خاص - العراق اليوم:
مع اقتراب تحرير الموصل بشكل كامل من قبل القوات المسلحة العراقية، وفصائل الحشد الشعبي وقوى التحالف الدولي الساند للعراق، بدأت الأروقة السياسية ومراكز القرار والدراسات سواءاً في العاصمة بغداد أو أربيل او حتى عمان تبحث عن سيناريوهات شكل المدينة بعد تخليصها من سيطرة تنظيم "الدولة" داعش، حيث تطرح هذه السيناريوهات عبر وسائل الاعلام على شكل تسريبات لجس النبض ومحاولة استقراء الرأي العام العراقي والدولي، فما هي رؤية الاطراف الداخلية والدولية لشكل المدينة بعد التحرير؟
الحكومة الأتحادية
تسرب الاوساط المقربة من الحكومة الاتحادية سيناريوهات متعددة لشكل الموصل، من بينها حل مجلس محافظة نينوى واقالة المحافظ الحالي نوفل العاكوب، وتعيين حاكم عسكري للمدينة يتولى ضبط الأمن فيها، واعادة الحياة اليها من جديد، ومن ثم يصار الى انتخابات جديدة في المدينة، تفضي لتشكيل سلطة جديدة، لكن بماذا يصطدم هذا السيناريو؟ محللون يرون ان هذا الطرح يصطدم بعدة حواجز أبرزها القانوني، فليس من حق رئيس الوزراء دستورياً حل مجالس المحافظات او اقالة المحافظين الا عبر آليات دستورية، وتعرض على البرلمان كونه صاحب السلطة التشريعية العليا، وكذلك فأن الاقالة لا تعطي لرئيس الوزراء تنصيب حكومة محلية بديلة للحكومات المحلية القائمة، وهناك عقبات سياسية من أبرزها التنوع الديموغرافي الواسع في نينوى، وتعدد مصادر القوى الى جانب الحكومة المحلية التي ستمانع مثل هذا الخيار.
فيما يرى محللون في مراكز دراسات عراقية، ان السيناريو الأقرب لدى الحكومة الاتحادية بعد التحرير هو الابقاء على الحكومة المحلية، وحتى المحافظ الحالي نوفل العاكوب، لدرء نشوب صراع سياسي قد يؤدي الى اضطراب الاوضاع الأمنية، وخصوصاً ان القوى المتنفذة ستكون بأوج قوتها، لكن هذا لا يعني ان تترك حكومة بغداد الأوضاع بيد الحكومة المحلية، ان ستعمد لتشكيل قيادة عمليات خاصة للموصل تتولى ادارة الملفات الأمنية برمتها وتكون صاحبة القرار أكثر من اي جهة أخرى.
الاكراد
تتمتع قوات البيشمركة الآن بدعم قوي من امريكا والمانيا فضلاً عن دول غربية أخرى، وبدعم محدود من تركيا لاسيما بيشمركة البرزاني، المصادر السياسية تحدثت عن رغبة كردية بعدم الانسحاب من المناطق التي احتلتها البيشمركة، بل تفضل البقاء في مواضعها ، فهي تراها فرصة سانحة لتطبيق ما تعتقد انه فشل في السياسة، من خلال فرض حدود جديدة على ارض الواقع.
مصادر سياسية أخرى تحدثت عن دعم الاكراد لعودة اثيل النجيفي المحافظ السابق الذي سقطت المدينة ابان فترة حكمه، لافتين الى ان هذا الدعم جزء من الترضية مع تركيا.
الرؤية الامريكية
لا يمكن التكهن بالرؤية الامريكية الان، مع قرب تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب، لكن يمكن قراءة الرؤية الامريكية بشكل تقريبي مع ما تنشره الصحافة الامريكية لكبار الشخصيات السياسية والعسكرية، فقد نشر الجنرال بترايوس في 12 اب الماضي مقالا في صحيفة الواشنطن بوست عبر فيه عن رؤيته لمدينة الموصل بعد تحريرها من سيطرة داعش، وقد قدم مجموعة نصائح للحكومة الاتحادية خاصة لتحقيق الامن والاستقرار والتعايش.
يقول فيه " في الأشهر القليلة المقبلة، تمت قوات عربية وكردية في اغلبية سنية وحتى بعض القوات الشيعية. ستدخل الموصل لتطهير المدينة من تنظيم داعش الارهابي وتعمل على اعادة الحكومة المحلية واعادة الاعمار.
مما لا شك فيه ان تنظيم “داعش” سيهزم في الموصل على ايدي قوات عراقية، ولكن يبقى السؤال ماذا بعد ذلك؟
ان تحقيق الاستقرار والامن وبناء التوازن في مدينة متعددة الطوائف والاديان يعد تحديا كبيرا، وعدم تحقيق ذلك سيؤدي الى ولادة جديدة لتنظيم داعش، فيبدو ان الحكومة العراقية ستواجه الصعوبات نفسها التي واجهناها في الموصل بعد عام 2003 (كان بترايوس يقود الفرقة 101 المحمولة جوا من القوات الامريكية)، إلا أنى لدي انذاك القوة اللازمة والصلاحيات التي تمكنني من السيطرة على الامور ووضعها في نصابها.
اما اليوم فالحكومة الامريكية لم يعد لديها قوة عسكرية او صلاحيات تمكنها من استعادة السيطرة على الامور في العراق. الا انها وبلا شك قد وفرت للقوات العراقية الاساليب الاستخباراتية والمراقبة اضافة الى تطوير نظم المعلومات العسكرية والتدريب اللازم، الامر الذي ادى الى الانتصارات التي تحققها القوات العراقية اليوم في الفلوجة وبيجي ومناطق جنوب الموصل..
لقد كانت جهودنا ناجحة في نهاية 2003 لتحقيق التوازن حيث عملنا على قانون عفو عن اعضاء حزب البعث واعادة مئات الالاف من الجنود العاطلين عن العمل واعطائهم وظائف، الا ان السلطة في بغداد عملت على استبعادهم وسن قانون اجتثاث البعث فضلا عن خفض موازنة محافظة نينوى والمناطق السنية الاخرى، ما ادى الى ضعف دعم ابناء محافظة نينوى والعرب السنة عموما للنظام السياسي في العراق الجديد، وجنح بعضهم الى المعارضة والتمرد.
يفترض ان نكون قد تعلمنا الدرس في هذا اليوم، فالواجب عدم الوقوع في الخطأ نفسه إذا كان الهدف هو القضاء على الارهاب وبناء محافظة نينوى من جديد، خاصة عدم التغافل عن حقوق السنة وانشاء حكومة شاملة متوازنة، وأفضل وسيلة لتحقيق ذلك يكون عبر اعادة نفس التجربة التي قامت بها القوات الامريكية في عام ٢٠٠٣ وخلال عمل شامل لا يستبعد اي من المكونات، واعطاء تطمينات للسنة بالحفاظ على حقوقهم.
والاهم من ذلك عدم اعطاء اي دور للشيعة في ادارة ملف الامن في محافظة نينوى لان ذلك قد يؤدي الى نتائج كارثية كما حدث في حزيران ٢٠٠١٤. على حكومة بغداد ان تقدم التزامات أكثر وضوحا حول مستويات الموارد واعطاء المحافظة حكما ذاتيا أكبر (اقليم نينوى) في تحديد اولويات الانفاق.
ان المهمة التي تواجه العبادي معقدة وصعبة للغاية، ولكن الوسيلة للعمل على حلها هي المضي قدما في مواجهة المشكلات والعمل على الضغط على الاطراف للاشتراك في معالجة تلك القضايا وبمساعدة قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة التي سوف تعمل بدورها على توفير كمية كبيرة من المساعدات لتحقيق النجاح المنشود ومبادرة التعمير جنبا الى جنب مع شركاء الائتلاف، كما سيكون لها تأثير كبير في حل تلك القضايا وسوف تضطر الى ممارسة نفوذها في هذا الصدد.
اين سيلجأ الدواعش؟
وفي مقالة في صحيفة نيويورك تايمز، قال الباحث الأكاديمي في شؤون الشرق الأوسط حسن حسن، إن مسلحي داعش سيتوجهون إلى الصحراء بعد طردهم من الموصل، وإن وجودهم في تلك المناطق المترامية الأطراف "لا يقل أهمية عن وجودهم في الموصل".
وأضاف حسن أن "اختباء" عناصر التنظيم في المناطق الصحراوية هو استراتيجية مفيدة لداعش على المدى البعيد.
وحذر كاتب المقال من أن ما حدث في 2007، عندما اتخذ داعش من الصحراء قاعدة يشن منها هجماته، قد يحدث مرة أخرى بعد تحرير الموصل، محذرا من أن اختباءهم في الصحراء الشاسعة سيجعل مطاردة القوات العراقية لهم أمرا صعبا. وفي نهاية مقالته، طالب حسن السلطات العراقية بـ “إعطاء الفرصة للعراقيين السنة لملء الفراغ الذي سيتركه داعش في الموصل".
مكونات الموصل: أمريكا هي الحل !
وكان عضو إيزيدي في مجلس محافظة نينوى قال أن النزاع بين بغداد وأربيل حول مستقبل الموصل، بعد طرد «داعش» سيحسم بـ"إرادة أميركية"، فيما طالبت كتلة مسيحية واشنطن بضمانات دولية لحماية الطائفة ومستقبلها.
وكانت قوات البيشمركة رفضت دعوة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى وقف تقدمها نحو الموصل والبقاء في مواقعها، وأكدت المضي في استعادة المناطق التي تعتبرها جزءاً من إقليم كردستان في نينوى.
وقال داود جندي وهو قيادي إيزيدي في قوات حماية سنجار: "أنا على قناعة تامة أن التشنج القائم بين أربيل وبغداد حول نينوى مجرد إبراز للعضلات عبر الإعلام، والفيصل في هذا الصراع يكمن في قرار من خارج الحدود، وتحديداً واشنطن، وسيُفرض على العراقيين أكراداً كانوا أو عرباً، وللأسف فإن السياسيين لم يجعلوا من الدستور مرجعاً لحل الخلافات". وأضاف: "أنا على يقين بأن مصير بقاء البيشمركة من عدمه في المناطق المتنازع عليها لن يحسم بالتصعيد الكلامي، بل بقرار أميركي."
وعن موقف الولايات المتحدة من هذه الخلافات، قال: "خلال لقاءاتنا المستمرة مع المسؤولين الأميركيين، يؤكدون دائماً أن على العراقيين التزام القوانين والدستور، لكنهم متناقضون في سياساتهم، يفعلون عكس ما يصرحون به."
وتابع: "من غير الجائز أن يتحدث أي طرف عن تفاهمات على مستقبل الموصل، طالما هناك مجلس وحكومة محليان ومؤسسات شرعية في نينوى، والحل هو أن تدعم بغداد وأربيل هذه المؤسسات لوضع الحلول المستقبلية." وزاد: "في حال استمرتا في مواقفهما في ظل وجود إملاءات خارجية فإن ذلك لن يخدم أياً من الأطراف."
رؤية مجهولة لما بعد الحرب
وفي تقرير على موقع شبكة سي أن أن، لاحظ الكاتب ريناد منصور أن هناك "مناخا عاما من التعاون في العراق بين السنة والشيعة والأكراد"، وأن الحرب على التنظيم "جمعت الفصائل المتعارضة سويا".
ولكن "غياب الاتفاق بشأن مستقبل الموصل بعد رحيل داعش" يبقى أمرا مقلقا، إذ لكل طائفة رأي مختلف حيال الإدارة السياسية التي ستملأ الفراغ الذي سيتركه داعش.
فعلى سبيل المثال، يدعم الأكراد عودة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي إلى منصبه بعد تحرير الموصل، بينما ترفض قوات الحشد الشعبي عودته، بحسب التقرير.
وحذر منصور من "ازدهار تنظيم داعش وسط الانقسامات السياسية"، مضيفا أن التحدي الحقيقي للقيادة العراقية هو خلق مناخ من التعاون بين الأطراف كافة للوصول إلى تسوية بشأن مستقبل الموصل.