من ذاكرة بغداد

بغداد- العراق اليوم:

أن فيضان بغداد 1954هو من أخطر الفيضانات التي جابهت بغداد والعراق في القرن العشرين ، يقول وزير الزراعة في ذلك العهد الاستاذ عبد الغني الدلي ان جملة  تدابير  قد اتخذت إزاء فيضان بغداد عند حدوثه منها تقوية السدود الضعيفة وتنسيق العمل والمراقبة والواجبات لموظفي الري والإدارة وغيرهم،

‏وصلت إلى درجة خطرة يوم 25 آذار /مارس 1954  وأعلنت البلاغات الرسمية أن الزيادة لم يسبق لها مثيل منذ 48 عاما وواصلت المناسيب ارتفاعها فتولى الجيش  والشرطة والأهالي حراسة السدود ووزعت الدوائر ‏المختصة المواد اللازمة لمجابهة الفيضان وسخرّت الحكومة كل المكائن والآلات التي كانت الشركات الأجنبية تستخدمها في تبليط الشوارع وإقامة  المنشآت وقاربت الزيادة 36 متر في 26 آذار وهو المنسوب الذي يفوق درجة الخطر بمتر واحد

‏فنامت بغداد ليلة 27  آذار وهي في حالة رعب وفزع وأضطرت سلطات الري أن تفتح اربع كسرات في مناطق الخفاجي والرفيع واليهودية والداوودية، وبقي الناس ليلة 28/ آذار حتى الصباح وهم خائفون يدعون ويكّبرون ، فقد بدأت المياه تتسرب الى الدور والمؤسسات،

‏وفي تلك الليلة الصعبة اجتمع كل رجالات الدولة العراقية من رؤساء الوزراء السابقين والوزراء والمسؤولين وبعض النواب والأعيان في اجتماعهم الشهير مع مجلس الوزراء الذي أتخذ بعد مناقشة دقيقة للموقف قرار بإخلاء بغداد إخلاءً جزئيا وجاء في البيان انه من المستحسن أن ينقل الشيوخ ‏والأطفال الصغار والمرضى من المناطق المجاورة للسداد الشرقية إلى جانب الكرخ بحيث تسكن كل سبع عوائل في دار واحدة ، في بغداد زهاء  ‫3\4‬ المليون نسمة يسكن ثلثهم في جانب الرصافة المعرض للغرق حتما ...

‏هنا التفت وزير الداخلية الاستاذ سعيد قزاز ليسأل مهندس الري البريطاني عن درجة الخطر المحدق بالعاصمة فلما إجابة المهندس انه درجة الخطر قد تبلغ 95% أعلن الوزير قزاز بأنه يخالف هذا القرار لما يولد تنفيذه حالات  إرباك وأندفاع وفوضى قد تؤدي الى التهلكة والدمار.. ولما حضر الأمير عبد الإله الى الاجتماع وجد نفسه بين قرار لمجلس الوزراء و معارضة شديدة من جانب وزير الداخلية وكانت وجهة نظر سعيد قزاز  ان في بغداد جسرين فقط فسوف  تسود حالة  الهرج والمرج وستقع مذابح لا تعرف مغبتها ولا يمكن تلافي اضرارها، ‏وأعلن ‏وزير الداخلية بياناً الى الشعب العراقي بنبرة حزينة ونفس كسيرة  قابلها الناس بالعويل والبكاء وكذب البيان الأخبار التي تحدثت عن بعض الكسرات في سدود مدينة بغداد... لابد من ذكر الوقفة الجريئة والعقلانيه لوزير الداخلية حيث رفض اخلاء  مدينة بغداد ، اما المساحة التي غمرتها مياه الفيضان فقد تجاوزت مليوني فدان وأن عدد الذين نكبوا بسببها كان نحو ‫ ربع مليون  نسمة ، اما الأضرار المادية التي لحقت بالطرق والأراضي الزراعية وغيرها فقد تجاوزت 35 مليون دينار وقد غرقت  بغداد الجديدة برمتها ولم تبقى منها الا كور  الطابوق و غرقت حدائق الوزيرية ‏بمياه المجاري وغرق معسكر الرشيد بما فيه من عتاد وارزاق وغرق كل ما كان خلف سدة ناظم باشا وكانت الطائرات الهليكوبتر تنقذ المحصورين  من المياه والقت  هذه الطائرات ‏25 طن من المواد الغذائية و تبرع ملك السعودية سعود بن عبد العزيز بمليون ونصف ريال و تبرع أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم الصباح بمئة الف دينار و شيخ البحرين بس 7500دينار و قداسة البابا 3000 دولار و تبرعات الهند 40 الف روبية ، ‏وإيران بمليون ريال إيراني و جمعية الهلال الأحمر بخمسة آلاف دينار وسمحت حكومة بغداد بإجراء اكتتاب عام بمئة الف دينار وارسلت حكومة مصر وتركيا والأردن وسوريا  بعثات طبية اما بريطانيا فقد تبرعت بألف خيمة ، وبخمسة ملايين كيس رمل نقلتها الطائرات الخاصة،

‏لم تقتصر الأضرار على بغداد حسب فقد حل  بلواء  الكوت ما حل  بلواء بغداد ولحقت لواء العمارة اضرار عظيمة وتعرض لواء البصرة إلى أخطار جسيمة وانقطعت المواصلات بين بغداد ومعظم المدن وتعطلت الملاحة في دجلة لقد كان ذلك الحدث قد هز وجدان كل العراقيين وهبّوا جميعا من الدولة والمجتمع لإنقاذ العاصمة التي عاشت محنة تاريخية كبرى.....

علق هنا