بغداد- العراق اليوم:
فارس صالح مهدي مراقب جوي متقاعد بعد ان اثارت تصريحات النائبة في لجنة الخدمات عواطف نعمة، زوبعة تنم عن عدم دراية، مستندة الى ضعف المعلومات وتزييفها، لفت إنتباهنا، بل واثار اهتمامنا هذا الملف الحيوي، الذي يهم اجواء العراق وسلامتها، لذلك قمنا بجمع المعلومات من لجنة الخدمات، ومن غيرها من المصادر الأخرى، فكانت الحقيقة صادمة بكل المقاييس. وأترك للقراء الكرام الحكم في الأمر. بعد احتلال العراق عام ٢٠٠٣ قام الأمريكيون بالاشراف على إدارة اجوائه، فجمدوا عمل سلطة الطيران المدني العراقي تماما، وعهدوا بإدارة اجواء العراق الى شركة Washington Group ، ولا يعلم الكثير من العراقيين ان اجواء العراق كانت تدار من قاعدة (عيديد) في قطر !. وجميع أذونات دخول الأجواء العراقية كانت تصدر من هناك (أي من قطر)، وقد كانت هذه الشركة الامريكية بإشراف مستشار النقل والطيران في السفارة الامريكية في بغداد (كارلوس كوستيللو). في عام ٢٠١١ تعاقدت وزارة النقل مع شركة بريطانية متخصصة بإدارة الأجواء وهي شركة "سيركو" العالمية التي تدير المجال الجوي لأكثر من ٥٦ بلداً في العالم، منها ١٤ دولة أوروبية، كما تدير اجواء البحرين منذ ٥٠ عاما، وكذلك اجواء كل من الإمارات وقطر وعمان. وطريقة تعاقد وزارة النقل مع هذه الشركة كان بصيغة عقد خدمة سنوي لإدارة الأجواء، وتدريب المراقبين الجويين العراقيين. وقد تم تجديد عقد الخدمة هذا لمرات عدة، ولكن في النصف الثاني من العام ٢٠١٥ طلب وزير النقل العراقي حينها (باقر جبر صولاغ ) من الشركة إيجاد وسيلة اخرى للتعاقد بدلا من عقد الخدمة الذي يكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات سنويا، ونظراً لضغط نفقات الدولة، ولقلة التخصيصات المالية لميزانية عام ٢٠١٦ بسبب هبوط أسعار النفط، طلب (الوزير صولاغ) آنذاك تمديد عقد الشركة لمدة عام واحد فقط، حيث ينتهي في نهاية عام ٢٠١٦ ، على ان يكون التمديد الأخير. وفعلا شرعت الشركة بإعداد صيغة تشغيل مشترك لإدارة الأجواء ولمدة محددة، فقدمت الفكرة الى وزارة النقل، وطلب وزير النقل حينها انشاء ورشة عمل مشتركة بين الشركة البريطانية وسلطة الطيران المدني العراقي، لمناقشة الفكرة والوصول الى افضل السبل لفهمها، كونها تجربة جديدة على قطاع حكومي، وعلى وزارة النقل أيضاً. وفعلا تم عقد ورشتي عمل (حسب تصريح احد رؤساء الأقسام في سلطة الطيران المدني)، وكانت الاّراء تصب بالاتجاه نحو شراكة بين الشركة البريطانية وسلطة الطيران المدني العراقي، وهم ملامحها هي: - حاجة العراق الى شريك فني ومهني يعمل وفق المعايير الدولية ككيان (وليس افراداً) ، في ظل افتقاد العراق الى الأهلية الفنية والدولية، كوّن إجراءات السلطة العراقية لم يتم تدقيقها من منظمة الطيران الدولية المعروفة اختصاراً ب ( ( I C A O ، وهذا التدقيق يسمى اختصاراً ( USOAP )، والعراق للأسف واحد من خمس دول في العالم لم تجتاز هذا التدقيق !! وعليه فإن السلطة العراقية وحدها غير قادرة على إدارة اجواء العراق، لانعدام ثقة شركات الطيران بهذه القدرة. - يتم من خلال هذه الشراكة إدارة وتصميم وتسويق وتأمين الأجواء العراقية من خلال شركة مختصة جديدة، تسمى الشركة العراقية لإدارة الأجواء، تتولى تدريب المراقبين العراقيين، وتأهيل العدد الكافي منهم لاستلام مهمة إدارة الأجواء . - ينضم قسما الرقابة الجوية، والاتصالات، بملاكيهما الاداري والفني الى الشركة الجديدة، وبضمنها رواتب المراقبين لتحسين مستواهم المعاشي وجعله بمستوى لائق مساوياً لأقرانهم من المراقبين الأجانب. - انشاء معهد تدريب الرقابة الجوية وفقا للمعايير الدولية ليكون احد المعاهد المرخصة من منظمة الطيران الدولية، حيث سيكون فريداً من نوعه في المنطقة. - جذب شركات الطيران، واستغلال موقع العراق الحاكم في طرق الملاحة الجوية بين أوربا والخليج وبالعكس . - اعادة تصميم الممرات الجوية، وتحقيق ايرادات للدولة العراقية تصل الى مليون دولار من عبور الطائرات للأجواء العراقية. بعد عقد ورش العمل تماهلت الوزارة كثيراً في دفع المشروع باتجاه تفعيله، نتيجة لتغيير الوزير (مرتين) وبالتحديد في عام 2016 . بعد تبديل الوزير باقر صولاغ، فقد أهمل المشروع تماماً. علماً بأن عقد هذه الشركة ينتهي في ١٤ كانون الثاني ٢٠١٧ ولم يتم تجديده، كما لَم يتم المضي في مشروع الشراكة، ومعلوماتنا تشير الى أتجاه الوزارة نحو جلب شركة Washington Group مرة اخرى الى العراق. وبعد ورود معلومات اكثر حول الموضوع، وجدنا ان مستشار وزير النقل لشؤون الطيران، يمتلك شركة خاصة هو وزوجته، مسجلة في إيطاليا، واسم هذه الشركة VDK للدفاع والطيران، وفي نفس الوقت (هو) مستشار الوزير "لشؤون الطيران . وهو طبعاً منصب رسمي حكومي!! وما يثير استغرابنا حقا، هو كيف يجوز لموظف في الدولة العراقية، ويعمل في موقع متحكم بقرار الوزارة، لديه عمل (تجاري) بنفس اختصاص عمله الحكومي .. كيف؟! والمصيبة ان مدير شركة Washington Group هو السيد كوستيللو (المستشار السابق في السفارة الامريكية في بغداد)، أي المدير السابق لمستشار وزير النقل كاظم فنجان، ومن هذه المعلومات يتوضح ان مستشار وزير النقل يبذل قصارى جهده من أجل جلب شركة Washington Group ، ومنحها عقد الخدمة، ليحصل على عمولة لشركته !!! لذا فهو يحاول اولا اخراج شركة سيركو من العراق، كما يعمل باتجاه دفع الوزير لاستقدام مراقبين جويين من (دول الجوار)، ليعملوا ضمن منظومة الرقابة الجوية لسلطة الطيران المدني العراقي غير المؤهلة، وبذلك يعرِّض اجواء العراق، وايراداته للخطر، وهو يضغط لدفع الوزير باتجاه الاستعانة بأفراد، بدلا من وجود كيان مسؤول ومؤهل دوليا لإدارة اجواء العراق وهنا تحضرني مقولة للرئيس الامريكي الجديد المنتخب ترامب عندما قال عن العراق: (يجب ان نستولي على كل نفط العراق، ونعطي الناس هناك مايكفيهم ليعيشوا به)!! وعندما أراجع ما يحدث اليوم في ملف الرقابة الجوية، وسوء ادارته، وتوجهات الوزير كاظم فنجان لإبعاد هذا الملف المهم عن المعايير الدولية، يمكنني من خلال كل ذلك أن اتخيل السيناريو التالي: عندما تنسحب الشركة البريطانية، ستكون وثيقة تأمين الأجواء العراقية ضد حوادث اصطدام الطائرات غير نافذة، ولا توجد جهة تأمين دولية تقدم وثيقة تأمين نافذة مماثلة، اذا ما انسحبت الشركة البريطانيةـ وبذلك يمكن ان يتم افتعال حادث تصادم طائرات في الأجواء العراقية، وبعدم وجود وثيقة تأمين نافذة، ستكون تعويضات الطرف الثالث بمئات مليارات الدولارات. وهنا يجب ان تتحملها الدولة العراقية، مما يؤدي الى افلاس العراق، او إرتهان نفطه وثرواته لمئات السنين، وقد يقضي تماما على العراق كدولة، فيحقق الرئيس الامريكي ترامب مقولته، وستحل الكارثة لا سمح الله، ولا عذر لنا، فالعراق يدير أجواءه، والقرار قراره، وهو سيد نفسه وليس واقعاً تحت سلطة، أو مسؤولية سلطة الاحتلال !! وقتها لن تنفع اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، ولا غيرها. و ما يثير انتباهنا هنا ان الجنرال باربيرو (المساعد السابق للجنرال باتريوس) دقد خل على الخط بقوة، حيث يدفع باتجاه هذه الكارثة، وهذا المخطط الجهنمي، وهل من إشارة أوضح، وأدل من ذلك، وهو يستغل منصبه مستشاراً في السفارة الامريكية في بغداد؟ فلماذا نجازف ياترى بمصير وطن من اجل عمولة لوزير، او مستشاره لشؤون الطيران؟ والسؤال هنا : هل ان الوزير كاظم فنجان (التكنوقراطي) لديه أفق، أو أنه يحصل على استشارة صحيحة في هذا المجال؟ وهل لنا ان نتخيل من المسؤول حينها عن هكذا مضاعفات خطيرة تمس مستقبل العراق وأجياله، لو وقعت ساعتها الكارثة، وهل سنرى الوزير فنجان، او مستشاره لشؤون الطيران وراء القضبان.. ام سيفلت معاليه، ويذهب الى البصرة، ويهرب مستشاره لأوربا، بإعتباره من حملة الجوازات الأوربية، تاركين العراق يواجه مصيره لوحده. أضع هذا السيناريو امام كل العراقيين؛ سواء كانوا مسؤولين في الحكومة أو سياسيين، ونواباً في البرلمان، كما أضعه امام قادة الكتل السياسية، خصوصا الكتلة التي جاءت بهذا الوزير، وتحديدا شخص السيد عمار الحكيم ابن المجاهد عزيز العراق، وسنكون بانتظار رد (السيد عمار)، ليقول لنا: نعم أنا سأتحمل المسؤولية، او ان يأتي جوابه بقرار الإقالة لهذا الوزير الذي يريد الذهاب بالعراق الى كارثة؟ دعونا ننتظر، ونرى!