بغداد- العراق اليوم: عدنان حسين
احتاج العراقيون للانتظار أكثر من خمسة أشهر بعد الانتخابات البرلمانية لتتشكل لديهم حكومة جديدة. وفي يوم الإعلان عن التشكيل الوزاري احتاجوا لأن يسهروا إلى ما بعد منتصف الليل ليتعرفوا على ثلثي أسماء الوزراء الجدد، فيما تعين عليهم أن ينتظروا أسبوعين، زيادة على كل ما مر، لاستكمال الثلث الثالث من الحكومة التي خيبت تشكيلتها الناقصة الآمال فيها وفيما يمكن أن تفعله في سنواتها الأربع المقبلة لعراق نفذت أوجاعه الممضة على مدى خمس عشرة سنة من الجلد واللحم إلى لب العظم.
الظروف التي كان يعيشها العراق يوم إجراء الانتخابات البرلمانية وبعدها كانت تستدعي التعجيل وليس التأخير في إحلال حكومة جديدة محل الحكومة السابقة التي، كما سابقاتها، لم تنجح في الاضطلاع بمهامها الأساسية، خصوصا على صعيد تحسين نظام الخدمات العامة ومعالجة مشكلتي البطالة والفقر ومكافحة الفساد الإداري والمالي الذي كان على الدوام وراء انهيار نظام الخدمات وتفاقم مشكلتي الفقر والبطالة.
هذه الظروف كانت تملي أيضا على القوى المتنفذة تشكيل حكومة قوية اتفق الجميع، بمن فيهم الجماعات الفائزة في الانتخابات، بالكلام المعلن على أن تكون حكومة خبراء أكفاء نزيهين بعيداً عن نظام المحاصصة الذي اعتمد في توزيع مناصب الدولة ووظائفها، وأثبت أنه فاشل جملة وتفصيلا باعتراف الجميع أيضا.
التأخير في تشكيل الحكومة كان من الأسباب التي دفعت لانفجار أقوى وأكبر حركة احتجاجية في تاريخ العراق، في يوليو (تموز) الماضي، انطلاقا من محافظة البصرة العائمة على بحر من النفط، لكنها مع ذلك لم تحصل على الماء الصالح للشرب والزراعة، بل كان ماؤها مالحا ومتسمما. والتأخير في تشكيل الحكومة كانت وراءه الصراعات الضارية بين القوى المتنفذة من أجل ليس فقط بقاؤها على قيد الحياة إنما أيضا الاحتفاظ بنفوذها الطاغي في إدارات الدولة، وهو نفوذ أعطت نتائج الانتخابات إشارات قوية إلى أنه مهدد على نحو جدي هذه المرة، فنحو 60 في المائة من الناخبين أظهروا استنكافهم حيال العملية الانتخابية التي تعيد في كل مرة إنتاج هذه القوى الفاشلة في إدارة الدولة ولم تفلح في شيء غير نهب المال العام عبر منظومة الفساد الإداري والمالي. حتى الذين ذهبوا إلى صناديق الاقتراح صوتت غالبيتهم ضد المرشحين التقليديين للقوى المتنفذة فأعاقت عودة بعضهم إلى البرلمان.
ذلك كله كان نذير شؤم للقوى المتنفذة، وهي في غالبيتها من جماعات الإسلام السياسي الشيعية والسنية، فسعت إلى محاولة لخلط الأوراق، إذ عمدت أولا إلى الطعن في نتائج الانتخابات وفي نزاهة عمل مفوضية الانتخابات التي استبدلت بها مفوضية جديدة أعادت فرز الأصوات في مناطق أثيرت حولها شبهات التزوير، بيد أن النتيجة التي استغرق ظهورها أسابيع لم تختلف عن سابقتها، ليبدأ بعد ذلك مسلسل آخر من المماحكات والمناكفات والمكايدات بشأن الكتلة الأكبر التي سيعهد إليها أمر تشكيل الحكومة الجديدة. لم يكن الأمر يسيرا، فوجدت هذه القوى الطريق إلى توافق على اختيار شخصية ما عادت لها علاقة بأي من هذه القوى، لكنها من الطبقة السياسية الشيعية التي تحتكر مهمة تشكيل الحكومة، بموجب نظام المحاصصة الطائفية والقومية المتوافق عليه منذ 2003. وعادل عبد المهدي الذي اختير للمهمة كان قد شغل في السابق مناصب وزارية ومنصب نائب رئيس الجمهورية، وهو مقبول من كلا اللاعبين الرئيسين في الساحة العراقية: إيران والولايات المتحدة.
في مناورة لامتصاص الغضب الشعبي المتفجّر على خلفية أزمات الكهرباء والماء والوظائف في جنوب العراق، أعلنت القوى المتنفذة جميعا أنها ستترك لعبد المهدي حرية اختيار أعضاء حكومته ممن تتوفر فيهم شروط النزاهة والكفاءة والخبرة، وهذا من مطالب الحركة الاحتجاجية التي رافقتها أعمال عنف غير مسبوقة.
بدا أن هذا سيجعل طريق عبد المهدي إلى الحكم معبدة بالقاشان والسجاد الأحمر ومحفوفة بالزهور، لكن عندما حان أوان الجد، وجد عبد المهدي نفسه مطوقا بالإرادات المتضاربة للقوى المتنفذة، تارة بذريعة «الاستحقاق الانتخابي» وأخرى تحت عنوان «الاستحقاق المكوناتي» (الطائفي - القومي).
الثلثان اللذان مررهما البرلمان العراقي من وزراء حكومة عبد المهدي (14 وزيرا) لم تتحقق مواصفات الخبرة والكفاءة إلا في أربعة أو خمسة منهم، فيما الآخرون لم يكونوا كذلك أو هم وضعوا في الأماكن غير المناسبة لاختصاصاتهم. وكذا الحال بالنسبة للثلث الآخر الذين لم يصوت عليهم البرلمان. أما فيما يتعلق بالنزاهة، وهي من الشروط الرئيسية المعلنة للتوزير في حكومة عبد المهدي، فليست مما يمكن إثباته، لأنه تبين خلال النقاش في البرلمان أن عبد المهدي لم يعرض أسماء وزرائه على هيئة النزاهة، ولا على هيئة المساءلة والعدالة المختصة بالنظر في التاريخ السياسي للمرشحين، لجهة علاقتهم بالنظام السابق أو بالجماعات الإرهابية. وقد تداولت وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي معلومات صادمة تطعن في نزاهة عدد غير قليل من المرشحين وفي نظافة تاريخهم السياسي. قائمة الوزراء الممررين أو المؤجلين أظهرت أنهم اختيروا في الواقع وفق نظام المحاصصة، بل إن بعضهم من أقارب زعماء القوى المتنفذة!
بقي لعبد المهدي ثمانية وزراء ليضمهم إلى حكومته حتى السادس من الشهر المقبل... إذا ما اختارهم وفق ما اختار به الوزراء الأربعة عشر، أو فرضوا عليه، فالأرجح أنه سيحكم على نفسه وحكومته بالفشل، ذلك أن هذه الحكومة لن تكون في وضع يميزها عن الحكومات السابقة الفاشلة أو يعطيها الأفضلية عليها، ما دامت غير متحررة من نظام المحاصصة، ما يعني أننا على الأرجح أمام أربع سنوات عراقية عجاف أخرى.
*
اضافة التعليق