بغداد- العراق اليوم:
حين اضطرت الحكومات المتعاقبة الى القبول بالأمر الواقع، وقبول اسلحة عشائر وقبائل وجماعات خارج نطاقها الرسمي، لتأمين المدن والقصبات من الهجمات الإرهابية، كان بعض المحللين السياسيين يرددون عبارة " هذه نهاية المؤسسات الأمنية المركزية"، ويعنون بها وزارتي الداخلية والدفاع المخولتين دستوريًا وقانونيًا بإدارة الملف الأمني في البلاد، ومسك زمام الأمور، واحتكار السلاح، وبالفعل كانت السنون تمضي الى تأكيد هذه المقولة، لو لا همة رجال مخلصين مثل قاسم الأعرجي وزير الداخلية، وعرفان الحيالي وزير الدفاع، ومن كان في معيتهما من الكوادر العسكرية والامنية المقتدرة الذين قلبوا هذا التشاؤم تفاؤلاً، حين مضوا بخطى ثابتة وحثيثة نحو بناء مؤسستي الداخلية والدفاع من جديد، ولا يزال الوزيران يمارسان دورهما في هيكلة هذه المؤسسات، لتنشيطها وتطوير قدراتها، وضم الصالح من السلاح الذي ساند الدولة، وعدم التنكر له، ومن ثم اعادة بناء القدرات بما ينسجم مع مفهوم وتعريف الدولة القانونية التي تدير شأنها الأمني بمؤسسات محددة وفق النظام، ولا تسمح لأي جهة أن تأخذ مكانها في انفاذ القانون أو اجراءاته. هذا التحول الكبير في الوزارتين، يمكننا نسبه وبلا تردد لجهود قاسم الاعرجي عرفان الحيالي. فالأعرجي الذي بدأ مشروعا طموحاً منذ تسنمه مهامه، دون أن يكون على الأرض ما يشير الى امكانية نجاح مثل هذه المبادرة، أو تحقيق نسبة من هذا الطموح، لكن الرجل الذي يملك الكثير من الثقة بالذات والتوكل على الله سبحانه، والرهان على الشعب العراقي الذي يريد أن يرى انجازات تبرق بعد ان ادلهمت سحب الغيم السوداء فوقه، نجح بإمتياز في تحقيق مشروعه التجديدي. ولعا أهم وأبرز الخطوات واوضحها التي اتخذها في بناء قدرات وزارة الداخلية العراقية، هو اعتماد مبدأ الكفاءة والقدرة على العمل وبذل الجهود، ولم يلتفت الى الصيحات التي تعلو بعد ذلك من نائب موتور هنا، أو كتلة لا تريد أن ترى نجاحاً يضر رصيدها الانتخابي القائم على الكوارث، ويسمح لها بالمتاجرة بالفشل، وجعله سلماً للوصول الى النجاح الانتخابي. بل لم يسمح الأعرجي حتى لمن يدعون وصلاً به، أن يوقفوا عجلة الاصلاحات الجذرية في الداخلية، ولا يزال يصم اذانه عن الاعتراضات التي لا تنطلق الا من حرص حزبي أو فئوي أو شخصي، فيما ينطلق الوزير الاعرجي من فهم حقيقي للواقع الأمني، ويضع الاعتبارات المهنية اولاً في هذه العملية. قطار الاصلاحات الأمنية الذي وضعت عجلاته على السكة الصحيحة، قطع الآن شوطاً كبيرًا، ولا يزال مستمراً دون أن توقفه الحجارة، أو التلويح بالعصي، بل أن سمة الإقدام والثبات ووضوح الرؤية والهدف والاتجاه هي السمة الحقيقية لهذا القطار، الذي ينتظر منه الوصل الى محطة مأسسة الداخلية، أي جعلها مؤسسة مهنية أمنية محترفة، تغلق نوافذها أمام السياسة، فيما تفتح ابوابها مشرعة امام القانون وانفاذه، وتضع ضمن إستراتيجيتها الأمنية الأمن المجتمعي المبني على التعاون الشعبي مع تلك الإجهزة، فضلاً عن تثبيت معنى ومفهوم الوزارة الخدمية في ذهن منتسبيها، وتلك مهمة صعبة، فكيف يمكن اقناع جهاز شرطوي بأنه مؤسسة خدمية، لا تسلطية، ولا هدف سياسي له، بل هدفه الأساس هو خدمة الناس، وأن الأمن جزء من الخدمات المكفولة دستورياً للمواطن، وضمن حقوقه الاساسية التي يجب ان تصان وتحفظ وتقدم له على طبق من ذهب. أن اتقان الاعرجي لهذا الدور ينبئ بشيء كبير، وتطور ملحوظ، وسيعزز الأمل في تحول جهاز " الأمن " العراقي الى مؤسسة حقيقية، تضاهي المؤسسات الأمنية والشرطوية في الدول الديمقراطية القانونية.
*
اضافة التعليق