بغداد- العراق اليوم:
لم يسبق في تاريخ وزارات الداخلية العراقية والى تولي الوزير الحالي قاسم الأعرجي، أن وجدنا وزيرًا شغل هذا المنصب المهم والحساس، دون ان يترك خلفه بصمات موجعة في تلك المسيرة، وللامانة والانصاف نقول، أن هذه البصمات ليست كلها عدوانية، لكنها بحكم الوظيفة التي تفهم من قبل هولاء على أنها أمنية، وأن الوزير رجل بوليسي بعيدًا عن كل توصيفات أخرى، ولذا فهو يتحول الى رجل سلطوي بأمتياز ما أن يجلس على كرسي الوزارة. هذا النسق وتلك السيميائية التي يمتاز بها اغلب من تبوؤا هذا المنصب، أصبحت واحدة من المسلمات في النسق الفكري العراقي، فوزير الداخلية، يجب أن يكون صارمًا مكفهر الوجه، قاسي الملامح، عدوانياً، لا يثق بالأخر، شديداً ضد من هم في رعيته، منعزلاً عن الناس، منغلقاً في أجواء الأمن، والتحقيقات، والأمور البولسية والشرطوية فحسب! وحتى من حاول نزع ملامح المنصب المتعجرفة عنه، لم تسمح له البطانة أن يتخلص من هذا الارث بداعي الحفاظ على "الاتكيت" وهيبة الوزير ! وبالفعل فقد تحول وزير الداخلية الى كائن مرعب في حكومات البعث، فهو مجرم قاتل ضد ابناء الشعب، وسيف السلطة المسلط على رقاب الناس، لا لحماية الناس من التهديدات والعبث! وتلك سيرة وزراء داخلية النظام السابق علي كيمياوي ووطبان التكريتي وسعدون شاكر وسمير الشيخلي وغيرهم شاهدة ماثلة امام الجميع. فيما بعد تحولت المسيرة تدريجيًا، لكن الملامح بقيت تظهر هنا وهناك، فيقمعها غضب الشارع تارةً، او الخوف من المحاسبة النيابية، أو العزل السياسي لشخص وزير الداخلية، ولذا لم تظهر كثيرًا لكنها حضرت في مناسبات عدة. الا أن مسيرة قاسم الأعرجي مع المنصب، كانت واحدة من التحولات الجذرية والعميقة في مسيرة الوزارة، فقد اجترحت نسقًا أخر، لشخص الوزير، حيث وزير الداخلية المدني، الانسان، المهني، المتواضع، صاحب المرؤة والنخوة، القريب من نبض الناس، الذي يسمع نداءات واصوت اهله ورعيته، ويستجيب لطلباتهم، والذي لا يتعالى على اي منهم في مسؤوليته، وللحق فهو الوزير الذي حول الوزارة الى جهاز خدمي أمني، وخلصها من مفهوم الداخلية المتعارف والمتداول كجهاز أمني في خدمة السلطة دائماً وأبداً. لقد رأينا تحركات الأعرجي وأعماله مركزة على خطى تحويل الوزارة الى جهاز خدمة عامة، مفتوحة امام العراقيين بكل تنوعهم الأثني والقومي والمذهبي، ولم يفكر الرجل يوماً أن يضع في حسبانه أنه رجل بوليسي عليه مطاردة هذا، واعتقال ذاك، والضغط على تلك الجهة، واخضاع تلك المؤسسة بسطوة الداخلية وقدراتها الأمنية الكبيرة. نعم، لقد لمس الجميع تحولاً فاعلاً في نسق حركة الوزارة، واختلافاً في تعاملها مع المحيط، مع بعض الهنات هنا وهناك، وهذا ناتج عن انغراس ثقافة القمع والسطوة لدى بعض الأجهزة التي تدار من بعض المنتسبين الأمنيين ممن تشربوا ثقافة ما، لكن الغالب أن الوزارة تحولت وقفزت من خلال نوعية الخطاب الذي يبثه الاعرجي، وعبر انسانية الممارسة في الشارع. اليوم، وبوجود الأعرجي على رأس هرم الداخلية العراقية، بتنا نعرف حقائق جديدة عن دور وزير الداخلية المفترض، وزير الداخلية الذي يبحث عن حاجة الناس ليقضيها، لا أن تبحث الناس عن منفذ شرعي ولا شرعي للوصول الى هرم الوزارة لقضاء حوائجها، بتنا اليوم امام وزير يتعامل مع الناس بهاتفه النقال مباشرةً دون أي حاجز وواسطة، وزير ما أن يسمع استغاثة أو طلب حتى يسارع قبل الجميع ليلبي الاستغاثة حتى وأن كانت لا تقع تحت مسؤوليته وحين يُسأل عن السبب يجيب بلسان حاله: كلنا مسؤولون عن الجميع امام الله والشعب. وللإمانة فأن استجابات الأعرجي لم تكن مذهبية أو مناطقية ابدًا، فهو يستجيب لأبن كركوك وصلاح الدين والانبار والموصل، وهي ذات الاستجابة لأبن البصرة والناصرية والكوت والمحافظات الأخرى. هذا الرجل العراقي الصميمي، ترك انطباعاً أخر لدى فئات عمرية من ابناء شعبنا خصوصاً الاجيال الثلاثة الصاعدة للحياة والتي لم ترَ ثقافة البعث واجرام داخليته، هذه الفئات الشابة التي وجدت في قاسم الأعرجي صديقًا على مواقع التواصل الاجتماعي، فكثير من الشباب العراقي وهم في مراحلهم الأولى حين يرى حالة أو طلب انساني ملح وعاجل، يفاجئك بأنه سيوصل الطلب لوزير الداخلية وسيعالجه !! تسأله وانت محاط بالشك من مبالغة ما في هذا الحديث، فيجيبك الشاب بثقة: سأكتب للوزير قاسم الأعرجي في الفيسبوك وسترى! وبالفعل، ما ان يكتب احدهم للوزير ويترك رقم هاتفه وطلبه، حتى ترى الرد لا يتأخر سوى ساعات، ان لم يكن في ذات الساعة، وهنا انت امام تجربة واعدة في طبيعة التواصل الاجتماعي بين المسؤول وأبناء شعبه. لقد كسر الأعرجي الوزير تلك النمطية ومحا اجزاءً راسخةً من ثقافة التسلط، وحولها الى ثقافة الوزير الأنسان، القلب القريب من الشارع، الذي ينبض ذات النبض معه بصدق وحميمية. لكن وللأسف الشديد ثمة منافسة غير شريفة بالمرة، ومحاولات تسقيط مشبوهة يتعرض لها هذا الرجل في بعض الصفحات الصفراء والتي تدعي انتسابها لقوائم شيعية للأسف الشديد، في محاولة للتأثير على الرأي العام، واسقاط تلك الشعبية العارمة التي يحظى بها الوزير الاعرجي، وأجزم بثقة أن هذه الحملات الظالمة والملفقة لن تنتهِ الإ بفضيحة تلك الجهات الانتخابية التسويقية، حين يترجم أبناء واسط العظيمة محبتهم لأبنهم عمليًا يوم 12 -5 ويترجمون هذا العطاء الثر اصواتًا تكتسح تلك القوائم والكتل المنافقة. والله ينصر عباده شاء من شاء وكره من كره، وهذا اليوم ليس ببعيد حتماً.
*
اضافة التعليق