بغداد- العراق اليوم:
بدأ موقع أمريكي بنشر مذكرات رئيس جهاز المخابرات الصدامية الأسبق برزان التكريتي، الأخ غير الشقيق للديكتاتور صدام حسين، وقد كشف خلالها اسرارًا من داخل اروقة الحكم، فيما قام الكاتب العراقي سيف الدوري بنشر ترجمات عن هذه المذكرات، ومنها ما يتعلق بمصرع وزير الدفاع العراقي الأسبق الجنرال عدنان خير الله، الذي يعترف برزان بأن حادثة موته كانت مدبرة بقوة من صدام حسين ذاته، فعن مصرع وزير الدفاع عدنان خير الله بحادث سقوط الطائرة الهليكوبتر التي كان يقودها متوجهاً الى شمال العراق، يقول برزان في مذكراته: غادرنا جنيف ومعنا السيد حامد الجبوري سفير العراق في العاصمة السويسرية (برن) ووصلنا حدود الثانية والنصف بعد منتصف الليل، ذهبت شجرة الدر الى البيت وانا الى بيت سبعاوي لكي استوضح الأمر .
وصلتُ بيت سبعاوي في حدود الثانية صباحاً، فوجدته جالساً في شرفة بيته.
جلسنا قليلاً ثم سألته عما جرى . فقال ان عدنان كان في شمال العراق في منطقة اعتاد على ارتيادها، ولديه فيها منتجع، كما كان الرئيس ايضا في منطقة مجاورة بأحد منتجعاته، لكن عدنان جاء الى بغداد لأخذ عائلته الى هناك ليقضي معهم ايام العيد الذي يصادف اليوم التالي ليوم مقتله، وكانت ترافقه طائرة سمتية اخرى، وعند منطقة تقع جنوب الموصل سقطت طائرته فيما الاخرى لم يحصل لها شيء.
وذكر في البيان ان عاصفة هوجاء ادت الى سقوط السمتية التي كان فيها عدنان خير الله. وقال ان لجنة تحقيقية تشكلت للتحقيق في الموضوع، الذي اتضح فيما بعد أنه تزوج من إمرأة تعرّف عليها في ظروف غامضة، وصاحبها، وانجب منها طفلاً أسماه (محمد)، وقد جاء الى بغداد لاخذها مع طفلها، ولكي يزور الرئيس هناك ويخبره بالأمر.
وفي اليوم الاخر، اي في 7/4 على ما اذكر ، ذهبنا أنا وسبعاوي لمقابلة الرئيس، وكان قرارنا ان نتحدث معه بشكل مباشر، وبصراحة، عن الوضع الذي حلّ بنا، ومنها ضرورة ترتيب الامور في حالة حدوث شيء للرئيس فقابلناه في مكتبه بالقصر الجمهوري، ودار حديث حزين عن عدنان وفقدانه، فقال الرئيس لي :
ماذا تعتقد أنت بعدنان، هل تعتقد أنه يصلح لحكم العراق، قالها بشيء من الانفعال، ثم قال: شوف برزان هل تدري لماذا تعاطف الناس مع ما حصل لعدنان ؟
واضاف: سبب تعاطف الناس معه لأنه إنسان لا يقول لمن يضرب الشمس بالقمر لماذا فعلت ذلك. واضاف إذا عدنان يستلم رئاسة العراق سوف يأخذوها منه بعد ثلاثة اشهر ..!
قلتُ له أنني لا أناقشك عن هذه المسألة، ولكن الذي اريد قوله هو ضرورة الانتباه والاحتراز . فرد عليّ بسرعة وبعصبية مِن مَن احترس؟ فوجدتُ نفسي في وضع يجب ان استمر للامام لانها اكثر فائدة وربما تجنبني تفسيرات الرئيس المبنية على الشكوك وعلى نظرية المؤامرة. فقلتُ له وبحزم أن حسين كامل وعلي حسن يستطيعون اعتقالك او قتلك.
قال بإستغراب وإستنكار وعصبية : كيف ؟
قلت له ان الحرس الجمهوري والحرس الخاص والامن الخاص يؤتمر بأمر حسين كامل، وعلي حسن مسؤول التنظيم العسكري ، ولأنهم يتكلمون باسمك وينقلون أوامرك للجيش وبقية المؤسسات الحزبية والرسمية ، لذلك سوف تنفذ الدولة والجيش ما يطلبوه منها.
نظر لي الرئيس نظرة تخترقني، ولكنه لم يعقب بشيء عن ما قلت ، انما قال لي: لماذا تكره حسين كامل هل تعلم بحقيقة لولا حسين كامل لهزم العراق امام ايران؟!
عندما سمعتُ كلامه هذا صدمتُ . فقلتُ له والله اذا كانت هذه هي الحقيقة فحسين كامل يستحق اكثر مما هو عليه، واضفتُ قائلاً :
سيادة الرئيس أين أنت اذن؟
أن حسين كامل يذبح بسيفك، ولولاك لما كان يساوي شيئاً. إن كل قوته ووجوده لانه محسوب عليك . اصبح الجو متشنجاً جداً ، فقال نلتقي غداً.
وفعلاً تم استدعائي مع الاخوة سبعاوي ووطبان الساعة الثانية عشرة ظهراً من اليوم التالي الى مكتب الرئيس فوجدناه رئيس دولة بكل معنى الكلمة، يعني انه رسمي جداً وبدرجة رئيس دولة، دخلنا، وسلمنا عليه ولم يصافحنا، كان جافاً جداً، أشار علينا ان نجلس حول طاولة يوجد حولها ستة كراسي ، لم يقل لنا (الله بالخير)، ولم يرسل لنا على ماء أو شاي .
جلس على رأس الطاولة مبتدئاً بالحديث قائلاً ، أنني طلبتكم أنتم الثلاثة لاجل استكمال ما بدأنا به نهار أمس ..
وقال متوجها نحوي أنت يا برزان تكره حسين وأنني بصراحة أخاف منك على بناتي لانك تنوي شر لازواجهن.
قلتُ له أنني لا اكره احداً، ولكنني اشعر ان حسين كامل وأقرباءه يمثلون خطراً عليك وعلينا وعلى نظام حزب البعث ، لأن هؤلاء ليسوا بعثيين بالمعنى الصحيح ، وأنهم يتسللون للوصول الى اهداف خاصة بهم ، إنهم طماعون ومستعجلون . قال كيف . قلتُ سوف اكرر ما قلته لك نهار أمس، ولكنني سوف اقول لك ان حسين كامل وعلي حسن غير مخلصين لك. قال كيف. قلتُ لانهم يدفعونك لذبح المزيد من الناس ، وحتى من عشيرتك وعائلتك .
قال كيف؟
قلتُ له كل محاولاتهم والتزويرات التي نسجوها ضدي وأفشلها الله كان هدفها دفعك لذبحي. والاساليب التي إستعملوها ودفعوك لذبح عمر الهزاع واولاده خير دليل . قلتُ له لو كنتُ التقي معك في ذلك الوقت لبذلتُ قصارى جهدي لمنعك من اعدامهم ليس حباً بهم ، بل حباً لك وتحسباً للمستقبل الذي لا احد يعرف ماذا يخفي لك ولنا جميعا.
المهم كانت الجلسة عاصفة جداً، والرئيس كان بوضع غير طبيعي ، ولا اعرف لماذا، ربما بسبب إنعكاس عملية قتل عدنان خير الله عليه مما جعله يشعر بألم مما يجعله ينفعل .. إنه نوع من انواع تأنيب الضمير . إنني اعرف انه يتظاهر بالانفعال لكي يغطي على موضوع معين ، ولأجل أن يرهب المقابل ، ولكنني لحد الان لا استطيع أن اخمن سبب إنفعاله ذاك. وفي اخر الجلسة قلتُ له إنك بمثابة الاب للجميع وبنفس الوقت أنت الرئيس لهذا البلد ، لذلك اقول لك يجب أن تعطي الفرص لمن يستحقها وبشكل عادل ، قال ماذا تقصد ؟ قلتُ له لاتوجد عدالة باسناد المسؤوليات لاقربائك . وسكتُ ، وهو بدوره لم يعلق.
الذي حصل بعد اقل من شهر أنه اصدر أمراً بفك ارتباط الحرس الجمهوري عن حسين كامل ونقل علي حسن من التنظيم العسكري الى التنظيم المدني للحزب وتعيين كامل ياسين الرشيد بدلا من علي حسن.
*
اضافة التعليق