بغداد- العراق اليوم:
لم تعرف أدبيات العمل السياسي العراقي، نفاقًا كهذا، ولا تلونًا كالذي يحدث الآن، حيثُ إن ثمة استدارات حادة ومفاجأة بل وغير منطقية تحدث، وتحولات تطرأ دون سابق إنذار، اللهم سوى أنها وليدة المصالح المتحولة، وبنت شرعية للانتهازية السياسية، التي يتمتع بها نفر يحسبون أنفسهم عنوةً على ملاك العمل العام، وهم ليسوا إلا "نكرات" دفعهم ارتباك المشهد، وضعف التحصين الذاتي للمشروع السياسي الجديد للواجهة، كما أن قوى دولية اختارت مناطق رخوة للاختراق، فلم تجد أنسب من أيتام النظام السابق وسماسرته لتغرزهم في قلب المشهد العراقي، وللأسف أصبحت الساحة السياسية (السُنية) مرتعًا للمشاريع الخارجية، وباتت منطقة نفوذ صريحة تتقاسمها القوى الإقليمية، بل وتتصارع فيها جبهات متعددة من أجل الاستحواذ على أوسع مساحة نفوذ. وما تحول العاصمة الأردنية عمان إلى وكر واضح للاصطياد المخابراتي الا شاهداً واضحاً على صحة ما نقول، فتلك العاصمة أصبحت المركز ألاستقطابي الأهم للعمل المخابراتي الدولي، وهناك جرت عمليات التوظيف والاختراق، وصناعة الزعامات (الكارتونية)، وتسويقها للداخل العراقي. ولعل من بين هذه الزعامات المصنوعة بمعامل دول الجوار وتدخلاتها، خميس الخنجر، الراعي الذي خدم عائلة صدام في مراعي الانبار الشاسعة، ومن هناك أدار تلك الثروة الحيوانية الهائلة التي كان يديرها آل صدام وحواشيه، وما إن سقط نظام صدام حتى استولى خميس الخنجر على تلك الأموال الطائلة، وحولها الى مليارات من الدولارات ليفر الى الأردن، وتلك سيرة معروفة للرجل ومكشوفة. ولكن ما يثير الانتباه والتعجب، هو تلك الرغبة الداخلية التي تبديها أطراف حكومية وغير حكومية للتصالح مع الخنجر، وإعادة غرزه في قلب بغداد، عبر تسوية ملفاته الكبيرة والهائلة، حيث تشير المعلومات المتوافرة الى ان جهودًا تبذل الآن في سبيل اعادة بناء دور السياسي للرجل المتنفذ تقود هذا الحراك سفارتا قطر وتركيا. فالرجل حسم موقفه بشكل واضح، وانحاز الى المحور القطري التركي ضد المحور السعودي الأماراتي، وبات هو عراب مشروعهم السياسي في العراق، ولذا فأن ما يسمى بـ ( المشروع العربي في العراقي) الذي جرى تسجيله كحزب سياسي من قبل المفوضية العليا للانتخابات ما هو الا بوابة جديدة لشرعنة الاختراق العميق من هذا المحور الخطير. فيما بدأ هذا المشروع الخنجري المعادي للشعب العراقي، ولجيشه الباسل، والداعم الاساس لمخيمات الاعتصام سيئة الصيت، والمبشر بدخول داعش الى العراق، والذي وصفه الخنجر بـ (ثوار العشائر)، في حين وصف الجيش العراقي الذي اصيب بانتكاسة، بالجيش الصفوي المنهزم. وجيش المالكي الطائفي، وغيرها من العبارات الشهيرة التي كان يرددها هذا الخنجر ومن معه في الجوق المتحالف معه. واذا ما كانت الذاكرة العراقية معطوبة بفعل المواجع والكوارث الهائلة التي مرت على البلاد، فهل يراهن الخنجر على ذلك العطب ليخترق عبره العملية السياسية من جديد؟، وهو يحتفل ومشروعه " العربي" بعيد تأسيس الجيش العراقي، والذي يقول عنه في بيانه الصادر عن مكتبه بأنه " جيش وطني سجل مآثر خالدة !". ان الرهان على الخداع ومحاولة تغيير المواقف، ومسح التاريخ الأسود لن يأتي بنتيجة أبدًا، فهو رهان على نسيان بحور من الدماء، ومحاولة للقفز على محيطات من الوجع العراقي الذي تسبب به الخنجر ومن هم على شاكلته، واذا ما كانت ضغوط السفارات الاجنبية كبيرة على بعض القوى الرسمية وغير الرسمية، فأنها ستكون عاجزة عن إقناع الرأي العام العراقي بالتنازل عن ثوابته، ومطالباته بمحاسبة كل من تسبب باهراق الدماء الزاكية، وفتح الباب مشرعةً امام جرذان داعش التي عاثت في الأرض الطبية فسادًا، ولذا فأن مثل هذه المحاولات ما هي الا جزء من كشف الاعيب هذه القوى وخطوات للتعجيل في فضحها، فهل يصح أن نتقبل رقص هولاء مرتين، مرةً على اشلاء ابناء قواتنا المسلحة المغدورة، ومرةً في عيد ميلاد هذه القوات، التي اصبحت رافدًا ثالثاً يرفدنا بعطاء لا نظير له، ولن يحتاج بالتأكيد الى احتفالية خنجر، ولا سيف، ولا كل تلك " الامعات" التي صنعتها دوائر مظلمة !!z
*
اضافة التعليق