بغداد- العراق اليوم: لأنه يعتز أيما اعتزاز بانتمائه لمحافظة واسط (الكوت)، ولأنه مغرم بهويته "الكوتاوية"، فضل ان يترشح عن (مدينة المتنبي) دون غيرها، وان يجدد ابناء محافظته ثقتهم به مجددًا كما فعلوها في المرات السابقة، معتذراً بأدب جم عن قبول الدعوات التي وصلته للترشيح عن مدن اخرى، وأولها العاصمة بغداد، رغم أنه يعلم جيداً ان ترشيحه عن بغداد يعني فوزاً كبيراً له ولقائمة الفتح، ويعني رقماً فخماً سيناله من اصوات أهالي بغداد الذين احبهم واحبوه، لكن الرجل أصر على الترشيح عن مدينته الكوت دون غيرها، وعلى تمثيل أهله (الكوتيين)وليس غيرهم، مثل الدورات السابقة، فهكذا يكون الولاء، وهكذا يكون الوفاء.. لقد كان الرجل خير من اؤتمن، وخير من أدى تلك الأمانة الى اهلها، دون أن ينظر الى حزب يمنع، أو مصلحة تقمع، أو لسطوة جماعة ما يخضع. بل كان صادقاً على الدوام مع نفسهِ أولاً ومع ربه ثانيًا، واستطاع أن يؤدي امانته على خير ما يمكن أن تؤدى، كيف لا وهو سليل مدرسة الجهاد، ووريث مدرسة الشهادة التي لا تزال تعطي ولن تتوقف ما دام العراق بحاجة الى دماء زاكية كي يعبر نحو ضفة الأمن والحرية والعدالة المنشودة بين جميع ابنائه على مختلف مشاربهم وتنوعاتهم القومية والأثنية والدينية. فالأعرجي الذي بدأ حياته ثائرًا ضد الظلم والطغيان الصدامي، لم يكن كما اتضح من مسيرته المهنية لاحقًا، يفكر بعقلية الثائر الذي يريد ان ينقض على خصمه وحسب، ولا هو من مدرسة تضع مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة"، لذلك أنتهى الى أن يكون مثالاً عراقيًا نموذجيًا في تطبيق مبدأ المواطنة على الجميع، ودون الالتفات الى خلفيات أحد، أو الى عقائده الشخصية، أو متبنياته الفكرية، البتة. بل كان الرجل ولايزال يرفع شعار :(أن للجميع حقاً في هذه البلاد، ووظيفة السياسي والمسؤول أن يسهم في تمكين الجميع من نيل حقوقهم بالتساوي دون أن يغمط أحد حق غيره، أو يعتدي عليه بلا وجه حق". هذه العقلية التي أرتقت بأداء المؤسسة الأمنية، وغسلت وجهها الذي كانت تشوبه للأسف ارتكابات الزمن السابق، وأخطاء الزمن اللاحق ولا مهنية الكثيرين ممن تبوؤا مناصب هامة في هذه المؤسسة الخطيرة. بل نجد أن الرجل أصل لمفاهيم لم تكن موجودة من قبل، وحول نظرة المجتمع لرجل الأمن الى نظرة تكامل وتعاون وتكاتف بعد أن كانت علاقة شد وكره وحقد بين الطرفين، ومحاولة أحدهما للأضرار بالأخر، أو على الاقل تجنبه. هذا الرجل الذي ستظل بصماته على جهاز الأمن في البلاد واضحة لسنوات، بفضله توقفت عمليات تغيير الالقاب اضطراراً في المدن المختلطة، وتلك حكاية عظيمة المعنى، ففي سنوات الاقتتال الأهلي، لجأت مئات العوائل سواء اكانت سنية أو شيعية الى تغيير القابها خوفاً من العصابات التي تفتك بالجميع بدم بارد. ولأن خطة الأعرجي وعمله على وأد نار الفتنة الطائفية، وسحب البساط من تحت اقدام المتلاعبين بهذا الملف كانت حكيمة ومحكمة، وأتت اكلها في وقت قياسي، وأنتهت صفحة مظلمة من صفحات تاريخ العنف الطائفي، فأن الأعرجي الذي ادار هذا الملف بكل هذه الكياسة والحكمة، كسب ود وحب جماهير واسعة في طيف المجتمع السني الذي بدأ يعيش مع تجربة الأعرجي حقيقة وجود شخص بهذه العقلية المستنيرة، والانفتاح على الجميع دون النظر الى هوية هذا او ذاك. كما أن ملف حماية الاقليات العرقية والقومية والدينية الذي اداره الرجل بهمة وحنكة عاليتين، أتى اكلهُ ايضاً في وقت قياسي، وكانت رسائل الاعرجي ووزارته مطمئنة للجميع، وحظي الرجل بدعم واحترام وتقدير المجتمع المسيحي والايزيدي والتركماني والاشوري والشبكي وغيرها من تنوعات مجتمعنا الجميل، فضلاً عن علاقة بندقية نضالية مع الأخوة الكورد، وسنوات الجبال الطويلة. كل هذا التنوع الذي يعرفه وخبره الأعرجي طوال سنواته الطويلة، يعني أن الرجل ممتد في كل الفضاء الوطني، ويحظى بدعم وتقدير وحب الجميع، لذا فأن السؤال المهم ماذا سيكون لو أن الأعرجي ترشح عن محافظة بغداد التي تشبه العراق برمته، من حيث التنوع الديموغرافي والاثني والثقافي فيها، كيف لا وبغداد المصهر الأعظم في صناعة التنوع الاجتماعي العراقي. وماذا سيحصد الأعرجي وهو الذي رفع شعار أن العراقيين متساوون بالحقوق جميعًا، دون النظر الى الخلفيات السياسية، ابدًا، وأن الاختلاف السياسي بين العراقيين لا يمكن أن يكون مدعاة لأن يمنع أي عراقي من مباشرة حقوقه الاجتماعية، ويعامل كفرد كامل الاهلية والمسؤولية امام القانون. ولعل خطوته الجريئة بتجديد جوازات سفر جميع العراقيين، سواء أكانوا من عوائل قيادات النظام السابق، أو من عوائل خصوم العملية السياسية، ومنحهم حق استصدار المستمسكات الثبوتية، أسوةً بكل العراقيين، ومنع امتداد العقوبة بأثر رجعي لأي فرد يقرب لهولاء، لأن النص الدستوري يقول أن " العقوبة فردية" ولا يمكن ان تعمم تحت أي مبرر، وهذا ما شجع هؤلاء الى طلب نجدة الاعرجي، وما اتصال زوجة وزير الدفاع العراقي عدنان خير الله بالاعرجي وطلبها بصرف الهوية العراقية وجواز السفر لابنائها، والاستجابة السريعة من الأعرجي الا تأكيداً لما نقول، فهذه الخطوة رفعت من رصيد رجل لم يحول المنصب المهني الى منصة مزايدات سياسية، بل عمل بمهنية غير مسبوقة، وما زال يواصل اليوم عمله بهذه الهمة. نقول أن الاعرجي سيكون الرقم الأكبر في معادلة الانتخابات العراقية لو اختار الترشح عن العاصمة بغداد، لكنه فضل ان يكون بين أهله واحبته في واسط الخير والعطاء، فهنيئًا لواسط بأبنهم العراقي حد النخاع.
*
اضافة التعليق