بغداد- العراق اليوم:
فالح حسون الدراجي افتتاحية جريدة الحقيقة
أكتب هذا المقال في مكتبي بالجريدة، وثمة معركة كبيرة تجري غير بعيدة عني، معركة (كسرعظم كردية) كما يسميها البعض من النواب، تتفاعل وقائعها على بعد مسافة لاتتجاوز الأميال القليلة المعدودة عن أسوار المنطقة الخضراء، لكني أشعر بقربها مني أكثر مما يشعر بها الساسة الكرد أنفسهم فالمرشحان لرئاسة جمهورية العراق، شخصيتان كرديتان، احدهما أعرفه معرفة جيدة، والثاني لا أعرف غير وظيفته كمدير مكتب، أو رئيس ديوان، أو سكرتير للـ (الباشا) مسعود البرزاني.. وبطبيعة الحال، فإني سأكون كاذباً لو قلت إني أمنح ثقتي لشخص كان ومازال يعمل سكرتيراً لمسعود البرزاني، مهما كانت مواصفات المرشح الثاني .. فطبيعة، وسايكولوجية، وبرمجة، وسلوك هذا الشخص (السكرتير)، في وظيفته (الرئاسية)، أو في غيرها، ستكون شخصية (سكرتيرية) تابعة حتما، منقادة لولي أمرها، بمعنى أن المرشح الثاني لمنصب رئيس جمهورية العراق (العظيم) فؤاد حسين، سيكون ولدا مطيعاً، منفذاً لأوامر، وتوجيهات رئيسه السابق، والحالي، والقادم ايضاً كاكه مسعود البرزاني لقد تحدثت هنا عن المرشح المنافس فؤاد حسين، ولم اتحدث عن المرشح الأصلي، والمستحق، الدكتور برهم صالح ! إذاً، تعالوا نفتح الأبواب المغلقة، وندخل الى صميم المنافسة، والنقاش، والتصويت لهذه الشخصية الكردية المرشحة أو تلك، ونرى من الأحق فيهما لمنصب الرئاسة العراقية .. فمثلاً المرشح برهم صالح كما معلوم عنه: شخص متعلم، مثقف، أكاديمي، اقتصادي، ومطلع جيد على مدارس ومناهج واقتصاديات العالم المتقدم.. له رؤى وأفكار، ومبادئ وقيم وطنية رصينة، وليست تطلعات وطموحات قومية فحسب، فالرجل محب جداً لقوميته وشعبه الكردي، لكن حبه هذا لا يتقاطع أبداً مع انتمائه الوطني، ولا يتخالف قط مع اساسات وبنى هويته العراقية، فهو لايخفي أينما حل وكان عراقيته، ولا ينسى انتماءه الوطني – وهذا ما جعلني أنحاز له، بل وأحبه ايضاً، خاصة وأن المنصب المرشح له هو رئاسة جمهورية العراق، وليس رئاسة إقليم كردستان. مرة سألت أحد المناضلين الكرد عن اسباب الجفاء بينهم وبين الدكتور برهم صالح، حتى أني مازحته وقلت له: هل كان برهم بعثياً مثلاً ؟ فقال: لا لا معاذ الله، الرجل كان من المعادين لحزب البعث! ثم أكمل قائلاً: لكننا نؤاخذ عليه عدم حمله البندقية مع اخوته البيشمركة، وعدم التحاقه بالثورة الكردية مقاتلاً في دستان ! قلت له: ألم يُعتقل برهم صالح في معتقلات الأمن البعثية، مما أدى الى أن يشارك في الإمتحانات الوزارية (البكالوريا) وهو مكبل اليدين، فيحرز المرتبة الأولى على جميع طلبة كردستان؟ قال: نعم قلت: الم يعمل في صفوف الحركة الوطنية الكردية مذ كان فتى، واصبح مسؤولاً لمكاتب حزب الإتحاد الوطني الكردستاني في عدد من مكاتبه في اوربا وامريكا؟ قال: نعم قلت: الم يحضر جلسات المؤتمر الأول للحزب وهو في مطلع شبابه وانتخب في قيادته؟ قال : نعم نعم ، لكنه بقي يعمل في تنظيمات الحزب فقط ! قلت له: وهل هذا برأيك عار، أو إثم يستحق الوقوف ضده، لقد فتح برهم صالح للثورة الكردية ابواب وخزائن العالم المالية والاعلامية والسياسية قبل أن تنزلوا من الجبال، وتجدوا فجأة أن القوى العالمية كلها معكم، ومساندة لقضيتكم.. وبفضل هذا التأييد العالمي تجمد صدام وقواته الأمنية في مواقعها ولم يجرؤ قط على التقدم نحو (دولتكم) في اربيل بعد عام 1991 ؟ سكت صديقي المناضل الكردي ولم يجب بعد ذلك بكلمة واحدة .. بقي أن أذكر هذا الموقف للتاريخ: قبل أكثر من عشرة اعوام، تعرض الشاعر الكبير كاظم اسماعيل الكاطع الى الإصابة بالجلطة الدماغية، وقد احتاج الى المساعدة المالية لاستكمال علاجه، وبالصدفة دعتني السيدة صفية السهيل وزوجها الى احتفالية صغيرة في بيتها، وقد حضر الحفل شخصيات وطنية عربية وكردية، كان من بينها برهم صالح وحميد مجيد موسى وجاسم الحلفي وغيرهم، وقد كان برهم يشغل وقتها منصب نائب رئيس الوزراء – وهو منصب فخري تقريبا، وغير فعال ، فاستأذنته بدقيقة خارج الحفل، فوافق الرجل على الفور، وبدون تردد، قلت له: ثمة شاعر شعبي عراقي كبير اسمه كاظم اسماعيل الكاطع، وقطعاً أنت لا تعرفه، تعرض لحالة مرضية يحتاج بسببها الى المساعدة .. قاطعني بانزعاج: لا كاكه فالح، كيف تقول لا اعرفه، أليس الكاطع من قال: يبني خنكوا كل ضواي وطفوا بصينيتي شمعة؟ ثم مد يده الى جيبه، واخرج خمسة الاف دولار، وقال ضاحكاً: هذا المبلغ البسيط مني مو من الحكومة.. ثم نادى على مرافقه – وكان برتبة عقيد – وقال أخذوا رقم تلفون الكاطع واتصلوا بيه خلي نشوف شلون نقدر نساعده في العلاج !
*
اضافة التعليق