى الدخول بالوساطة بين ايران وامريكا , مثل (العراق ,عمان,سويسرا,قطر ,) لكن هذه الدول لاتمتلك أن تكون وسيطا قويا مثل اليابان , وللاسباب الاتية :- 1-أن أمريكا نفسها تعترف بحجم العلاقة بين اليابان وايران وهذا ما عبر عنه الرئيس ترامب بالقول (أعلم أن رئيس الوزراء الياباني تربطه علاقات جيدة جدًا بالمسؤولين في إيران ) وهناك من يؤكد أن طلب الوساطة جاء بدعوة من (ترامب ) نفسه. 2- أن طوكيو حاولت أن تحافظ على (طريق متوازن) لضمان الأمن الأميركي والمصالح الاقتصادية مع ايران . 3- في العقود التي تلت الثورة الإسلامية 1979، لم تتقيد اليابان تماماً بمطالب واشنطن بعزل إيران والتخلص من النفط الإيراني. 4- أتاحت خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015 أي الاتفاق النووي (JCPOA) فرصة لليابان لشراء خام إيراني أرخص وتوسيع علاقاتها التجارية مع إيران، والتنافس مع الصين على العروض لتطوير البنية التحتية الإيرانية، وتأمل ألا تخسر صفقات تجارية مربحة في إيران لصالح المنافسين الاستراتيجيين مثل الصين. ، التي مكنتها مبادرة الحزام والطريق (المعروفة بطريق الحرير) لتكون صاحبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الأعلى في المنطقة. 5- إن اليابان لديها وجهة نظر محايدة مما يمنحها ميزة في نزع فتيل التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، بالإضافة إلى ما تتمتع به من "المصداقية الدولية" التي يحتاجها من يقوم بدور الوساطة. 6-تتمتع اليابان تقليديا بعلاقات جيدة مع إيران. جزء من هذا يعتمد على حاجة اليابان للنفط، إذ تعد إيران ثالث أكبر مورد للنفط الخام لليابان. كما لدى اليابان صفقة بقيمة 5 مليارات دولار مع إيران للتنقيب عن الغاز الطبيعي في الخليج وتطويرها. وان حربا مثل هذه ستشكل خطرا على مصالحها . هذه العناوين وغيرها جعلت اليابان تعمل أن تكون وسيطا مقبولا لدى ايران وامريكا , خاصة وان الولايات المتحدة ترى باليابان حليفا قويا في معركتها الاقتصادية مع الصين , وان خسارتها يعني خسارة النفوذ الاميركي في منطقة المحيط الهادي ,بالاضافة الى ان الاقتصاد الياباني يعاني من كساد لاسباب يطول شرحها , في ذات الوقت فان ايران ترى باليابان بلدا مؤثرا ومتفهما للازمة حيث بينما كان نائب الرئيس الأميركي مايك بينس يهاجم إيران خلال قمة وراسو حول أمن الشرق الأوسط في (شباط) الماضي، كان رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني في طوكيو للقاء آبي !! بقي السؤال :- ماهي الاوراق التي سوف تقدمها اليابان لكلا الطرفين لنجاح التفاوض ؟ هذه الامور تحكمها ظروف البلدين ( امريكا وايران) , ففي الوقت الذي تراهن فيه أمريكا على الحصار الاقتصادي على ايران , واحتمالية أن ينتفض (الشارع ) الايراني على حكومته , تراهن ايران على صمود شعبها و عمقها الاستراتيجي والتراجع الاميركي يوما بعد يوم بسبب السياسات الاميركية الحالية والسابقة سواء على مستوى الداخل الاميركي أو خارجه , كما تراهن على فشل الحصار الاقتصادي عليها وكسره من قبل دول اوربا وروسيا والصين والهند وتركيا لتضرر مصالحها , وتضرر مصالح الشركات الاميركية نفسها , في ذات الوقت فان (الصدمة ) التي تلقتها دول الخليج عقب تفجيري الفجيرة والرياض ودون ادنى رد من الجانب الاميركي الذي دفعت له المليارات من أجل حمايتها , يجعل دول الخليج وخاصة السعودية والامارات في موضع القلق واحتمال ان يذهبا للعلاقة مع ايران لضمان امنهما اكثر. لكن الاوراق التي يمكن التكهن بها , تقع في هذه المعادلة أن ايران تطالب بفك الحصار عنها دون قيد أو شرط والعودة الى الاتفاق النووي دون شروط أخرى تضاف , وامريكا تريد الضمان لامن أصدقائها وعلى رأسهم اسرائيل ودول الخليج وانحسار النفوذ الايراني بالشكل الذي لايتضارب مع المصالح الاميركية . قد تبدو المعادلة صعبة في شكلها العام , ولكن ما يساعد على تطبيقها هو حاجة البلدين لذلك , فايران تدرك التأثير الاميركي وقوتها , ولاتريد أن تصصدم بالشكل الذي يفرض على أمريكا المواجهة , وامريكا ادركت ان ايران رقم صعب , ولا يمكن المغامرة معه باي حرب , وان الذهاب الى ذلك اشبه ماتكون بـ(الورطة) وستكون لصالح اعدائها . أمريكا ستطرح ثلاثة اوراق :- 1-ان تنخرط ايران بالمشروع الاميركي وتعود الى سابق عهدها ,في زمن الشاه (شرطيا على الخليج) مقابل ضمان مصالحها ومصالح امريكا , وهذا الامر غير مقبول لدى ايران لانها ستفقد جوهر عقيدتها التي تأسست على اساسه(ولاية الفقيه)!! 2-أن تقف موقف (الحياد) اتجاه مايجري بالمنطقة مقابل ضمان مصالحها ورفع الحصار , والعودة الى الاتفاق النووي . 3-أن يتم الوقوف حيث تفاهمات (الاتفاق النووي) اي قبل الانسحاب الاميركي منه ,مع اضافة ملحق ,فيه بعض الضمانات للمزيد من الاستثمارات الاميركية في ايران وخاصة في مجال الغاز. لاشك هناك ربما اوراق اخرى , سيتم طرحها , ولكن (المعادل الموضوعي) لكل هذه التفاهمات هو حاجة البلدين لاتفاق ينهي الازمة . رئيس الوزراء الياباني سيقوم بزيارة لايران يوم الاربعاء المقبل وسيلتقي بكبار المسؤولين بما في ذلك السيد القائد الخامنئي ,وهي اول زيارة لمسؤول ياباني بهذا المنصب الى ايران منذ اربعين عاما,وعرف عن اليابان انها تفكر بعقل اقتصادي أكثر من السياسي , وهي دولة واقعة في دائرة المشكلة , وحتما انها استلمت كل الاوراق من الطرفين , وادركت معنى أن تحترق منطقة الشرق الاوسط بحرب لانهاية لها و مدى تأثير ذلك على المنطقة والعالم . بقي ان نذكر ان الأوراق بيد ايران هي الاقوى لانها مدركة بان امريكا في (ورطة) وأنها ترغب بالانسحاب بعد سلسلة التراجعات التي شهدتها بالمنطقة والعالم ،وتحتاج الى من يؤمن لها الانسحاب دون (جلبة) ودون (التأثير) على الانتخابات المقبلة سواء لترامب او للحزب الجمهوري ،وهي أوراق كفيلة لضمان الكثير من الامتيازات لصالح الامة جمعاء .
*
اضافة التعليق