بغداد- العراق اليوم: رغم كل سوادوية المشهد السياسي العراقي وارتباكاته وعقم بعض جوانبه، الا أنك تستشعر ان ثمة جوانب مضيئة، وأن مسارات صحيحة تنتصر مهما حاول المحاولون أن يحرفوها امام الشعب، ويغيروها عن هذه الجادة المفضية الى الصواب الوطني. نعم، فرغم حملات التضليل والبروبغندا والكيل المزدوج، والايقاع السياسي الذي يريده البعض نهجاً يمارسه في ارتقاء سلم المجد كما يعتقد، الا أن الديمقراطية كما يقول برنادرشو: " كفيلة بأن تصحح نفسها" وهذا صحيح بلحاظ الواقع، فرغم حملات التشويه والحرب الضروس التي خيضت ضد التجربة الديمقراطية في العراق، وللأسف ساندها ارتباك وارتكاب عراقي من الداخل وفشل النخبة السياسية في تحقيق ضمانات حقيقية على نجاح التجربة الديمقراطية، وتحويلها الى نتيجة علمية بدلاً من أن تكون فقط تجربة، الا أن الانتخابات – على علاتها- كما يقال، انتجت في هذه الدورة برلماناً طاله التغيير بنسبة تكاد تصل الى 80%، وهذه حقيقة لا تنكر مهما كانت اصوات الدعاية التي تدعو العراقيين ليل نهار الى العدمية، ان تحجبها. في ظل هذا المشهد، ثمة مفارقة عراقية أخرى جديرة بالاهتمام، وتجربة تكشف لك – انت المتابع والمدقق- أن ثمة تنظيماً حقيقياً داخل الدولة العراقية يستهدف النجاح أينما كان، وكيف، ومن يقف خلفه، بغض النظر عن الهوية والانتماء السياسي، وهو الذي أسماه النائب العائد - بقوة الحق - والوزير السابق، والمهندس العراقي الكفوء محمد صاحب الدراجي " بالدولة الخفية" التي تعمل على فرملة أي انجاز، والحد من أي بادرة نجاح، ووأد أي ولادة طبيعية قد تؤدي الى نمو وطني معافى. فهذا النائب والوزير "المظلوم" قد تعرض الى سلسلة أستهدافات متناسلة تبدو كأنها متسقة ومتوافقة مع اختلاف الجبهات وتضاد الخصوم في الخارج كما يتمظهر في الصورة، لكن الواقع يقول أن " هولاء الخصوم يجتمعون تحت عنوان عدو عدوي صديقي!". ولعل الأغرب في الأمر أن يجتمع أقصى اليمين مع اقصى اليسار ، ويتحد البعثي مع الاسلامي ضد أي تجربة نجاح سجلت اختراقاً لأعوام الفشل المصطنع بتأثير وفعل وفاعلية القوى الخفية التي بقيت تنشب اظافرها في جسد الدولة ! في تجربة الدراجي درس حقيقي يدلك على أن ما تسمعه يومياً في المقاهي والشوارع وباصات النقل الصغيرة والكبيرة حقيقي جداً، حيث يحارب الطبيب والموظف والمهندس والعامل والوزير والسياسي النزيه الوطني، ويدفع من قوى خفية الى العزلة، أو ينتهي "مفضوحاً" بلا فضيحة، ولا يعرف أحد ما هي فضيحته، المهم أن يطاح بهذا الناجح مهما كان، وهكذا انتهى الامر, مع الدراجي التكنوقراط الذي قدمته كتلة الاحرار، كمختص لوزارة الاعمار والاسكان في حكومة المالكي فكان وجوده في الحكومة يمثل بحق تجربة ناجحة بشهادة العراقيين جميعاً، وما انجازات الوزارة خلال اربعة اعوام الا شاهد حي سيبقى راسخاً واضحاً للعيان، فشبكات الطرق السريعة التي أمتدت في العراق هي التي تنطق كل ساعة بل كل لحظة، وكذلك مجمعات الاسكان المشيدة التي بلغت المئات، والتي ادخلت عشرات الاف الوحدات السكنية، ناهيك عن تأسيس صندوق الاسكان العراقي الذي منح ملايين العراقيين املاً في الحصول على وحدة سكن لائقة، وهو انجاز مسجل بإسم الدراجي شخصياً، بعد أن ضاقت البيوت القديمة ذرعاً بسكانها وسط نمو سكاني مطرد. كما قام تحويل شركات الاسكان والاعمار الخاسرة والمهترئة الى علامات نجاح تفوق نظيراتها من الشركات التابعة لغيرها من الوزارات، كل هذا الانجاز الفخم لم يشفع للرجل ويقيه شر الدولة الخفية، التي تجرأ هو وحده لغاية الآن على الاقل – وسمى شخوصها وأوصافهم في شجاعة نادرة-، بل زادت هذه القوى من هجومها واحداً تلو الآخر، في محاولة لاحراج الرجل والجهة التي تقف ورائه والتي ادعي انا – كاتب هذه السطور واتحمل مسؤوليتها- أن جهات داخلية من تلك الجهة نفسها لم يرق لها هذا النجاح ايضاً، حتى دفع الرجل عن موقعه بانتهاء حكومة المالكي. ولكنه عاد ليتصدر نتائج استحقاق 2014 الانتخابي عن بغداد، ويمارس دوره نائباً مواظباً ذو رؤية حقيقية، وحين أستوزر لاحقاً للصناعة، كانت بصماته واضحة، بعد ان رفع شعار الصناعة الوطنية هي الحل والسبيل والمخلص، وهنا وقعت الواقعة، واقعة الفساد الذي ضربت اعشاشه، وكشفت عورته، وهي حرب لو تعلمونها لملئتم رعباً، ولولينا منها فراراً، فقد اصطدم الرجل بقوة بهذه المافيات وآفات الفساد، وما هو الا عام تقريباً حتى حققت الصناعة بشهادة الجميع طفرات نوعية، بدءًا من صناعة الحذاء العراقي وصولاً الى الانتاج الحربي، ولكن كانت تلك القوى بالمرصاد الذي اطاح بالوزير بتأثير وتواطؤ الصديق قبل العدو ! وتلك أيضاً من مفارقات الزمن العراقي الحاضر ! وبعد أن استقال الدراجي الذي لم يكن انتماؤه سبة أو تهمة، فهو رجل مؤمن بأفكار اكثر من كونه منظماً لحزب تنظيمي، لذا قرر أن يخوض التجربة في 2018 منفرداً اعزلاً الا من إسناد الشارع الذي صوت له بأصوات كبيرة، فحقق نتائج مرضية رغم أن بعض الجهات الدينية وجهت اتباعها ومؤيديها بعدم دعمه، وصدر بيان يتناول الدراجي بأسمه الصريح، كما ان ثمة إرادات حاولت ازاحة الرجل عن منصبه، في اعلان نتائج العد والفرز الالكتروني، وقبل الرجل النتيجة بروح ديقراطية رغم أن ظلماً بيناً وقع عليه، الا أن الايمان بالنتائج جزء من قواعد اللعبة، ولجأ الى القضاء ليتدخل ويعيد احقاق الحق بعيدًا عن الشخصنة والفئوية، ويبدو أن الحكومة الحالية كانت على اطلاع بما يجري من نتائج العد والفرز اليدوي أولاً بأول لتبادر في محاولة للحيولة دون أن يحقق الرجل انتصاره هذه المرة، فاعلنت في غير مناسبة، ودون مقدمات عن احالته ووزيرين اخرين للنزاهة بدعوى عقود بناء المدارس، المفارقة العجيبة أن الدراجي- هو ذاته اعلن فساد وفشل هذه العقود، وحاول مراراً بشتى الوسائل ان ينهي التعاقد مع التربية، بل أننا كصحفيين ندين له بالفضل في اطلاعنا والرأي العام على هذه الصفقة، وتجربة الشراكة المشبوهة التي فرضت مع شركة الفاو -احدى الشركات المقاولة -مع مستثمر أخر، وهناك تفاصيل دقيقة وعجيبة في الملف لمن يريد ان يتابع سنفرد لها تقريرًا مفصلاً في اعدادنا اللاحقة. لكن المشكلة، أن هناك من يريد- ونعني الحكومة بصراحة- أن يطبق مقولة" ان يطاع الله من حيث يعصى" ! فأنت تريد أن تطيح بالفساد كما تدعي، فتذهب الى من تظنهم ضعفاء بلا حزب أو جماعة لتقدمهم كبش فداء لتحالفاتك، وتشهر بهم دون أن تكون لك القدرة والجرأة على فتح جردة حساب حقيقية معهم، ولأن واثق الخطوة يمشي ملكاً، فأن الدراجي لم يمهل خصومه وقتاً لايصال رسالتهم المراد ابراقها عبر تقديمه كـ " كحايط انصيص" كما وصفها الدراجي، فقرر الرجل بشجاعة نادرة ان يقطع رحلته العلاجية ويعود الى بغداد بعجالة - قبل ان تظهر نتائج العد والفرز اليدوي- ليطالب بفتح الملفات علانيةً،وتقدم للنزاهة التي سبق وان اشركها بنفسه في تحقيقات أخرى، وهو يتمثل قول المتنبي «أنام ملء جفوني عن شواردها»! ليل امسِ الخميس كان هناك فصل أخر من فصول حكايات الدراجي التي لم تروَ بعدُ في فصول كتبه الجريئة، حيث كان القضاة المنتدبون يضعون بكل أمانة ومسؤولية وطنية أسم الدراجي بين اسماء الفائزين بثقة شعبهم لتمثيلهم في برلمان 2018-2022، لكن المفارقة الأخرى ايضاً أن الرجل حصد هذا الفوز من أصوات الكرخيين فقط، حيث احرقت جهات نافذة صناديق الرصافة في محاولة مفضوحة لإيقاف عملية العد والفرز يدوياً، كي لا ينال فرصته في العودة الى الواجهة مرة اخر ى، فهذه (الجهات) وغيرها تعلم جيداً ان اغلب رصيد الدراجي يكمن في صناديق الرصافة! وهكذا حرم الرجل مرة اخرى من حقه في اعادة اصواته المسروقة. لكن الضمير الوطني، وقبله الاخلاص للعراق انتصر بقوة الحق دون شك، إذ كيف يمكن أن يحجب الشمس غربال الفساد، وهي التي تصهر وتطهر الفولاذ ؟! مبارك للدراجي فوزه، ونعتقد أن فوزه ليس مجرد استحقاق شخصي، بل استحقاق وطني عليه ان يترجمه الى عمل دؤوب كما هو عهدنا به، ونحن على عهدنا معه ما دام هو على عهده مع وطنه، و ان لا تأخذه لومة لائم في الحق، ولو كره الفاسدون!!
*
اضافة التعليق