على ضوء قراراتها المتخبطة: المسائلة بحاجة الى مسائلة... والعدالة تنقصها العدالة !

بغداد- العراق اليوم:

بدءً نؤكد على ثبات الموقف في ضرورة إقصاء حزب البعث المحظور عن الحياة العراقية فكراً، كونه حزباً فاشياً قاتلاً، أرتكب من الجرائم والافعال ما يندى لها الجبين، ونحنُ مع تطبيقات مدروسة لمنع ظهور هذا الفكر الشرير في المجتمع، ومنع أنتشاره بأي أسلوب أو طريقة. لكننا نتحفظ بشدة على أسلوب ما يسمى بهيئة المسائلة والعدالة الانتقائي التمييزي الذي يراد منه، ذبح المخالف سياسياً، وأستخدام هذا الملف كورقة تصفيات سياسية للخصوم، أو من لا يعجبون هذا الطرف أو ذاك، أو لا يدفع المقسوم.

فهذه الهيئة منذ تشكلت لم تقم بأي عمل يذكر في محاربة فكر البعث، قدر ما طاردت مئات الالاف من ابناء مناطق جنوب العراق وشرقه، لا لشيء سوى أنهم اجبروا تحت ظروف قاهرة على الانتماء "شكليًا" لحزب البعث المندحر.

 وحتماً فإن هذا الارتباط يعرفه القاصي والداني، وقد جاء لأجل كسب لقمة الخبز الشحيحة لاسيما في عقد التسعينات، حيث ربط البعث كل الحياة في العراق به، فلا تعيين في مؤسسة الا بشرط الانتماء، ولا قبول في جامعة الا بشرط الانتماء، ولا سفر لخارج العراق الا بشرط الانتماء، ووصل الامر الى أن لا عقود زواج تتم الا بشرط التسجيل في صفوف البعث الذي كان ينفرد بالسلطة وحده، فكانت هذه الطريقة التوريطية من البعث للناس جزءاً من طريقته لتحويل "اعدائه" من ابناء جنوب العراق وشرقه الى محايدين على الأقل عبر سياسة تسجيلهم قسراً في صفوف البعث، وهذا ما حصل بالفعل، فأجبرت فئات شعبية واسعة من ابناء الجنوب وشرق العراق على الانتماء " القسري" الشكلي في واقع الحال.

وللعلم فأن النظام كان يدرك هذا ويتعامل معه على أنهُ جزء من تكتيك لا ستراتيجية حزبية، لذا فأنه لم يوكل اي مهمات مميزة، أو أدوار  كبيرة لهذه الشرائح المنتمية قسراً وعنوةً بل كانوا مجرد اعداد منتظمة في صفوفه لاسيما اساتذة الجامعات وبعض القضاة وغيرهم من الفئات.

وكان اعتماد النظام بشكل واضح على ابناء المناطق الغربية وبعض الأكراد الموالين له مثل طه الجزراوي وغيره، الذين شغلوا مواقع متقدمة في الدولة الحزب، لذا كانت قيادة البعث الحقيقية هناك في مناطق تكريت والانبار والموصل والاعظمية والكرخ التي حظيت بمكتسبات واضحة ومعروفة.

وحين شكلت الهيئة كمؤسسة معنية باستئصال فكر البعث واساليبه وممارسته، لم تجد وسيلةً لفرض سطوتها سوى على أبناء الجنوب وشرق العراق الذين اجتثوا دون سواهم، ففي الوقت الذي يصل البعثي من درجات متقدمة  في البعث الى مناصب نواب ومحافظين واعضاء مجالس ووزراء، نجد هذه الهيئة تطارد الجنوبي مهما كانت كفاءته وقدراته لانتمائه الشكلي لصفوف البعث كي يضمن لقمة عياله.

بقيت اجراءات الهيئة ولا تزال انتقائية، والكثير من الكفاءات طردت لأنها لم تجد مساحة لاحتوائها، لاسيما وهي كانت تريد ان تندمج في الحياة السياسية الجديدة، وتخدم الدولة العراقية الديمقراطية، لكن الهيئة سلطت كسيف على رقاب فئة دون أخرى.

أن ميزة القوانين أي قوانين، هي مساواتها في التطبيق على الكل، اما ان تطبق بشكل انتقائي، فستصبح انتقائية وظالمة، والمطلوب الان بصراحة وووضوح من مجلس النواب حل هذه الهيئة واتخاذ اجراءات وتدابير حقيقية لمنع انتشار فكر البعث النازي، لا أن يبقى الملف عرضة لابتزاز سياسي ومالي بات واضحاً ومعروفاً للجميع، خصوصا في استهداف ممنهج لابناء محافظات ومناطق معينة من العراق دون غيرها.

 

علق هنا