بغداد- العراق اليوم: يشترط في المسؤول الحقيقي أن يكون شخصية متكيفة مع المحيط، سريعة التعامل مع مفرداته المتغيرة، ذات استجابة نوعية مع التحديات، لا أن تهزمها التحديات، أو تقولبها الأزمات في قوالب معينة يستحيل بعدها الخروج من تلك الشرنقة. فالقائد، او المسؤول كاريزما وحضور واداء وفاعلية في كل الاوساط، له قدرة على قراءة الوقائع والاحداث واستباقها في وضع التصورات الدقيقة عنها، لذا يمكن أن نقول عن القائد أنه يسبق محيطه بخطوات، فحين تهزم المفاجأت الكبيرة أو الخطوب الجليلة الكثير ممن يتبؤون مناصب قيادية، وتطيح العواصف غير المتوقعة بكثير ممن يتسنمون اعلى الهرم في القيادة، يبقى القائد الحقيقي واقفًا في ساحة المواجهةِ تلك، ويرفع بيده رايته مهما ضحى ومهما دفع، لأنه يعرف أن النصر حليفه، وان المعارك كر وفر، ولحظة انكسار، ولحظات عديدة للنصر، بل وأبدية الانتصار اذا كانت القضية عادلة، وكان القائد، أو المسؤول الوطني الشريف النزيه، جذراً في شجرة شعبه، لا ورقة توت تسقطها أدنى رياح تهب. من هنا يمكن القول أن صناعة القادة الحقيقين، هي واحدة من اكثر الصناعات تعقيدًا، وهي تفوق تلك الصناعات الدقيقة بكثير، فالقائد هو اللبنة الأولى التي ان توفرت قام عليها البناء الحضاري، وتطورت نهضة الأمم، وأن غابت تلك الكاريزما اندثرت الأمم، وخبت في ظلام دامس. فأمة بدون قيادات حقيقية ناهضة قادرة على الصمود أمام المشاكل العميقة، وسريعة الاستجابة للتحديات، أمةً ضائعة، تفتقر الى حراك اجتماعي في عمقها لانجاب اولئك القادة، وصدق من قال " أعظم الولادات لا تتم دون ألم المخاض". من هنا كان المجتمع العراقي من المجتمعات الحية التي تلد قيادات وطنية شجاعة مقاومة ومضحية وذات اقدام على اتخاذ اصعب القرارات، واخطرها في سبيل تحقيق غاية الشعب وحلمه في بناء غده، وتحسين يومه، وصيانة أمسه من الدس والتحريف.ولدينا سجل تاريخي خالد يزدحم بالقادة العظام، وبالمسؤولين النزهاء النجباء، ويكفي ان نذكر من بينهم القائد الشجاع والمسؤول النزيه عبد الكريم قاسم لنستدل على بيدر الرجال العظام الذين انجبهم العراق المعطاء. وبالأمس، كانت الاستجابة كبيرة بحجم الديكتاتورية التي جثمت على صدر الوطن، فكان ان افرز الشعب قادة شجعان من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، وقفوا ببسالة ضد الدكتاتور وحكمه، من اعلى قمة في شمالنا الحبيب الى أخر نقطة في أهوارنا الصابرة، واختلطت دماء الشيوعيين مع دماء الاسلاميين في معركة الخلاص الطويلة، وكان أن نذر رجال انفسهم لتلك المهمة، وكان من بينهم الوزير الحالي للداخلية المجاهد البطل قاسم الاعرجي، الذي عرف عنه شجاعته وبأسه واقدامه رغم صغر سنه انذاك وكان الرجل الذي ارعب الطواغيت مع صحبه المجاهدين من فتية بدر يتقدمهم القائد هادي العامري وبقية الفرسان، شعلة من النار والغضب بوجه العدو المتغطرس، عبر عمليات نوعية مؤثرة نفذت بالاشتراك مع رفاقه المجاهدين في فيلق بدر الظافر، وابناء المقاومة العراقية ضد الدكتاتور صدام وحاشيته. وما ان اطيح بالبعث من السلطة، انبرى الاعرجي مقاوماً للاحتلال الامريكي المباشر، فمن رفض دكتاتورية ابن البلد، لن يقبل ان يكون بديلها سرف دبابات اجنبية تجوب الشوارع والطرقات والمدن، ودفع الأعرجي ثمناً للموقف البطولي سجناً طويلاً في سجون الاحتلال. وما ان خرج من وراء القضبان مكللاً بشرف الجهادين، جهاد الدكتاتورية والاحتلال، حتى كمله ابناء واسط الكرامة والتاريخ، بشرف تمثيلهم في البرلمان العراقي نائبًا عنه، وصوتًا شجاعاً مدافعاً عن حقوقهم، ولكن الاعرجي لم يكتفِ بهذا الدور، فعاد رجل الحرب الشرس الى حرب أخرى لا تقل ضراوةً عن تلك، أنها الحرب على الفساد والارهاب وداعميه ومموليه مهما كانوا، ومهما كانت الجهات التي تقف خلفهم. لقد اثبتت السنوات اللاحقة في تصدي الأعرجي للمسؤولية النيابية أنه رجل يستحق التقدير العالي، فتراه في لجنة الأمن والدفاع شرساً مدافعًا عن البلاد، وتراه على شاشات التلفزة العراقية والعربية متحدثًا عن مظلومية شعبه، وعن تكالب قوى الشر عليه، وقد اخرس عشرات المتحدثين من داعمي الدواعش او شيوخ منصات العار في احاديث تلفزيونية شهيرة ادت الى هروبهم من مواجهة قوة دليله، وبيان حجته، ونضجه السياسي الذي تجاوز الأطر الطائفية والقومية، حتى أنه حظي باعجاب نيابي من كتل سنية قبل الشيعية منها، ومن الكرد قبل العرب، فكان السيد قاسم الاعرجي شخصية الاتفاق في المجلس النيابي ومن قادة الرأي الراجح، ومن الذين يمسكون باكسير الحلول لكل مشاكل السياسة التي كانت تقسم البرلمان والشعب. انتقل الاعرجي من ميدان الى أخر، لكنه بقي يرفع شعار الحرب، نعم الحرب على المفسدين والسراق والمتآمرين وكل من يريد ان يعرقل المسيرة، وحين شغر منصب الداخلية، لم يجد مجلس النواب شخصًا اميناً ومخلصًا افضل من الاعرجي ليتولى المنصب في لحظة حساسة ومفصلية في تاريخ العراق، حيث الحرب الكبرى قائمة مع الدواعش فكان نعم الاختيار، وحسن التوجه، فقد وهب الأعرجي العمل الامني صفة أخرى، اذ تحولت الوزارة بعهده الى الحصن المنيع، بل والفوهة المتقدمة في الحرب على الأرهاب. شاهد الجميع الأعرجي وهو يصول ويجول في ميادين الحرب كافة، مثلما شاهده الجميع وهو يتابع كل شاردةً وواردةً في الوزارة، ولم يقتنع أن يقال له وزير داخلية العراق دون ان يضع بصماته الجهادية على العمل الأمني، فكنا امام رجل دولة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبقينا نتابع اداءًا لم يسبقه اليه أحد. واستحق هذا الرجل بجدارة لقب وزير الحرب ووزير السلم، وللحديث صلة...
*
اضافة التعليق